لا نختزل الموازنة في علاوات وترقيات

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٤/يناير/٢٠١٧ ١٣:٥١ م
لا نختزل الموازنة في علاوات وترقيات

مع صدور الموازنة العامة للدولة لعام 2017 تداول البعض في وسائط التواصل الاجتماعي عبارات فيها مقارنة بين العجز وعدم تأخر الرواتب فقالوا لدينا عجز ولم تنقطع عنا الكهرباء، ولدينا عجز ولم تنقطع المياه، ولدينا عجز وننام كل ليلة ولا ليلة شكونا فيها عدم الأمان، أو وضعنا سلاحنا تحت رأسنا كما في سابق الأزمان، بل لدينا عجز وخدمات التعليم تتوسّع يوما بعد آخر، ولدينا عجز في الموازنة وأبواب مستشفياتنا لم تغلق، ولدينا عجز ولم يقولوا لنا ليس لدينا دواء، هذه هي معادلات التنمية التي حرصت الدولة على تأمينها منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي، رغم الأزمات الاقتصادية التي تؤثر على اقتصادنا كغيره من الاقتصاديات المعتمدة على النفط، فلم يلمس المواطن أي تأثيرات لهذه المتغيرات رغم وطأتها على الميزانيات العامة للدولة، فالحكومة تحرص دائما على ألا تجعل المواطن يشعر من قريب ولا من بعيد بتأثيرات هذه الأزمة العميقة، محققة بذلك الالتزام الذي قطعته على نفسها بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين أينما كانوا في ربوع الوطن العزيز.

وهذا ما أكدت عليه الموازنة العامة للدولة لعام 2017 من خلال العديد من المؤشرات التي تؤكد على التزام الدولة ‏ذلك بجلاء، فالعجز المالي الفعلي للسنة المالية 2016 يبلغ وفقا للحسابات الأولية نحو 5.3 بليون ريال عماني، بارتفاع تبلغ نسبته 60 بالمائة من العجز المقدر حسب الموازنة، وهو يعد الأعلى مستوى في تاريخ الموازنة العامة للدولة، ويعود إلى تدني أسعار النفط إلى 39 دولارا للبرميل مقارنة مع المقدر في الموازنة 45 دولارا، فضلا عن انخفاض الإيرادات غير النفطية، ومع ذلك لم نشهد في العام 2016 أي قصور في الخدمات التنموية أو تراجع فيها، الأمر الذي يوضح بما لا يدعو مجالاً للشك حجم الالتزام بالتنمية رغم العجز الهائل في الحسابات العامة للدولة.

بل إن الفارق في الإنفاق العام بين العام 2014 الذي كان 15.2 بليون ريال والعام 2016 الذي كان 12.7 بليون ريال يبلغ فقط 16.5 بالمائة، وهي نسبة ضئيلة مقارنة مع ما فقدته الخزينة العامة للدولة عامي 2015 و2016 من إيرادات بلغت 11.9 بليون ريال جراء انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وانخفاض الإيرادات غير النفطية كذلك بنسبة 32 بالمائة، ‏فهذه المؤشرات المالية الدقيقة بين الإنفاق العام وانخفاض الإيرادات العامة للدولة، توضح أن معدلات الالتزام بالتنمية لم تتغير قيد أنملة، رغم الفوارق المالية التي تتكبدها الخزينة العامة للدولة.

وممّا يدل على الاستمرار في هذا النهج التنموي المستدام، البيانات التي أظهرتها الموازنة العام 2017، حيث أشارت إلى أن حصة قطاعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية في الموازنة العامة للدولة بلغت 2686 مليون ريال بنسبة 23% من إجمالي الإنفاق منها 1586 مليون ريال لقطاع التعليم و613 مليون ريال لقطاع الصحة و487 مليون ريال للرعاية الاجتماعية، إدراكا بأهمية هذه الخدمات التنموية وأبعادها الاجتماعية التي تلامس حياة المواطنين بصورة مباشرة.

إلا أن البعض للأسف يختزل التنمية في علاوات سنوية أو ترقيات أو غيرها من المنافع المباشرة والتدفقات النقدية التي تصل إلى الجيوب، على الرغم من أن المصروفات الجارية تبلغ 4.4 بليون ريال، منها مخصصات الموظفين 3.3 بليون ريال، وبند الرواتب ويشكل 75% من إجمالي المصروفات الجارية، ومع ذلك يجهل أو يتجاهل البعض حجم الخدمات التنموية الأخرى التي تنساب في عزّ الأزمة وهي لا شك أفضل من غيرها من السنوات السابقة وبتطور متنامٍ ودون ضجيج، الأمر الذي يحتاج إلى تبصر لما هو مقدم، والشكر على هذه النعمة والحفاظ عليها من الزوال، فالمولى عز وجل يقول في محكم كتابه الكريم «لئن شكرتكم لأزيدنّكم» وغيرها من الآيات الكريمة التي تذكر الإنسان بأهمية النعم وشكرها، وتحذر من زوالها.

إقرأ أيضا: عُمان والتحالف الإسلامي

ولا شك أن لغة الأرقام والبيانات والإحصائيات أبلغ من الحديث عن التنمية ومعدلاتها، وعن الخدمات وما تقدمه الدولة لأبناء الوطن دون منّ، لكن في المقابل يحتاج الفرد إلى أن يفكر في ما لديه وما ينفقه وكيف يوازن بينهما، ويقدر كل التقدير في كل ما يورده من كلام أو حديث، بحيث يكون منطقياً وواقعياً ويقدم حلولاً جذرية في البلاد، وعندما يشير إلى تدني الأوضاع يشير إليها بإيجابية لإضفاء المزيد من الواقعية في الطرح بما يتماشى مع الواقع وينصف الآخرين ويبث الأمل المقرون بالعمل في نفوس أبناء هذا الوطن، فما يتحقق في هذا الوطن ليس بخاف على الجميع ولا يمكن أن ينكره إلا الجاحد الذي لا يرى إلا الظلام دائما، وينطبق عليه قول الشاعر:
وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

بالطبع التحديات موجودة في كل وقت ومكان، وهذه طبيعة الحياة وسننها، ولولاها لما عمل الإنسان على التغلب عليها، وفكّر في التحرك من مكانه، فدائما يقال الحاجة أمّ الاختراع، والمجتمعات الحيّة هي التي تواجه التحديات بالمزيد من العمل والأمل والتفاؤل، ولا يأتي الفرج من السماء، ودعوات الوالدين فقط. فاليوم تؤدي الحكومة دورها في إسداء الخدمات بكل أنواعها وتسعى للأفضل دائما، ويبقى على المجتمع أن يتعاطى معها بالإيجابية التي تسهم في أن يكون معول بناء والمشاركة في العمل الوطني في كافة ميادينه، والعمل على تجاوزها بقدرة عالية.
نأمل أن تُقدّر الجهود المبذولة ويرتقي التناول إلى مستويات المرحلة التي نعيشها فنقدّر المنجز ونسهم في الحفاظ عليه، ونكون جزءا من معادلة التغير في الوطن في ظل المتغيّرات الراهنة التي يمر بها العالم بكل تفاعلاتها وخاصة الاقتصادية التي تحتم علينا تغيير الكثير من منهجيتنا في الحياة وسلوكياتنا.