بعد عام على مجزرة بوكو حرام باغا مدينة الاشباح في نيجيريا

الحدث الثلاثاء ٠٥/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٥٥ ص

كانو (نيجيريا) – ش – وكالات

لم تعد باغا سوى مدينة اشباح في نظر سكانها، بعد عام على المجزرة التي ارتكبتها جماعة بوكو حرام الاسلامية واسفرت عن مئات القتلى في هذه المدينة الواقعة شمال شرق نيجيريا.
وقد عمد الجهاديون طوال اربعة ايام، الى نهب مدينة الصيادين هذه الواقعة على ضفاف بحيرة تشاد في ولاية بورنو، والتي اقيمت فيها القاعدة العملانية لقوة بلدان المنطقة، لمحاربة المجموعة الاسلامية.
وسيطر الاسلاميون في الثالث من يناير على باغا، وعلى نحو عشر قرى في المناطق المجاورة. وفي الايام التي تلت، تعرض مئات المدنيين للقتل والمنازل للحرق ومئات النساء والاطفال للخطف.
واضطر الاف الاشخاص للفرار خلال الهجوم الذي يعتبر الاكثر دموية للمجموعة الاسلامية خلال ست سنوات.
وتصدرت مجزرة باغا اخبار الصحافة العالمية لدى الاعلان عن ان حوالى الفي شخص قضوا فيها.
ونشرت منظمة العفو الدولية ايضا مجموعة من الصور التي التقطتها الاقمار الصناعية عن اتساع عمليات التخريب والدمار.
وقد تفحمت المنازل واقفلت المؤسسات... ومن الصعوبة بمكان تصور باغا مدينة تضج بالحياة كما في السابق، حين كان التجار يأتون إليها بأعداد كبيرة لبيع المواشي والمنتجات الطازجة والمصنوعات الجلدية.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال محمد الحاجي بكر، أحد هؤلاء الالاف من سكان المدينة المهجرين، ان "باغا ما زالت مقفرة. نعيش جميعا في مخيمات او لدى اصدقاء واقارب في مايدوغوري. نخشى من العودة الى منازلنا".
واستعاد الجيش النيجيري السيطرة على المدينة في مارس، ويقوم جنوده بدوريات اليوم في شوارعها المكسوة بالغبار. لكن استمرار هجرها - يقيم في باغا اليوم اقل من الف شخص - يؤكد صعوبة التوصل الى اقناع هؤلاء الاشخاص بالعودة الى منازلهم واحلال السلام في شمال شرق البلاد الجريح.
وفي يونيو، بدأ السكان المعوزون بالعودة الى منازلهم حتى يستأنفوا الصيد، وقد شجعتهم على ذلك الانتصارات المتعاقبة للجيش. وعادة ما يبيع الصيادون غلالهم في مايدوغوري، اكبر مدينة في شمال شرق البلاد، المعقل التاريخي لبوكو حرام.

