مخيم بالوخالي للاجئين (بنجلادش) - (رويترز)
تركت حميدة بيجوم بيتها في ميانمار وفرت إلى بنجلادش منذ حوالي شهرين مع زوجها وابنها البالغ من العمر سنتان ورضيعها ابن الثلاثة أشهر. وفي الأسابيع التي سبقت الهروب لم يكن زوجها ينام في البيت خشية إلقاء القبض عليه.
قالت حميدة (18 عاما) وهي تضع شالا أصفر على رأسها وترتدي رداء أرجوانيا وتجلس على أرضية كوخ من الخيزران يخلو من أي متاع "كان يتسلق شجرة ويجلس عليها طول الليل حتى إذا كان المطر غزيرا".
وتعيش حميدة الآن على أطراف أكبر مخيم للاجئين في العالم باعتبارها من أحدث الوافدين بين نحو 700 ألف مسلم من الروهينجا فروا من حملة شنها الجيش في ميانمار ووصفتها الأمم المتحدة بأنها "مثال صارخ على التطهير العرقي".
إدانة أممية
قال محققون تابعون للأمم المتحدة امس الاثنين إن جيش ميانمار ارتكب عمليات قتل واغتصاب جماعي في حق مسلمين من الروهينجا "بنية الإبادة الجماعية" وإنه ينبغي محاكمة القائد الأعلى للجيش وخمسة جنرالات بتهمة التخطيط لأفظع الجرائم المنصوص عليها في القانون.
وأضاف المحققون أن الحكومة المدنية بزعامة أونج سان سو كي سمحت بانتشار خطاب الكراهية ودمرت وثائق وفشلت في حماية الأقليات من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبها الجيش في ولايات راخين وكاتشين وشان.
وأفاد تقرير المحققين بأن الحكومة ساهمت بذلك في تفويض ارتكاب فظائع".
وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن العمل العسكري الذي تضمن حرق قرى "لا يتناسب على نحو صارخ مع التهديدات الأمنية الفعلية".
وتعرف الأمم المتحدة الإبادة الجماعية بأنها أفعال تهدف إلى تدمير جماعة قومية أو عرقية أو دينية كليا أو جزئيا. ومن النادر استخدام هذا الوصف المنصوص عليه في القانون الدولي لكنه استخدم في دول مثل البوسنة والسودان ولوصف حملة تنظيم داعش على اليزيديين في العراق وسوريا.
وقالت بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن ميانمار في التقرير "تشبه الجرائم في ولاية راخين والطريقة التي ارتكبت بها في طبيعتها وجسامتها ونطاقها تلك التي سمحت بتحديد نية الإبادة الجماعية في سياقات أخرى".
وأضاف التقرير النهائي الصادر في 20 صفحة "هناك ما يكفي من المعلومات لإجازة التحقيق مع مسؤولين كبار في تسلسل قيادة الجيش ومحاكمتهم حتى يتسنى لمحكمة مختصة النظر في مسؤوليتهم عن الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالوضع في ولاية راخين".
وذكرت لجنة الأمم المتحدة التي يقودها المدعي العام الإندونيسي الأسبق مرزوقي داروسمان أسماء مين أونج هلاينج القائد الأعلى لجيش ميانمار وخمسة جنرالات آخرين ينبغي مثولهم للعدالة.
ومن بين الأسماء الواردة البريجادير جنرال أونج أونج قائد الفرقة 33 للمشاة الخفيفة الذي أشرف على العمليات في قرية إن دن الساحلية حيث قتل 10 أسرى من الرجال والفتيان من الروهينجا.
صمت سو كي
وجاء في تقرير الأمم المتحدة أن سو كي الحائزة على جائزة نوبل للسلام: "لم تستخدم منصبها كرئيسة للحكومة ولا سلطتها الأخلاقية لكبح أو منع الأحداث الآخذة في التفاقم أو السعي وراء طرق بديلة للوفاء بمسؤولية حماية السكان المدنيين".
