فريد أحمد حسن
هذا عنوان عام لكن الباحث في الشؤون الدينية والواعظ السعودي سماحة الشيخ حسن بن موسى الصفار اتخذه عنواناً لواحد من كتبه الثرية والمعبرة عن رجاحة عقله والوسطية التي يدعو إليها. في هذا الكتاب يأخذ المؤلف القارئ في رحلة تمتد إلى نحو مائتين وثمانين صفحة من القطع المتوسط، وبأسلوبه البسيط والمناسب لكل قارئ يتناول بجرأة مسألة العزوف عن الانفتاح على الآخر ويهتم بالقول بأن «غياب الحوار بين القوى والأطراف المختلفة في مجتمعاتنا يعتبر مكمناً أساساً من مكامن الداء في هذه المجتمعات ومظهراً صارخاً من مظاهر التخلف»، ويرى أنه «على الصعيد الاجتماعي تتمايز التكتلات والانتماءات إلى حد القطيعة والتنافر ويصبح التواصل مع الجهة الأخرى لونا من الخيانة للجماعة وانعدام والولاء وميوعة الانتماء وغيرها من المبررات الواهية» ويقول: إنه «لا بد من تضافر الجهود الواعية لصناعة أجواء صالحة ولتوفير أرضية جديدة تنمو فيها بذور الانفتاح والحوار لتتعارف الجهات في ما بينها وتكتشف نقاط الالتقاء وموارد الاختلاف ولتثري كل جهة معارفها وأفكارها من خلال انفتاحها وحوارها مع الآخرين وشحذ الإرادات والهمم لتقديم العطاء الأفضل والقيام بالدور الأنفع».
الشيخ الصفار عامل نشط في مجال جهود التوعية والتبشير بثقافة الحوار والانفتاح، ولهذا فإنه مقبول من كل الآخرين الذين يعرفون جيداً أنه يستمع إليهم مثلما يريد أن يستمعون إليه ويدركون أنه لا يتردد عن الموافقة على آرائهم ووجهات نظرهم لو تبين له أنهم الصح أو الأصح.
الشيخ الصفار يعتبر أن «ثقافة العنف ظاهرة طاغية في الاجتماع العربي الإسلامي» وفي مقدمة الكتاب يقول كاتبها إنه «لا صوت يعلو على صوت دعاة نفي الآخر واستئصاله، وكل يوم يتعزز وجود هؤلاء وتتسع دائرة تأثيرهم وتتمدد مساحة نفوذهم وتتسع باستمرار هيمنتهم على حقول متنوعة.. تطاول مؤسسات التربية والتعليم، ووسائل الإعلام، والمنتديات الثقافية، ومرافق الخدمة الاجتماعية، والمحترفات والمشاغل المهتمة بتأهيل وإعداد الناشئة» وينبه إلى أن هذه الجماعات «تحرص على امتلاك أحدث تقنيات المعلوماتية ووسائل الاتصال واحتواء النخب المؤهلة علمياً في تلك التقنيات ودمجها بخلاياها وتشكيلاتها» وأنه في المقابل «لا تجد الأصوات العقلانية والواقعية وأفكار التعايش واحترام الآخر الإمكانات المادية والخبرات الفنية اللازمة لإشاعتها والتثقيف عليها.. وربما تعرضت إلى موجات صاخبة من التخويف والتخوين وسلب المشروعية عنها وتعبئة وتجييش الجماهير لمعاداة أصحابها ومناهضة من يبشر بها» فيأتي السؤال عما إذا كان قدر مجتمعاتنا... «أن تظل عقولها مغيبة وأفكارها مضطربة ومفاهيمها مشوشة وإراداتها مغلولة»؟
الكتاب يمثل خلاصة تجارب علمية متنوعة لمؤلفه في التفاهم والحلقات النقاشية وغرف الحوار والمنتديات الثقافية والمؤسسات الاجتماعية مع أطياف عديدة، وتكمن أهمية هذه التجارب في أنها «حاولت أن تقتحم الممنوع وتتجاوز النزعات التكفيرية لدى بعض الجماعات الأصولية والسلفية المغلقة والمنكفئة على نفسها.. فلم يجد فهم الشيخ الصفار للإسلام ما يحظر عليه الإصغاء إلى أي إنسان ومحاورته.. لأن الله تعالى أصغى للشيطان وحاوره»، كما يقول كاتب مقدمة الكتاب الذي يبين أن نشر هذا الكتاب هو من أجل اكتشاف جوهر الدين وما يختزنه من عناصر، ترسخ السلم، وتنبذ العنف بكافة أشكاله، وتبني أخلاقيات الحوار والفهم المتبادل، وتتعامل مع الناس.. إما أخ في الدين أو نظير في الخلق».
أما في تقديمه للكتاب فيقول الشيخ الصفار إن «التوجيه الديني في مجتمعاتنا ينتهج في معظمه أسلوب الحدية والتطرف تجاه الآخر، على أساس أنه «فماذا بعد الحق إلا الضلال» (الآية 32 من سورة يونس) وأن فرقة واحدة هي الناجية والباقين في النار، موضحا أنه على المستوى السياسي الأمر أشد قتامة وتعقيدا في ظل حكومات الاستبداد «حيث لا مجال للرأي الآخر ولا فرصة للمعارضة ولا قيمة لمن يخالف أو يعارض».
من العبارات اللافتة في الكتاب قول المؤلف إنه «ما دام الإنسان يمتلك عقلاً يميز به الصواب عن الخطأ فلا خوف من الانفتاح الفكري على مختلف الآراء والأفكار، والمهم هو دراسة الرأي والفكرة، بغض النظر عن مصدرها، وعن الموقف منه»، وكذلك قوله: «إذا انغلق الإنسان على رأيه وأعرض عن الانفتاح على الآراء الأخرى فإنه سيعزل نفسه عن تطورات الفكر والمعرفة ويحرم نفسه من إدراك حقائق ومعارف مفيدة، وقد يكون رأيه الذي انطوى عليه خاطئا، فلا يكتشف بطلانه في ظل حالة الانكفاء والانغلاق».
بالنسبة للعمانيين فإنهم يوافقون مؤلف كتاب «الحوار والانفتاح على الآخر» الشيخ حسن الصفار على كل ما ورد فيه، فليس من عماني إلا ويعتبر الحوار حياة ومخرجا وحلا لكل خلاف أو اختلاف أو سوء فهم، وليس من عماني إلا ويعتبر الانفتاح على الآخر أمرا طبيعيا بل واجبا شرعيا كي يعينه على التفاهم معه والتوصل إلى المشتركات التي تجعله والآخر يتوافقان على تقاسم العيش، حلوه ومره، فلا عزوف عن الانفتاح على الآخر في عمان، ولا غياب للحوار بين القوى المختلفة، ولا قطيعة ولا تنافر ولا تخوين ولا تبادل اتهامات بانعدام الولاء، فليس لهذه الأمور مكان في السلطنة التي آلت على نفسها أن تستوعب الجميع وأن تفتح المجال واسعاً للجميع ليدافعوا عن أفكارهم ومعتقداتهم وهيأت للجميع الظروف المناسبة التي تعينهم على التواصل مع الآخر.. أيا كان وأيا كان فكره ومعتقده. فما يدعو إليه الشيخ الصفار متوفر في سلطنة عمان بسخاء.
كاتب بحريني