- لا نستطيع العودة-

خلال فترة الهدوء هذه، عاد حوالى خمسة الاف شخص الى باغا، لكن السلام لم يستمر. ففي يوليو، تسببت بوكو حرام في سقوط ثمانية قتلى في كمين نصبته لشاحنة كانت تنقل سكانا من باغا عائدين الى منازلهم.
وفي الايام التي تلت، اقدم الاسلاميون على ذبح اعداد كبيرة من الصيادين، وقتلوا فلاحين عادوا الى منازلهم في موسم البطيخ الاصفر (الشمام).
وقد تمكن الجيش النيجيري الذي تدعمه قوات من البلدان المجاورة، من ان يستعيد منذ سنة، بعض المدن التي سقطت في ايدي الجهاديون، لكنه لم يتوصل الى منعهم من اعادة تجميع صفوفهم في القرى المجاورة.
ولجأ الاسلاميون الذين منيوا بنكسة لكنهم لم يسحقوا، الى جزر صغيرة ببحيرة تشاد تغطيها الاعشاب العالية، في منطقة قريبة من باغا.
وقال بكر كوري الذي يرأس هيئة تجار باغا، "ما زلنا لا نستطيع العودة الى باغا، الوضع ليس آمنا، وخصوصا عندما نعرف ان بوكو حرام تسرح وتمرح في الجزر المجاورة".
وادى التمرد الاسلامي الى تهجير اكثر من 2،5 مليون شخص من حوض بحيرة تشاد، كما جاء في تقرير اصدرته في ديسمبر الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد). وتحدث ايضا عن مقتل اكثر من 17 الف شخص.
وفيما اعلن الرئيس النيجيري محمد بخاري عشية الميلاد ان بلاده قد كسبت "تقنيا" الحرب على بوكو، ما زالت هذه الجماعة تواصل شن هجماتها الدامية.
وفي اواخر ديسمبر، قتل اكثر من 50 شخصا خلال 48 ساعة في عدد كبير من الهجومات التي شنتها بوكو حرام في شمال البلاد.
واقرت الحكومة بأن عودة المهجرين مهمة كبيرة جدا، لكنها لم تعلن عن خطة تحرك ملموسة.
وفي رسالته الى الامة بمناسبة السنة الجديدة، هنأ الرئيس بخاري الجيش الذي تمكن من ان "يكبح الى حد كبير تمرد" بوكو حرام، لكنه اضاف "ما زال يتعين علينا القيام بمجهود كبير في المجال الامني".

هجوم الفجر
مراسل بي بي سي في غرب إفريقيا تحدث إلى بعض الناجين من هجوم بوكو حرام على باغا، لمعرفة تفاصيل ما حدث.
05:45، السبت 3 ينايرالعام الفائت : كان عدد كبير من السكان قد توجه للصلاة، حينما بدأ إطلاق النار. فقد بدأت أول غارة قبيل الفجر مباشرة.
وبينما اندفع مسلحو بوكو حرام نحو الجانب الغربي من باغا، أخذت مجموعة من الشباب "سواطيرهم" وسكاكينهم للدفاع عن بلدتهم. وكان نجاحهم غير مسبوق.
ويقول هارون محمد، البالغ من العمر 31 عاما، وهو أحد السكان المحليين "صددناهم، نحن وجنودنا".
"خرجنا في حشود كبيرة للقتال" بحسب ما روى داهيرو عبد الله البالغ 20 عاما، وأضاف أن معظم المسلحين كانوا يرتدون زيا عسكريا ذا أنواع مختلفة.
وكان بعضهم يرتدي معاطف سوداء ولثامات، بحسب ما قاله عبد الله. وهذه اللثامات شائعة في تلك المنطقة الصحراوية، حيث يستخدمها المتمردون لتغطية وجوههم.
وعقب تراجع المتشددين، كان هناك وقف للقتال، وارتياح لذلك، لكن الهدنة لم تدم طويلا.
عندما كنت أجري وهم يطلقون النار علينا، كان هناك من يسقط قتيلا، وكان هناك من يدهس بالدراجات النارية ويموت. لكن البعض وصلوا الى ضفة البحيرة.
خديجة أباكار، من الناجين من باغا
وبعد عدة ساعات، دهم مسلحو بوكو حرام البلدة مرة أخرى.
وأتوا على شكل طابور عريض ومثير للرعب يضم عشرات الشاحنات، والدراجات النارية.
وقال داهيرو عبد الله إنهم خرجوا من بين الأدغال في نحو 20 مركبة.
وقفز ما بين 10 إلى 15 مسلحا من كل مركبة. وأصبح من المستحيل معرفة عدد المسلحين الذين شاركوا في الهجوم، وقد تحدث اللاجئون عن "مئات". وفاق عددهم عدد الرجال المهيئين لقتالهم في البلدة.
وأطلقوا النيران، واستمروا في إطلاق النار علينا، كما قال داهيرو عبدالله. "ونظرا لأننا كنا نحاول الدفاع عن أنفسنا بسواطير فقط، فقد اضطررنا إلى ترك الساحة".

