شيء عن الخليج

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٤٠ ص
شيء عن الخليج

فريد أحمد حسن

مؤلم أن تستمر المشكلة الخليجية الخليجية كل هذه المدة، ومؤلم أكثر عدم توفق كل محاولات حلها وعدم تمكن وسطاء الخير حتى الآن من إيجاد حل لها، بل عدم توفر ما يعين حتى على الاعتقاد بأن نهايتها قريبة، فكل ما يجري من فعل ورد فعل وتحركات تقوم بها الدول الأطراف فيها يدفع إلى التيقن بأن الحال سيبقى على ما هو عليه وأنه سيؤثر بقوة تأثيراً سالباً على منظومة مجلس التعاون التي توشك على الاحتفال بمرور أربعين سنة على تأسيسها وأن كل هذا سيأخذ شعوب دول مجلس التعاون إلى المجهول وإلى حيث تتذكر أياما طيبة مضت وتتحسر عليها.

لم يتوقع أحد من أبناء دول مجلس التعاون أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، والغالبية إن لم يكن الجميع اعتقدوا أن الخلاف طارئ وأنه سرعان ما سيجدون له الحلول المناسبة وتعود الأمور إلى ما كانت عليه بل إلى أحسن مما كانت عليه. لكن الأمور سارت على غير ما يتوقعون وما يتمنون، وصاروا يفاجئون في كل يوم بأمر يفاقم من المشكلة ويدفع إلى الاعتقاد بأن حلها مستحيل.

محاولات حل المشكلة لم تتوقف، حيث الأكيد هو أن سلطنة عمان لا تزال تواصل سعيها ومحاولاتها لإيجاد مخرج مناسب تقبل به كل الدول ذات العلاقة، وحيث الأكيد هو أن دولة الكويت لا تزال تواصل جهودها الرامية إلى الأمر نفسه بدليل طرح سمو أمير دولة الكويت الموضوع في لقائه الأخير بالرئيس الأمريكي، لكن ولأن بعض هذا السعي يتم سرا، ولأن بعض الذي يتم الإعلان عنه لا يعين على التفاؤل، لذا فإن شعوب التعاون تعتقد أنه لم يعد ممكنا حل هذه المشكلة وأنها تسير نحو مزيد من التعقيد وأن أحوال العلاقات الخليجية الخليجية ستكون صعبة في المقبل من السنين خصوصا في ظل المتغيرات الخشنة التي تشهدها المنطقة وفي ظل معاناة العديد من شعوب الدول العربية التي مثالها الأبرز شعوب العراق وسوريا واليمن التي لم تعد تشعر بالحياة وقيمتها.
وصول الخلاف الخليجي الخليجي إلى حد أن يجد الخليجي نفسه أمام صعوبات لدخول بعض الدول الخليجية يعني أن المشكلة إلى مزيد من التعقيد، ووصول الخلاف إلى حد أن يتنابز المثقفون، ومنهم مسؤولون بالألقاب يعني أن المشكلة إلى مزيد من التعقيد، ووصول الخلاف إلى حد انتقاد هذا الطرف لكل عمل يقوم به الطرف الآخر وإن كان طيبا ومتكاملا والتقليل من شأنه ومن قيمته يعني أن المشكلة إلى مزيد من التعقيد. لكن كل هذا لا يعني أن التوصل إلى حل يرضي كل الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة مستحيل، فلا مستحيل في العمل السياسي وقاموسه، ولا مستحيل لدى السياسيين، فأمور كثيرة تتغير في لحظة بتغير الظروف والمناخ السياسي. لهذا فإن شعوب دول مجلس التعاون تظل متمسكة بالأمل وإن صار يضعف يوما في إثر يوم بسبب بعض التصريحات الملتهبة وبعض المواقف وردود الفعل العنيفة.
الإيمان بقدرة قادة دول مجلس التعاون على تحقيق المستحيل والإيمان بنواياهم الطيبة هو الذي يجعل مواطني شعوب التعاون يظلون متمسكين بأمل التوصل إلى حل يرضي كل الأطراف ويعيد الأمور إلى نصابها، فما رأته هذه الشعوب من قادتها في العقود الأربعة الأخيرة على وجه الخصوص يجعلها تؤمن بأنهم قادرون على تجاوز هذه المرحلة وإيجاد الحل الذي يرضي الجميع بل ويقوي العلاقات بين دول التعاون ويجعلها أفضل مما كانت عليه.
المشكلة التي يعاني منها أغلب مواطني التعاون اليوم هي أنهم لا يزالون خارج الصورة، فهناك أمور لا يعرفون عنها وهي من أسباب الخلاف الخليجي -الخليجي، وهناك تحركات لا يعرفون عنها شيئا وهي تحمل همهم وتتم في الخفاء ولا يحصلون منها على ما يعينهم على التفاؤل بصورة أوضح وأكثر جرأة.
لست مع الإعلان عن التوصل إلى تفاهم ما أو الاتفاق على أمر ما قبل أن يتم بصورة واضحة لا تقبل التراجع، ولست مع إطلاع العامة على التحركات خطوة بخطوة، فمن الأمور التي زادت من تعقيد المشكلة هي ظهورها إلى العلن وفتح الباب للجميع ليدلو بدلوهم فيها، لكنني أيضا لست مع الصمت الطويل وعدم توفير الإشارات القليلة التي تزيد من مساحة التفاؤل بقرب التوصل إلى حل نهائي أو حتى التفاؤل بأنه لا يزال ممكنا التوصل إلى نهاية لهذه المشكلة.
شعوب التعاون تبحث عما يطمئنها، والأكيد أنها لن تقبل بأن تفترق، فما يوحدها كثير ومصيرها واحد ولا تقبل على بعضها البعض وإن انحاز كل منها إلى بلاده وحكومتها، فهذا أمر طبيعي ولا يمكن توقع خلافه، لكنها في كل الأحوال لا تقبل على التاريخ الذي نقشته ولا على الحاضر الذي تعيشه ولا تقبل بأن يكون مستقبلها مهددا أو مجهولا. لهذا فإنها تظل متمسكة بالأمل وتدعو الله سبحانه وتعالى أن يهدي قادة التعاون إلى ما يعود بالخير عليها وعلى أوطانها والمنطقة.
لا بأس من الكلام العاطفي في هذه المرحلة وبعد مرور كل هذا الوقت على المشكلة الخليجية- الخليجية، فهو يحيي الأمل ويدفع نحو الاعتقاد بأن ما كان بين شعوب التعاون سيظل وسيستمر ولن يتأثر بتطورات الأحداث وأن الحل وإن تأخر آت لا محالة وأن دول مجلس التعاون لن تقبل بأن تظل شعوب التعاون في هذه الحال.

كاتب بحريني