الفصل في الركود المزمن

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٤٠ ص
الفصل في الركود المزمن

لورانس هـ. سامرز

كنت أنا وجوزيف ستيجليتز، وروجر فارمر، وما زلنا، متفقين منذ فترة طويلة حول النقاط التي ربما تكون الأكثر أهمية على الإطلاق. فالنموذج «الكينزي الجديد» الذي يرى أن دورات الأعمال تنشأ عن جمود مؤقت في الأجور والأسعار لا يكفي لتفسير أحداث مثل الكساد العظيم والركود العظيم. وكانت الجهود التي بُذِلَت في أعقاب الأزمة المالية قبل عشر سنوات لتحفيز الطلب الكلي ضئيلة للغاية. والتوزيع الأكثر مساواة للدخل يعمل على زيادة الطلب الكلي. وهناك ضرورة لتبني تنظيمات مالية أشد قوة مما كانت عليه قبل العام 2008 من أجل الحد من مخاطر الأزمات في المستقبل.

مع ذلك، ما زلت أختلف مع ستيجليتز في ما يتصل بسجل النصائح السياسية، ومع كل من ستيجليتز وفارمر حول بعض النقاط النظرية في ما يتصل بالركود المزمن.

بدءا بسجل السياسات، أستطيع أن أقول إن ستيجلتز كان محقا في التأكيد على أننا لا ينبغي لنا أن نتوقع من أهل الاقتصاد أن يتفقوا على قضايا تحتمل قابلية أو عدم قابلية التطبيق سياسيا. ولكن ينبغي لهم أن يكونوا قادرين على الاتفاق على ما تقوله النصوص. يدعو التعليق الوارد في صحيفة نيويورك تايمز والذي يستشهد به ستيجليتز بفخر إلى حزمة تحفيز «لا تقل عن 600 بليون دولار إلى تريليون دولار على مدى عامين». وقد دعت إدارة أوباما إلى ــ وحصلت على ــ حافز بلغ في مجموعة 800 بليون دولار، وهو رقم يقع ضمن النطاق الذي أوصى به ستيجليتز، برغم كونه مقيدا من الناحية السياسية بضرورة موافقة الكونجرس. لذا فأنا لست متأكدا ماذا يريد ستيجليتز أن يقول.
يؤكد ستيجليتز أن الدراسة التي استأجرته فاني ماي لكتابتها في العام 2002 ذكرت فقط أن ممارسات فاني ماي الإقراضية في ذلك الوقت كانت آمنة. ولكن ليس هكذا أرى الأمر. فالدراسة تتحدث عن احتمالات عجز عن السداد في غضون عشر سنوات تقل عن واحد إلى 500 ألف؛ وتلاحظ الدراسة أنه حتى لو كان التحليل متجاوزا الواقع بمسافة كبيرة، فإن أي مخاطر تتعرض لها الحكومة تظل متواضعة؛ كما تدعو الدراسة الجهاز التنظيمي القائم آنذاك إلى التقليل من شأن عجز نموذجه عن رصد المخاطر. ويسوق ستيجليتز الحجج ضد مكتب الموازنة في الكونجرس، ووزارة الخزانة، ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، وكل هذه الهيئات اقترحت ــ استنادا إلى نفس المعلومات التي كانت متاحة لستيجليتز عندما كتب بحثه ــ أن الضمانات غير المشروطة المقدمة لفاني ماي ربما تكون باهظة التكلفة.
لا أستطيع أن أجزم ماذا يقصد ستيجليتز عندما يتحدث عن المشتقات المالية. كنت واضحا في مقالي الذي يرد عليه عندما قلت إنني أتمنى لو لم نؤيد تشريع العام 2000. بيد أنني لاحظت أيضا أنه لا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأساسية أثناء إدارة جورج دبليو بوش كانت لتؤكد، في غياب التشريع، على سلطة جديدة كاسحة في إدارة المشتقات المالية، كما أشرت إلى مشكلة اليقين القانوني التي رأى المحامون أنه من المهم التصدي لها وعلاجها.
ولكن ماذا عن نظرية الركود المزمن؟ نتفق أنا وستيجليتز على أن نبوءة ألفين هانسن لم تتحقق بعد الحرب العالمية الثانية بسبب مزيج يتألف من السياسة التوسعية والتغيرات البنيوية التي طرأت على الاقتصاد. كان هذا مقصدي قبل خمس سنوات من تجديد فكرة الركود المزمن ــ اقتراح أن الاقتصاد كما كانت حاله في العام 2013 كان يتطلب توليفة ما من التوسع المالي والتغيير البنيوي للحفاظ على التشغيل الكامل للعمالة. وكانت مناقشاتي لما يسمى الركود المزمن تؤكد جميعها على مجموعة متنوعة من العوامل البنيوية، بما في ذلك التفاوت بين الناس، والأسهم ذات الربحية المرتفعة، والتغيرات في الأسعار النسبية، وأنماط الادخار العالمية. أين يختلف ستيجليتز معي إذن؟
في تعليقه الرصين، يزعم فارمر أن النماذج من ذلك النمط الذي كان رائدا له في السنوات الأخيرة هي الطريقة الصحيحة للتفكير في البطالة المفرطة المزمنة، ويضيف أن المرء يستطيع أن يستخلص في ظل أسس الاقتصاد الكلي السليمة أن السياسات المالية غير فعّالة. وأعتقد أن النهج الذي استخدمه في إعداد نماذجه ربما يثبت كونه مثمرا للغاية. وأنا أتمنى لو كنت فهمته بشكل أفضل في ذلك الحين. ولكن في الوقت الحالي، أجد أن الدليل التجريبي، والمقارنات الدولية والدراسات المتسلسلة زمنيا، ودراسات التباين المحلي داخل الولايات المتحدة، شديد الإقناع في الاقتراح بأن السياسة المالية تؤدي الغرض منها بنجاح. غير أنني أعتقد مع ذلك أن وجهات نظر فارمر في ما يتصل باستخدام السياسة النقدية لتثبيت استقرار أسعار الأصول تستحق الدراسة الجادة.
أخيرا، أتمنى لو يستجيب ستيجليتز بشكل إيجابي لاقتراحي المتكرر بعقد مناظرة لمناقشة هذه الأمور بشخصينا في جامعة كولومبيا أو جامعة هارفارد أو أي مكان آخر مناسب. ويمكننا أن نتفق جميعا على أن المصلحة المترتبة على التوصل إلى فهم أفضل لدروس تاريخ الاقتصاد الكلي، وفي تجنب أحداث العقد الفائت في المستقبل، مرتفعة للغاية.

امرز كان وزيراً لخزانة الولايات المتحدة (1999-2001)