ولم يتسن الوصول إلى زاو هتاي المتحدث باسم سو كي امس الاثنين للتعليق.
ووصف الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الحملة ضد الروهينجا بأنها مثال صارخ على التطهير العرقي.
ونفت حكومة سو كي معظم مزاعم ارتكاب فظائع في حق الروهينجا على يد قوات الأمن. وأقامت الحكومة مراكز مؤقتة لاستقبال الروهينجا العائدين إلى ولاية راخين بغرب ميانمار لكن وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة قالت إن الوضع ليس آمنا بعد حتى يتسنى لهم العودة.
دعوة إلى عقوبات فردية
قال المحققون إنه يتعين على مجلس الأمن الدولي ضمان محاسبة جميع الجناة ويفضل أن يتم ذلك بإحالة ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية أو تأسيس محكمة مختصة.
وأضافوا أنه ينبغي على مجلس الأمن فرض "عقوبات فردية محددة بما في ذلك حظر سفر وتجميد أصول من يبدو أنهم مسؤولون عن جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي" وفرض حظر أسلحة على ميانمار.
والجنرالات الأربعة الآخرون الذين قالت لجنة الأمم المتحدة إنه ينبغي محاكمتهم هم نائب القائد الأعلى للجيش سوي وين وقائد مكتب العمليات الخاصة-3 اللفتنانت جنرال أونج كياو زاو وقائد القيادة الغربية الميجر جنرال ماونج ماونج سوي وقائد الفرقة 99 للمشاة الخفيفة البريجادير جنرال ثان أو.
مقابلات
وأجرت اللجنة التي تشكلت العام الفائت مقابلات مع 875 من الضحايا والشهود في بنجلادش ودول أخرى وحللت وثائق ومقاطع فيديو وصورا فوتوغرافية وأخرى التقطتها الأقمار الصناعية.
وجاء في التقرير أن عقودا من وصم الروهينجا برعاية الدولة أسفرت عن "قمع له طابع مؤسسي من الميلاد إلى الوفاة".
ويعتبر الروهينجا أنفسهم من أبناء ولاية راخين لكن الأغلبية البوذية في ميانمار تعتبرهم على نطاق واسع دخلاء وتحرمهم من الجنسية.
وذكر تقرير الأمم المتحدة أن جيش ميانمار يتصرف "بحصانة كاملة ولم يحاسب قط. ورده النموذجي هو الحرمان والرفض والمنع".
وانتقد التقرير أيضا رد موقع فيسبوك على المزاعم بما في ذلك تلك التي ساقها أعضاء في لجنة الأمم المتحدة نفسها في مارس وأشارت إلى استخدام منصة التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف وكراهية الروهينجا.
وأضاف: "تحسن رد فيسبوك في الشهور القليلة الفائتة لكنه كان بطيئا وغير فعال. ينبغي النظر بطريقة مستقلة ومستفيضة في حجم الدور الذي لعبته منشورات ورسائل فيسبوك في أعمال تمييز وعنف في الواقع".
رفض الاتهامات
رفضت حكومة سو كي أغلب اتهامات اللاجئين لقوات الأمن بارتكاب فظائع. وأقامت مراكز مؤقتة لاستقبال العائدين من الروهينجا إلى ولاية راخين الغربية.
غير أن ما ترويه حميدة وغيرها من القادمين إلى بنجلادش يشير إلى أن حل الأزمة التي تدخل عامها الثاني لا يزال بعيدا.
وقال أكثر من خمسة لاجئين جدد حاورتهم رويترز إنهم اضطروا بعد شهر من المعاناة وسط الأكواخ المتفحمة والقرى الخالية إلى هجر بيوتهم خوفا من مضايقات قوات الأمن أو من القبض عليهم.
