انتهاء الدفء بين واشنطن ولندن خبر جيد

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٦/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٣٨ ص
انتهاء الدفء بين  واشنطن ولندن خبر جيد

أندرو بونكومب

في صورة نمطية لا تخطئها عين متابع للعلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة يتبادل زعيما الدولتين زيارة البلد الأخرى كل بضع سنوات، وما أن يصدر تعليق من أي من الجانبين إلا وتتزاحم حوله الأخبار متغنية بالوشائج المتينة للعلاقات الخاصة بين لندن وواشنطن. ومع محاولة استدعاء الامتداد التاريخي لمتانة هذه العلاقة المتميزة يرى البعض أن الروابط الحالية بين البلدين على قوتها إلا أنها قد لا تصل الى ما كانت عليه إبان ولاية تشرتشل وروزفلت، مع إشارات دائمة لما يطلقون عليه القيم والتاريخ واللغة المشتركة.
ومؤخرا زاد تسليط الضوء على هذه القضية مرة أخرى عقب التعليق الذي أدلى به الرئيس الأمريكي أوباما خلال مقابلة مطولة مع جيفري جولدبرج من صحيفة ذا أتلانتيك والتي قال فيها انه يشعر بخيبة أمل بسبب الأداء غير الجيد لديفيد كاميرون وزعماء أوروبيين آخرين وعدم انجاز تقدم فعلي في ليبيا، في انتقادات حادة وغير مسبوقة.
والحقيقة أن الولايات المتحدة لعدة سنوات لا تعتبر أن علاقتها مع بريطانيا أكثر خصوصية منها مع عدد من الدول الأخرى، بل إنها – في عالم متزايد التعقيد والعولمة – لم تحاول إخفاء هذه الحقيقة.
وعلى الرغم من تردي العلاقة الشخصية بين أوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أن أوباما يقول عن إسرائيل أنها ليس لها حليف أفضل من أمريكا. كما أن أوباما قد حط رحاله في نيودلهي – عاصمة البلد الذي طالما اعتبر في أحسن الأحوال حليفا متقلبا لواشنطن - وتعهد بأن العلاقة بين الدولتين ستكون "واحدة من أهم" العلاقات الثنائية في هذا القرن.
وفي نوفمبر الفائت ، في أعقاب هجمات في باريس، ذكر أوباما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن أمريكا كانت أقدم حليف لفرنسا وأردف قائلا بالفرنسية " كلنا فرنسيون"
وبالطبع يرفض البريطانيون قبول هذه الحقيقة، على الرغم من الأمريكيين يقولون ذلك بوضوح في وجوههم، والسبب في ذلك حالة واضحة من "خداع النفس"، فلطالما كان أملا استراتيجيا لبريطانيا أن تتشبث بفكرة وجود علاقات خاصة مع الولايات المتحدة لتبرر زعمنا أننا لاعبا رئيسيا على الساحة العالمية، وللإحتفاظ بالمقعد الدائم في مجلس الأمن، ولكي نحشر أنوفنا في الأحداث التي تقع في شتى أصقاع العالم، وأن نتشارك في علاقات لتبادل المعلومات الاستخباراتية تثير تساؤلات حول انتهاك الحريات المدنية، وأن نقنع أنفسنا بالحاجة إلى تجديد برنامج ترايدنت النووي بتكلفة 31 بليون استرليني.
سيقول البعض أن هذه المكافآت تستحق كل هذا العناء، بيد أن الانبطاح البريطاني للولايات المتحدة يأتي على حساب ثمن باهظ، ربما يتجسد في قرارات مثل القرار الذي اتخذه توني بلير بالانضمام لغزو العراق بناء على أدلة كنا نعرف أنها مشكوك بها إلا أنه ارتأى أن الأمر يستحق كل هذا العناء. ( ومن بين المقالات الشهيرة التي نشرت آنذاك والتي ادعت خطأ وجود علاقة بين صدام والقاعدة ما كتبه الصحفي الامريكي جيفري جغولدبرج).
ورغما عن أن الولايات المتحدة لم تطلب من بريطانيا المشاركة في الغزو – وهو ما تم توضيحه بصراحة من قبل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد – إلا أننا صممنا على الإنضمام بأي شكل من الأشكال. ومن المؤكد أن مئات الآلاف من الأرواح التي تزهق والفوضى العارمة التي تضرب جنبات العراق الآن من قبل تنظيم الدولة ليس إلا الثمن الدموي الباهظ لهذا الوهم الخطير.
ولم يعد خافيا أن العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة ماتت بالفعل، وندعو الله أن تظل كذلك.

كاتب عمود بصحيفة الاندبندنت