المهربون

الحدث الأربعاء ٣١/أكتوبر/٢٠١٨ ٠٣:٤٨ ص
المهربون

رمادة (تونس) - رويترز

فقد زبير عبدالمولى عمله في بيع الوقود المهرب في شوارع مدينة رمادة الفقيرة في جنوب تونس بعدما شددت الحكومة إجراءات السيطرة الأمنية مع ليبيا لمنع المتشددين من التسلل عبر الحدود الممتدة لمسافة 460 كيلومترا.
ويجلس عبدالمولى حاليا على حشية توقف حركة المرور في الشارع الرئيسي في رمادة مع محتجين آخرين يعانون البطالة ويطالبون بوظائف حكومية وإعانات. ولم يسبق قط للشاب البالغ من العمر 32 عاما الحصول على وظيفة بدوام كامل.
وبدأت تونس حفر خنادق ووضع أنظمة مراقبة وفرتها دول غربية حليفة على الحدود الليبية العام 2015.

طرق التهريب
ويستخدم المهربون منذ عقود طرقا لتهريب الوقود الرخيص والمعكرونة والقمح من ليبيا إلى تونس. ويستخدم الإسلاميون المتشددون الطرق نفسها التي استخدمت أيضا لتهريب المخدرات والسلاح.
ويقول مسؤولون إن إغلاق هذه الطرق ساهم في الحيلولة دون تكرار هجمات مثل الهجوم الذي شنّه تونسي تلقى تدريبا في ليبيا وأسفر عن مقتل عشرات السياح بالرصاص على شاطئ في تونس العام 2015.
لكن الإجراءات الأمنية الصارمة قطعت مصدر الرزق لآلاف الأشخاص الذين انضم العديد منهم إلى الاحتجاجات. وأصبح الاستياء المتنامي مصدر قلق للحكومة التي تحاول الحفاظ على بقائها. وهذه هي الحكومة التاسعة التي تتولى زمام السلطة في تونس منذ سقوط زين العابدين بن علي في انتفاضات الربيع العربي العام 2011.
وقال عبدالمولى "لن نذهب... ليس لدي أمل أن تتحسن الأمور".

عمل الأهالي
وجنوب تونس غني بالنفط والفوسفات اللذين يحركان الاقتصاد الكلي للبلاد لكن نادرا ما تكون الوظائف الجيدة في هذين القطاعين من نصيب السكان المحليين الذين يفتقر أغلبهم للمهارات الهندسية اللازمة. والفقر أشد في المنطقة المحيطة بمدينة رمادة مقارنة بالعاصمة تونس التي تقع على بعد 600 كيلومتر إلى الشمال.
وقال عبدالمولى "الجنوب يوفر كل شيء (لتونس)... هناك شركات أجنبية تحصد الأموال من هنا لكن نحن أهالي هذه المنطقة لا نجد فرص عمل في حقول النفط".
واعتاد محتج آخر يدعى عبدالله أن يقضي لياليه في السابق بمناطق نائية على الحدود لشراء النفط من سائقي الشاحنات الليبية ليبيعه في رمادة. وبفضل الدعم فإن سعر الوقود في ليبيا أرخص منه في تونس عشر مرات. وأصبح هذا العمل شديد الخطورة في ضوء السيطرة الأمنية.
وقال عبدالله الذي طلب عدم نشر اسمه بالكامل "لقد كانت لدينا محطة لتوزيع البنزين (الليبي) المهرب مع سبع عائلات أخرى، ولكن الوضع أصبح خطيرا للغاية الآن".

