د. لميس ضيف
سُئل حكيم التبت تنزين جياتسو المُلقّب بـ«دلاي لاما» عن أفضل الديانات من وجهة نظره، وتوقَّع السائل المسيحي أن يُجيب بأنها البوذية أو أي من العقائد الوضعية التي سبقت الدين المسيحي بقرون ولكنه أجاب:
«إنها العقيدةُ التي تجعلك أكثرَ رحمةً، أكثرَ إدراكاً، أكثر حساسيةً، أقلّ تحيُّزاً، أقلّ عنصريةً، أكثرَ حباً، أنظفَ لساناً، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، وذا أخلاق عالية. الدينُ الذي يجعلك كل ما سبق، هو الدينُ الأفضل».
وعندما جادلوه وأكثروا في جداله قال:
«لستُ مهتماً يا صديقي بعقيدتك أو دينك أو مذهبك. أو إذا ما كنتَ متديِّناً أم لا. الذي يعنيني حقاً هو سلوكك أمام نفسك، ثم أمام نظرائك، ثمّ أمام أسرتك، ثمّ أمام مجتمعك، ثم أمام العالم. لأن جمع كل ما سبق سيشكّل كيانك وصورتك أمام الله».
في مجتمعاتنا الإسلامية، يولي الناس أهمية خاصة لسبر أغوار علاقة المرء بربه، ويعطون أنفسهم صلاحيات خاصة تتعلّق بتقييم مَن يستحق الجنة والنار. في الانتخابات النيابية والبرلمانية في كل الدول التي اختبرت شكلا ما من أشكال الديمقراطية، اختار الناس ناخبيهم بناءً على قواعد إيمانية. أذكر أني لمت مرة زميلا لأنه انتخب في منطقته جاهلا لا يملك أدنى مقومات العمل السياسي فأجاب بأنه رجل «زين» ويصلي يوميا في المسجد، وكأن لهذا الأمر علاقة بقدرته على رسم المستقبل السياسي لبلده!
وسقط محام مخضرم، له تاريخ عريق في العمل الحقوقي والسياسي، لمّا سرَّب أحدهم صورة له في مطعم بالقاهرة وهو يصفق لفقرة راقصة! ورغم أن فعله ذاك مرفوض ولكن -مجددا- لم يكن لذلك الفعل الشخصي علاقة بأدائه السياسي وبالتالي لم يكن مبررا لتهميشه كخيار وجيه للناخبين.
عندما تقيّم شخصا لعمل أو مهمة، فمقياسك لذلك يجب أن يكون بناءً على ما يملكه من مقومات تؤهّله لهذا العمل؛ فهو لن يخطب ابنتك ولن يصاهرك؛ إنه هنا ليؤدي مهمة تقيّم أنت إن كنت تظن أنه سيبرع فيها أم لا.
إن التديّن الشكلي الذي تلبسه مجتمعاتنا ولّد أمراضا عدة، وأصاب مفاصل الحياة بالخلل والشلل، وطُعن الدين على يد مَن يدّعونه بسبب الإصرار على محاكمة القلوب والنوايا.
ليت الجميع يعي ويستوعب، أنك لن تدخل معي قبري، ولن أشاركك في قبرك، ولا يعنيني في أي جنة ستمضي حياتك القادمة أو في قعر أي جحيم. ما يهمني حقا هو أخلاقك معي في هذه الدنيا، وكيف تعاملني وكيف تتعايش معي، أنْ لا تضرني إنْ لم تنفعني. أما ما وراء ذلك فلنتركه لمَن يعلم ما تُخفي الصدور.
lameesdhaif@gmail.com