إحياء المشروع العماني القديم صار ضرورة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/يناير/٢٠١٦ ٠١:٢٥ ص
إحياء المشروع العماني القديم صار ضرورة

فريد أحمد حسن

أوصت ندوة عقدت في المنامة أخيرا إيجاد دول مجلس التعاون قوة إقليمية فيما بينها ؛ إما من خلال مشروع الاتحاد الخليجي أو بتبني مشروع استراتيجي جديد للتعامل مع المتغيرات السريعة والعنيفة التي تجتاح المنطقة وتحمل تهديدات كثيرة لحالة الاستقرار التي ظلت تتميز بها . الندوة التي نظمها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة(دراسات) وعقدت تحت عنوان "الأزمة السورية : محركات الصراع ودور القوى الإقليمية والدولية" رأت أن الأزمة السورية أضحت تمثل تهديدا إقليميا خطيرا على أمن دول مجلس التعاون الخليجي على خلفية التدخلات الدولية والإقليمية وأنها أصبحت صراعا بالوكالة فصارت الحلول من ثم في يد أطراف خارجية وصار من الصعب التوصل إليها في المستقبل المنظور حيث الوضع في الساحة السورية صار معقدا جدا وصار يهدد استقرار المنطقة برمتها . ولهذا أوصى المشاركون في الندوة بأهمية التفكير في اتجاه إيجاد صيغة تمنع أو على الأقل تقلل من تأثير ما يجري في سوريا وفي عموم المنطقة على دول مجلس التعاون .
توصية مهمة للغاية ، وبما أن مشروع التحول من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد فيما بين دول مجلس التعاون الخليجي يبدو أنه غير ممكن عمليا حتى مع التوصية الأخيرة لقمة التعاون التي عقدت في الرياض الشهر الفائت لذا فإن فكرة تبني مشروع استراتيجي جديد يحقق الغرض منه هي الأقرب إلى الواقع والأقدر على توفير الحماية اللازمة لدول التعاون وهي ما ينبغي من أصحاب القرار في هذه المنظومة التفكير فيه وبسرعة تعين على توفير حالة الاطمئنان اللازمة لشعوب التعاون في ظل تنامي الأحداث في المنطقة وتسارعهابطريقة مقلقة وفي ظل نفوذ الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وغيرهما من دول المنطقة ، وفي ظل الصراع الذي "تطأفن" حتى صار الذبح على الهوية .
دول مجلس التعاون المسالمة بطبعها والتي ظلت طويلا بعيدا عن هكذا أجواء بإمكانها أن تظل بعيدة عنها لو اتفقت على مشروع كهذا يحميها ويوفر حالة الاطمئنان المطلوبة والتي تضمن لها أيضا عدم تعطل المشاريع التنموية فيها ، أي أن قرارتبني مشروع استراتيجي جديد ينبغي أن يحمل صفة "عاجل" لأنه قرار أكثر من مهم، فمثل هذه القوة الخليجية أيا كانت تفاصيلها من شأنها أن تشعر مواطني دول التعاون بأن النار التي في الجوار لن تصلهم وأن حياتهم لن ترتبك في حالة استمرار الأوضاع في المنطقة على حالها لفترة أطول ، وهو المرشح واقعا .
تعقد الأزمة السورية من شأنه أن يعقد كل الأوضاع في المنطقة ، وهذا هو الواقع الذي صار الجميع يلمسه ، والواضح أن هذه الأزمة ستطول بسبب تحول كل العالم إلى أطراف فيها . يكفي استعراض أعداد وإمكانات الفصائل والمليشيات والأطراف المتحاربة في هذا البلد وأعداد الجنود التي تتوفر لدى كل فريق ، يكفي هذا للجزم بأن حلا قريبا أو حتى في المدى المتوسط غير ممكن إلا إن شاء الله سبحانه وتعالى ، فالدم الذي سال هناك من شأنه أن يسيل دماء أخرى كثيرة فلا تخبو جذوةالصراع .
الأمر نفسه ولكن بشيء من الاختلاف في التفاصيل هو الحال في العراق ، فإذا أضيف إلى هذين البلدين ما يجري من تطورات مؤلمة ومتسارعة أيضا في لبنان وفلسطين واليمن فهذا يعني أن المستقبل يزداد قتامة وبالتالي فإن مشروعا استراتيجيا خليجيا ينتج قوة يعتد بها تحمي دول وشعوب التعاون بات أمرا لا مفر منه .
المثير هو أن مشروعا مهما كهذا كانت قد طرحته سلطنة عمان في بدايات تأسيس مجلس التعاون لكنه لم يحظ بالإجماع فتعطل ، هذا المشروع ركز على عنصري الأمن والتعاون العسكري ، فالسلطنة كانت ترى أن مجلس التعاون عبارة عن حلف عسكري وليس مجرد مشروع اندماجي اقتصادي ، لهذا ركز مشروعها على أهمية بناء نظام أمني وعسكري متكامل على نسق حلف شمال الأطلسي ودعا إلى إنشاء قوة بحرية مشتركة لحماية مضيق هرمز واهتم بالتأكيد على ضرورة أن ينسق هذا الحلف العسكري الجديد مع الدول الصديقة والحليفة وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تشكل الحليف الرئيس لدول المجلس .
لا أعرف الأسباب التي أدت إلى تعطل هذا المشروع المهم في ذلك الحين ولكنه للأسف لم ير النور ولم تتبين أهميته سوى الآن ، فهل تعيد السلطنة طرحه بعدما تبين أهميته في مثل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة ؟ وهل يمكن لمجلس التعاون أن يتجاوز عن الأسباب التي أدت إلى تعطيله في ذلك الوقت ؟
من دون التقليل من شأن التحالفات الجديدة التي تشهدها المنطقة مثل التحالف العربي والتحالف الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية والمجلس الجديد بين السعودية وتركيا فإن إيجاد قوة خليجية في مثل هذه الظروف والتطورات السريعة والعنيفة التي تشهدها المنطقة مسألة تبدو أكثر من مهمة خصوصا في ظل تنامي الإرهاب ، ولو أن سلطنة عمان وبقية دول مجلس التعاون الخليجي عزموا على إحياء المشروع العماني القديم فإن الأمر يتطلب دونما شك سرعة في اتخاذ القرار ، فالوقت ليس في صالح دول التعاون والتغيرات في المنطقة سريعة ومؤلمة بينما الإرهاب ينمو ويتطور رغم كل هذا الذي يتناقل عن محاربته في سوريا والعراق .
تعقد الأزمة السورية وتعقد الأحوال في العراق ولبنان وفلسطين واليمن وليبيا وغيرها من البلاد العربية كلها أمور تدفع نحو الإسراع في تبني مشروع استراتيجي خليجي يستطيع مواجهة المخاطر الأمنية والسياسية والمستجدات الإقليمية .

• كاتب بحريني