لميس ضيف
المذيع: ماذا تعمل أخي؟
الضيف: نشال الله يسلمك..
المذيع مبهوتا: إش قلت عفوا؟
الرجل: نشال، أنشل السياح والزوار أغلب شيء والحمد الله..
المذيع: ما أعرف صراحة شقول.. أشكرك على صراحتك أكيد صعب عليك تعترف بهيج شيء.
الضيف: عادي، أنا كنت عاطل وما عندي مصدر دخل والحمدلله فتح الله لي ولزملائي باب هذا الرزق وتوفقت. والحمدلله رزقها واسع نشكر الله على النعمة والله يديمها علي وعلى زملائي.
*****
تلك ليست بطرفة.. إنه مقطع من مقابلة بثتها قناة البغدادية التي تتخذ من مقابلة الناس العابرين في الطرقات مادة إعلامية. وكان هذا النشال أحد الضيوف الذين عبروا في ذلك اليوم ونال مقطعه شهرة واسعة. فالجرأة التي تحدث فيها عن عمله غير القانوني أو ما سماه بـ"مهنته" كانت مفاجئة. أما اللافت حقا فهو مقدار الحمد والشكر الذي جرى على لسانه. والطريقة التي صور فيها وصوله لدرب "السرقة" وكأنها نعمة من الله!!
هذا النشال، ليس بعيدا جدا عن قوافل الموهومين الذين نراهم يوميا. الذين يتعاطون التدين المزيف بجرعات خيالية. والذين يرون كل شيء بمرآة عاكسة. فهم يقولون أن الدين جعل الناس سواسية ويرددون {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ومع ذلك، ورغم ذلك، يؤمنون أنهم أفضل من الجميع. ويرفضون مصاهرة عائلات كريمة لأنها ليست من "مواخيذهم". ويعاملون عمالتهم المنزلية وكأنهم رقّ. ويرون أنهم الفئة التي ظفرت بالفهم الأوحد للإسلام وأن الآخرين ضالون مظلون.
ومن أوجه النفاق التي نراها كل يوم. ما يمارسه كثير من الرجال من تجزئة لمفهوم الشرف والعفة. فالحب محرم على ابنته ولو كان طاهرا. وهو مدعاة فخر إن وقع في قلب ابنه- بشرط- أن تكون تلك مجرد تجارب و"تمارين" لا تنتهي بالزواج! وقد يحلل أحدهم حتى الزنى لنفسه لأن الله "تواب" والشيطان "شاطر". ويرى أن من واجب الزوجة أن تقبل عذره إن اعتذر لأن الغفران فضيلة. لكن زمالة بريئة تربط زوجته بزميلها كافية ليطلقها ويرميها بأقذع الألفاظ.
والمرتشي قد يكون أول الناس حضورا للصلاة. والمغتابة لا ترى ضيرا في هوايتها. والغشاش قد يصوم الخميس تطوعا لينال المراتب العليا. ومن يظلم الناس لا يرى بأسا في ما يفعل ولا ترف له عين ولا يرى سقوط نفسه في وحل الخطيئة. فعبادته شيء ومعاملاته آخر. وعلاقته بربه أمر وأخلاقه مع العباد آخر. وساعة لنفسك وساعة لربك. والله غفور علّي- فقط- شديد العقاب على غيري. ومسلسل انفصام الشخصية هذا لا يتوقف ويجر الأجيال جيلا بعد آخر لمفهوم تدين غريب وعلاقة مشوشة مع الخالق أنتجت شعوبا- في مجملها- فاسدةٌ جدا ومتدينة جدا كما قال البروفيسور الياباني وبواكينوتوهارا في وصفه للعرب.
تلفتوا حولكم؛ وستجدون طوابير من أمثال صاحبنا النشال أعلاه. الفرق الوحيد بينهم وبينه أنه صريح. لا يخفي شيزوفرينيا التدين التي عنده بخمار.