الموجة الثانية
وقال هارون محمد أيضا إن الموجة الثانية من مسلحي بوكو حرام كانت "كثيرة جدا"، مما اضطر الجميع إلى النجاة بنفسه.
ووصف الناجون كيف كان المسلحون المقتحمون يصيحون على الشباب، الذين كانوا يحملون في وقت سابق أسلحة مصنوعة محليا."كونوا شجعانا يا رجال، لماذا لا تقاتلوننا؟"
ومع مواجهة تقدم المسلحين، توقف الجنود النيجيريون عن القتال أيضا وفروا.
ويقول شهود إن كثيرين ألقوا سلاحهم، أو تركوه على الأرض وهم يفرون، تاركين السلاح للآخرين.
وأخذ الحراس تلك الأسلحة وردوا على المسلحين، لكنهم وجدوا أنفسهم وقد فاقتهم قوة المسلحين، واضطروا للفرار كذلك، بحسب ما قالته ساراتو غاربا، البالغة من العمر 20 عاما، وهي أم لطفل في الثانية من العمر.
وتحدث شهود عن حالة من الهرج والمرج مع تقدم المجموعات المسلحة خلال البلدة. فقد أخذ الناس يفرون في كل اتجاه، وفكر كثيرون في أن يلوذوا بالفرار إلى دورون باغا وهي بلدة صيد قريبة، تقع على شاطئ بحيرة تشاد.
كذلك كانت هناك امرأة سقط طفلها في الماء. أخرجنا، وأعطيناه لها وتمكنت من الركوب في القارب. كنا في القوارب، لكنهم كانوا يطلقون النار علينا. "

داهيرو عبدالله
عند منتصف اليوم، تحول الهجوم إلى مطاردة من أجل القتل، في الوقت الذي أخذ فيه مسلحو بوكو حرام يلاحقون الناس في الشوارع.
وقتلوا الناس بإطلاق النار عليهم، وقتلوهم أيضا بواسطة سياراتهم، وبدهس من كانوا في الطريق، بحسب ما قالته ساراتو غاربا، التي فصلتها الاضطرابات عن زوجها.
وكان هناك جثث كثيرة تفوق العد.
ووصفت ساراتو غاربا، ولاجئون آخرون كيف أنهم رأوا نساء، وأطفالا، ورجالا يسقطون على الأرض، أو جثثا ملقاة أرضا.
وسرعان ما انتثرت في شوارع دورون باغا الجثث. وحينما بلغ الناس شواطئ بحيرة تشاد، وجدوا مسلحي بوكو حرام وقد سدوا السبل أمامهم.
وقال داهيرو عبد الله "إنهم ظلوا يطلقون النيران علينا، حتى بعد أن قفزنا إلى المراكب. وقد أطلق الرصاص على رجل بجانبي".
وجذف بعض الأشخاص إلى مسافة بعيدة نوعا ما هروبا من الفوضى. ثم اختبأوا في جزر قريبة، وانتظر كثيرون ساعات طويلة على أمل أن يغادر المسلحون المنطقة.
لكنهم لم يفعلوا. وعند حلول الليل، كان يمكن سماع إطلاق النار.
وما زال عدة لاجئين يتذكرون أنهم شاهدوا المسلحين وهم يشعلون النيران في منازلهم.
فر البعض عبر الغابات، وبعد أيام وصلوا إلى ملاذ آمن في بلدات ومدن نيجيرية أخرى. هرب نحو خمسة آلاف إلى بورنو عاصمة ولاية ميديغوري، وفقا لمنظمة أطباء بلا حدود. وسافر بعضهم شمالا وعبروا الحدود الى النيجر المجاورة.
ووصل الآن نحو 15 ألف شخص إلى تشاد، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وينتظر اللاجئون الحصول على العون في جزر بحيرة تشاد.