وقالوا إنهم لم يبرحوا بيوتهم وضاق بهم الحال حتى كادوا يهلكون جوعا إذ عجزوا عن التوجه للمزارع للعمل أو إلى الأسواق وبرك صيد الأسماك بحثا عن الطعام أو حتى الذهاب إلى المساجد لأداء الصلاة.
ويشير كثيرون من ميانمار التي يشكل البوذيون الأغلبية فيها إلى الروهينجا بلفظ "البنغاليين" الذي تعتبره الأقلية المسلمة تحقيرا لها يستخدم لوصف أفرادها بالمتسللين من بنجلادش.
الخوف من إيقاد الشموع
حول طوفان اللاجئين الهائل التلال في جنوب شرق بنجلادش إلى بحر لا نهاية له من الخيام بألوانها الأبيض والبرتقالي والأزرق. ويوطد سكان المخيم أنفسهم على البقاء لفترة طويلة.
وعلى مقربة من كوخ حميدة يحمل رجال من الروهينجا الطوب ويحفرون مراحيض بعمق أربعة أمتار ويعملون على تدعيم جوانب التلال الطينية بكتل متماسكة من التربة ويصلحون الأسوار لإعداد مدرسة جديدة تديرها إحدى الجمعيات الأهلية.
وتنتشر في المنطقة قطع من الخشب وأعواد الخيزران وقطع من القماش المانع لتسرب الماء حيث يتم إرسال كثيرين من الوافدين الجدد لبناء أكواخهم.
احتراق
وقالت حميدة إن حوالي 5000 من الروهينجا كانوا يعيشون في قريتها في شمال ولاية راخين حتى أغسطس الفائت. وعندما بدأت رحلة الهروب قبل حوالي شهرين لم يكن بالقرية التي احترقت أجزاء منها سوى نحو 100 فرد.
ولم تستطع رويترز التحقق من مصدر مستقل من رواية حميدة رغم أن أقاربها وجيرانها الذين حضروا مقابلتها مع رويترز أيدوها فيما روته من أحداث بل وأضافوا تفاصيل من عندهم.
مضايقات وتعب
كانت حميدة قد بقيت لأنها لم تكن تملك من المال ما يكفي تكاليف الرحلة إلى بنجلادش. وقالت إنها بعد شهور من الهجوم الأول تكررت دوريات قوات الأمن في قريتها وكانت تلقي في بعض الأحيان القبض على رجال من الروهينجا أو تطلب منهم أداء أعمال دون مقابل في مخيم قريب للجيش.
وقالت: "في ميانمار إذا بدأ أطفالي يبكون ليلا لا أستطيع حتى إيقاد شمعة لأن الظلام حالك وإذا رأى الجيش أي ضوء يأتون ويقبضون عليك".
عقاب جماعي
وبعد أن هاجمت جماعة جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان 30 موقعاً للشرطة في ميانمار وقاعدة عسكرية في الساعات الأولى من صباح 25 أغسطس 2017 اجتاحت قوات الأمن القرى. وفر منذ ذلك الحين نحو 700 ألف من الروهينجا وفقا لتقديرات وكالات الأمم المتحدة.
قتل واغتصاب
وروى من عبروا الحدود إلى بنجلادش أنباء عن عمليات قتل واغتصاب وإحراق متعمد نفذتها قوات الأمن فيما وصفه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بأنه "مثال صارخ على التطهير العرقي".
ونفت حكومة ميانمار مزاعم اللاجئين التي نسبت لقوات الأمن القيام بأعمال وحشية وقالت إن القوات واجهت بشكل قانوني متشددين مسلمين في ولاية راخين.
واشنطن ستحاسب
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أمس السبت إن الولايات المتحدة ستواصل محاسبة المسؤولين في ميانمار عما وصفه بأنه "تطهير عرقي بغيض" للمسلمين الروهينجا.
فيسبوك في المعركة
قالت شركة فيسبوك أمس إنها ألغت حسابات شخصيات عسكرية معينة من ميانمار من على موقع فيسبوك وموقع انستجرام لمنع نشر "الكراهية والتضليل" بعد أن راجعت الشركة المحتوى.