بدون عمل
تشيد الدول الغربية بتونس باعتبارها نموذجا وحيدا للنجاح الديمقراطي في انتفاضات الربيع العربي. وانتقلت البلاد إلى نظام حكم ديمقراطي بعد الإطاحة بزعيم تولى الحكم لفترة طويلة دون نشوب أعمال عنف واسعة أو حرب أهلية.
وأجرت تونس انتخابات حرة وأقرت في العام 2014 دستورا يكفل الحقوق الأساسية على النقيض من أنظمة قمعية أخرى واضطرابات في المنطقة.
لكن الحكومات المتعاقبة منذ سقوط بن علي لم تتمكن من حل المشكلات الاقتصادية المتأصلة. ويكافح رئيس الوزراء يوسف الشاهد للحفاظ على حكومته الائتلافية التي تشهد خلافات حول سبل إصلاح الاقتصاد.
وهجر المستثمرون شمال إفريقيا خوفا من الاضطرابات في ليبيا، وبلغ التضخم 7.4 بالمئة في سبتمبر وهو الأعلى منذ 1990، ووصل معدل الباحثين عن عمل إلى 15 بالمئة.
ويبلغ معدل البطالة في ولاية تطاوين التونسية، التي تتبعها رمادة، 32 بالمئة.
وقال عادل الورغي محافظ تطاوين "لدينا معضلة للعمل هنا...‭ ‬معظم الشبان يريدون العمل هنا في الصحراء (في حقول النفط) لأن الرواتب عالية".
واعتاد العديد من التونسيين عبور الحدود للعمل في ليبيا لكنهم يشعرون الآن بأن الوضع هناك أصبح خطيرا جدا.
وقال الورغي "إذا كان الوضع مستقرا، ما بين 30 ألفا و40 ألفا يمكن أن يجدوا عملا هناك".

الفقر والتشدد
وتحمّلت تونس التهريب لعقود كسبيل لمساعدة الجنوب الذي يفتقر إلى الصناعات التي تتركز أغلبها في الشمال والساحل الشرقي.
وانضم نحو ثلاثة آلاف تونسي إلى تنظيم داعش وجماعات متشددة أخرى في ليبيا وسوريا والعراق، وجاء معظمهم من الجنوب أو من وسط البلاد الذي يعاني نفس القدر من المشاكل.
ويقول دبلوماسيون إن الفوضى في ليبيا تسببت في زيادة عدد المتشددين وحجم المخدرات والأسلحة التي تصل إلى تونس، وهو ما أجبر الحكومة على التحرك.
وتبدي المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا هي الأخرى حرصا على تشديد الإجراءات الأمنية. وتشير تقديراتها إلى أن عمليات التهريب تكلف الاقتصاد ما لا يقل عن 750 مليون دولار كل عام.
وقالت المؤسسة في بيان "نعتقد أن معظم الوقود يذهب إلى تونس وإلى أوروبا عبر مالطا".
وأضافت "بعض الاقتصادات المحلية أصبحت مرتكزة على التهريب وهذا يؤثر على نسيج المجتمعات التي أصبحت تعتمد على النشاط الإجرامي".
ويقول مسؤولون إن التهريب تسبب في نقص إمدادات الوقود ببعض المدن الليبية.
وقال مصطفى الباروني عميد بلدية الزنتان في غرب ليبيا "تم الاتفاق (مع مدن أخرى وقبائل) على رفع الغطاء الاجتماعي عن كل من تورطوا في التهريب".

تصعيد قوي
يقول مسؤولون تونسيون إن من المستحيل وقف التهريب كليا. ويقول سكان إن الحدود لا يمكن إغلاقها في المناطق الجبلية مضيفين أن بعض جنود حرس الحدود التونسيين، الذين غالبا ما تربطهم صلات بالمهربين، يتلقون رشا.
وشاهد فريق رويترز أكشاكا لبيع الوقود مهجورة على الطريق الرابط بين رمادة ومدينة تطاوين عاصمة الولاية، لكن ما زال بعض الشبان يبيعون البنزين حتى في الشارع الذي يوجد به مقر المحافظ.
لكن المحتجين يقولون إن كثيرين جدا فقدوا مصدر رزقهم.
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل سالم بونحاس في تطاوين "آلاف العائلات تعتمد على هذا".
وهدد المحتجون بتصعيد قطع الطرق لمنع الوصول إلى مصافي النفط إذا لم توفر الدولة عملا آخر لهم.
وقالت الباحثة المتخصصة في شؤون شمال إفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كلو تيفين إن الحكومة ركزت بقدر كبير جدا على إغلاق الحدود دون أن تعالج مشكلة الباحثين عن عمل.
وأضافت "مثل هذه السياسات تساهم في زيادة خيبة الأمل التي أعقبت الثورة".