هل اكتسبت أسعارالنفط مناعة سياسية؟

مؤشر السبت ٠٩/يناير/٢٠١٦ ٠٢:٢٣ ص
هل اكتسبت أسعارالنفط مناعة سياسية؟

مسقط - ش
لطالما ارتبطت أسعار النفط بالأزمات السياسية والأمنية، حيث كانت أية مشكلة أمنية تؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط بسبب حذر الأسواق من إمكانية تأثير الأزمات على خطوط إمداد النفط أو على إنتاجه.

لكن رغم كل التوترات التي تحصل في الشرق الأوسط ما زال النفط يسجل تراجعاً ملحوظاً في أسعاره ليصل إلى حد لم يبلغه في 12 عاماً. فهل اكتسب النفط مناعة سياسية؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى تراجع أسعار النفط، وهي تتمثل بالدرجة الأولى بالتطور الذي طرأ على طريقة استخراج النفط الصخري الأمريكي وهو موجود بكميات هائلة ما دفع بالرئيس الأمريكي إلى القول إن بلاده ستصبح المنتج الأول للنفط في الأعوام القليلة المقبلة، ما طمأن الأسواق بوجود بدائل عن أي تراجع تسببه الأزمات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط. وتعد الولايات المتحدة المنتج الأكبر في العالم للنفط والغاز المستخرج من الطبقات الصخرية في الأرض مع إمكانية رفع إنتاجها من النفط الخام إلى 12.5 مليون برميل يومياً كما تؤكد إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وكان النفط الصخري المكتشف في آلاسكا يعد غير مجدٍ بسبب صعوبة استخراجه وتكلفته العالية قبل أن تطور الإدارة الأمريكية وسائل جديدة خفضت من تكلفة إنتاجه إلى حد كبير ما يجعلها تستغني عن نفط الشرق الأوسط وتعلن الاكتفاء الذاتي النفطي.
ومن ثم يأتي الاتفاق النووي مع إيران الذي سيرفع العقوبات عن تصدير النفط الإيراني، ما يؤدي إلى وفرة في المعروض. علماً بأن الاتفاق النووي سيدخل حيز التنفيذ خلال الأيام القليلة المقبلة. ومن المتوقع مع رفع العقوبات أن يزيد إنتاج النفط الإيراني ليصل إلى 2.4 مليون برميل يوميا في 2016 مقارنة مع 1.6 مليون برميل يومياً في 2014، ويتزامن رفع العقوبات مع خفض استيراد الهند للنفط الإيراني ما أدّى إلى خلل كبير بين العرض الوفير والطلب المتدني. وهذا ما يجعل الخبراء الاقتصاديين يتوقعون هبوط أسعار النفط لتصل إلى حدود الـ 20 دولاراً في العام 2016، في ظل الخلافات الكبيرة بين الدول الأعضاء في مجموعة أوبك لتجعل التوافق على خفض الإنتاج شبه مستحيل، وهو الحل الأمثل لتحقيق ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط.
وهناك أمل كبير في أن تعمد إيران إلى خفض إنتاجها اليومي في حال تم تحرير أموالها المحتجزة في المصارف الغربية، الأمر الذي يدفعها إلى تخفيف اتكالها على النفط واستبداله بقطاعات إنتاجية أخرى، غير أن ذلك من المستبعد حصوله قبل العام 2017.
أما السبب الآخر فيتمثّل بالأزمة الاقتصادية التي تضرب الأسواق العالمية، بدءاً من أوروبا التي شهدت أزمات اقتصادية كبيرة في كل من اليونان وإسبانيا وإيطاليا، وأثرت بشكل كبير على الأسواق الفرنسية والألمانية، وصولاً إلى الأسواق الصينية التي تشهد تراجعاً ملحوظاً وكادت تشهد كارثة أمس امتد صداها إلى شوارع وول ستريت الأمريكية حيث سجلت البورصة الأميركية خسائر هائلة قبل أن يتدخل المصرف المركزي الصيني في اللحظات الأخيرة ويدعم البورصة الصينية مما أدى إلى تحسن طفيف في الأسعار.
وكذلك فإن تراجع الاقتصاد الصيني يعد من أهم عوامل تراجع الطلب على النفط بعدما كان نمو الاقتصادي الصيني السبب الأول للارتفاع الكبير في الأعوام الخمسة الفائتة، ولا يبدو أن هناك أملاً في تحسن الطلب الصيني في العام الجاري على الأقل.
كل تلك العوامل تجتمع لتمنح النفط مناعة من الأحداث السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، فرغم التفجيرات التي تتعرض لها بعض خطوط النفط والغاز في سيناء وليبيا والعراق، ورغم توقف بعض حقول النفط السورية عن الإنتاج، لم تتأثر أسعار النفط العالمية، لأن وفرة النفط ما زالت قادرة على تبديد المخاوف. وحتى الخلافات السياسية بين الدول النفطية لم ترتقِ إلى حد تهديد الإنتاج، ما يجعلها عاجزة على تحقيق أي ارتفاع يذكر في الأسعار.
وثمة رأي يتداوله الكثيرون من خبراء الاقتصاد ويفيد بأن أسعار النفط العالية التي شهدها العالم في السنوات الفائتة كانت هي الاستثناء، وإن سعر برميل النفط لا يجب أن يتجاوز الأربعين دولاراً في الأحداث العادية، وإن ما يجري الآن هو تصحيح لأسعار النفط وبالتالي فإن انخفاض الأسعار يعد طبيعياً.
ويبقى الأمل الوحيد في رفع أسعار النفط من جديد هي الإجراءات الإنقاذية التي تتخذها الحكومات الأوروبية والأمريكية لتحسين الاقتصاد، ما يمكن أن ينشط الأسواق ويزيد الطلب العالمي على النفط، غير أن تلك الإجراءات قد تحتاج إلى أشهر عدة لتظهر نتائجها. وحتى ذلك الحين تبقى الأحداث السياسية في الشرق الأوسط من دون تأثير حقيقي على أسعار النفط الذي يبدو أنه اكتسب نوعاً من الحصانة.