وقالت فيسبوك "بالتحديد حذفنا 20 فرداً ومؤسسة بورمية من فيسبوك- منهم الجنرال مين أونج هلاينج القائد الأعلى بالجيش وشبكة مياوادي التلفزيونية التابعة للجيش".
وأضافت الشركة في تدوينة مصغرة "نلغي 18 حساباً على فيسبوك وحساب واحد على إنستجرام و52 صفحة على فيسبوك يتابعها نحو 12 مليون شخص".
وقال موقع فيسبوك، أكبر موقع للتواصل الاجتماعي في العالم، إنه منع 46 صفحة و12 حسابا من المشاركة في أنشطة منسقة "زائفة" على فيسبوك.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كمين حكومي: تسليم وثائق ملفوفة في صحيفة في مطعم
أعلن مسؤول بمحكمة تأجيل النطق بالحكم في قضية صحفيي رويترز اللذين يحاكمان في ميانمار بتهمة خرق قانون الأسرار الرسمية للدولة حتى الثالث من سبتمبر بسبب وعكة صحية ألمت بالقاضي الذي ينظر القضية.
وكان عشرات الصحفيين والدبلوماسيين قد تجمعوا في محكمة يانجون للاستماع إلى الحكم على الصحفيين وا لون (32 عاما) وكياو سوي أو (28 عاما) بعد جلسات استمرت ثمانية أشهر في قضية تاريخية أصبحت تعتبر اختبارا للديمقراطية في ميانمار.
ولكن الإجراءات لم تستمر سوى بضع دقائق قبل أن يعلن قاض حل محل القاضي يا لوين الذي كان ينظر القضية أن الحكم سيصدر الأسبوع المقبل.
وقال القاضي خين مونج مونج إن "القاضي في حالة صحية سيئة لذلك فإنني هنا كي أعلن تأجيل النطق بالحكم حتى الثالث " من سبتمبر.
وقال محامي الدفاع خين مونج زاو للصحفيين إن القاضي البديل أوضح أن الحكم جاهز ولكن لابد وأن يعلنه القاضي الذي ينظر القضية. وعلت وجه وا لون ابتسامة عريضة ورفع يديه المقيدتين بالأغلال بعلامة النصر أثناء دخوله المحكمة وكان وكياو سوي أو يسير خلفه.
وقال وا لون للصحفيين بعد الجلسة القصيرة "لسنا خائفين أو مهتزين. الحقيقة بجانبنا. مهما كان الوضع لن نهتز. لا يمكنهم أن يضعفونا".
وتجري المحكمة في يانجون جلسات للنظر في القضية منذ يناير الفائت. وكان الصحفيان وشاهد إثبات من الشرطة في القضية قالوا في شهاداتهم إن الشرطة نصبت لهما فخا لمنعهما من تغطية القتل الجماعي لمسلمي الروهينجا أو معاقبتهما عليها.
وفي الجلسات التي استمرت ثمانية أشهر، شهد وا لون وكياو سوي أو بأن اثنين من رجال الشرطة التقيا بهما قبل تسليمهما وثائق ملفوفة في صحيفة خلال لقاء بمطعم في يانجون في 12 ديسمبر. وقالا إن ضباطا يرتدون ملابس مدنية زجوا بهما في سيارة بعد تسلمهما الوثائق مباشرة.
وفي أبريل، شهد ضابط الشرطة الكابتن موي يان ناينج بأن ضابطاً كبيراً أمر مرؤوسيه بإعطاء وثائق سرية إلى وا لون من أجل "الإيقاع" بالصحفي.
وقال شهود آخرون من الشرطة أمام المحكمة إنه جرى تفتيش الصحفيين من قبل رجال أمن لم يكونوا على علم بأنهما صحفيان ووجدوا بحوزتهما وثائق سرية من مصدر مجهول.