الحمامات الشعبية بالقاهرة.. عراقة الماضي ونكهة التاريخ

مزاج الأحد ٣١/يوليو/٢٠١٦ ٠٨:٢٥ ص
الحمامات الشعبية بالقاهرة.. عراقة الماضي ونكهة التاريخ

القاهرة - خالد البحيري

سنوات عديدة تراجعت فيها أسطورة «الحمامات الشعبية» ولم يبق منها غير مثل يردده المصريون دائما: «اللي اختشوا ماتوا»، ويرجع أصله إلى حريق شب في حمام شعبي للنساء فخرجن بعضهن مسرعات واستحى البعض الآخر من الخروج فلقين مصرعهن داخل الحمام.

مؤخرا بدأت هذه الحمامات التقليدية في تصدر المشهد مرة أخرى وزادت شهرتها في الأحياء الشعبية والراقية، فهي لا تزال تحتفظ بجمالها المعماري المُشبع بالتراث ومكوناتها التقليدية البسيطة، وأصبحت مقصداً للفتيات المقبلات على الزواج، والنساء الراغبات في الحفاظ على جمالهن، فضلاً عمن يبحثن عن علاج لآلام العظام والتشنُجات العضلية.

ولمن لا يعرف الحمامات الشعبية المنتشرة في أحياء القاهرة الفاطمية ومصر القديمة فهي «سبا» أو «ساونا» لكن بأدوات تقليدية للغاية تقوم على تسخين بعض الحجارة وتعتمد على بخار الماء الطبيعي في إزالة الشحوم والدهون العالقة بالجسم ثم تبدأ مرحلة التكيس والتدليك بالماء الساخن. وازدهرت الحمامات الشعبية بالقاهرة في العصر العثماني وكان عددها 365 حماما، لكن لم يبق منها سوى 10حمامات؛ أشهرها حمام الملاطيلي، وحمام الأربعاء وحمام المرجوشي، وحمام التلات، وحمام عوكل. ولم تكن الحمامات الشعبية قديما مكانا للنظافة فقط بل لعبت دورا مهما في المجتمع المصري وكانت تمثل منتدى يقضي فيه الأصدقاء وقتا طيبا سواء الرجال أو النساء، كما كانت تمثل عنصرا رئيسيا في تقاليد الزواج، ويتساوى في ذلك الفقراء والأغنياء، وظلت مزارا دائما للكثير من الباشوات قبل ثورة 1952.

رائحة التاريخ

وأهم ما يميز الحمامات الشعبية رائحة التاريخ وملامحه التي تتجلى في كل تفاصيل المكان؛ فالحوائط والسلالم مبنية من الحجر الجيري العملاق.

وتتسم تلك الحمامات بالديكورات والزخارف الإسلامية الكلاسيكية القديمة والأبواب الصغيرة والممرات الضيقة، التي تعمل على توفير الهدوء ومنع التيارات الهوائية والضوضاء، وتختلف فيما بينها في التفاصيل والعناصر الأخرى مثل عدد الأحواض والقباب والزخارف.
وتتكون معظم الحمامات الشعبية من بوابة خارجية متصلة بمدخل ينتهي بساحة لاستقبال الزائرين وحفظ أماناتهم ومتعلقاتهم ومجموعة من الغرف الداخلية التي تتكون من «فسقية» أو نافورة يجلس اليها الزائر ليتم تكييسه (دعك الجلد بقماشة خشنة لإزالة ما تبقى من آثار الجلد الميت) وغرفة بها دش قديم وأخرى للمغطس تكاد لا تظهر من غزارة البخار وسقف أثري. مصدر المياه والبخار في الحمام هو بيت الحرارة، الذي يحتوي على مغطس وحوض ممتلئين بالمياه الساخنة التي تصل إليه عبر بئر للمياه في أسفل الحمام، ويتم تسخين المياه بالمستوقد الذي يوجد بجوار الحمام، ولا يمكن استيضاح معالمه فهو غارق في سحب البخار المنبعثة من المياه الساخنة. والأدوات المستخدمة في برنامج الحمام بدائية وتقليدية، وفي مقدمتها الحجر الأحمر، الذي يستخدم في حك القدمين واليدين ليعطي النعومة المطلوبة للجلد، مع كشط وإزالة الجلد الميت من الجسم خاصة القدمين واليدين، وهو يمنح الجلد ملمسا ناعماً، والصابون المصنع من زيت الزيتون، وليفة مصنعة من قطع القماش الخشن لتدليك الجسم وإزالة الجلد والخلايا الميتة، إضافة أواني تسخين المياه.

حمام الملاطيلي

وفى جولة لـ «الشبيبة» بأحد أشهر الحمامات الشعبية بالقاهرة وهو حمام الملاطيلي الذي أصبح الأن اسمه حمام مرجوش ويقع في حي باب الشعرية، التقينا صاحبه المعلم زينهم فقال: تاريخ إنشاء الحمام يعود إلى العام 1780م حيث تم بناؤه في عهد الخديوي إسماعيل، واشتهر باسم حمام الملاطيلي نسبة إلى جدي سيد الملط الذي اشترى الحمام من العثمانيين، لكن تغير اسم الحمام حاليا إلى حمام مرجوش نسبة إلى الشارع الذي يقع فيه في حي باب الشعرية، ويعمل الحمام فترتين: صباحية للنساء من التاسعة صباحا وحتى الخامسة عصر ومسائية للرجال من السابعة مساء حتى الرابعة فجرا.. وهو الحمام الوحيد الذي لم يتغير طرازه المعماري ولا يزال محتفظا بتقاليده ونوعية الأدوات التقليدية المستخدمة ثم البخار المتصاعد في سماء الحمام والذي يساهم في اشعار الزبون بمزيد من الاسترخاء والراحة.

وأضاف أن زيارة واحدة للحمام تخرج كل أمراض الدنيا من جسد الرجل أو المرأة وتجعله يستعيد حيويته. وتدير الفترة الصباحية الخاصة بالنساء الحاجة أم رأفت وتقول إنها عاشت عمرها بأكمله تعمل في الحمام والحقت بناتها لمساعدتها ايضاً للعمل به. وتضيف: أغلبية مرتادي الحمام الآن من الفتيات المقبلات على الزواج وذلك لتجهيزهن للعرس والزفاف.
ويتميز الملاطيلي عن غيره من الحمامات بأنه ما زال محتفظا بأصالته، وحينما تدخله تشعر بأن سافرت عبر الزمن 200 عام للوراء، كما أنه لا يزال محافظا على أدواته الاصيلة في الاستحمام، مثل قطع القماش الخشن وقطع الحجر الأحمر التي يتم حك جلد القدمين واليدين بها لتعطي النعومة المطلوبة لهذا الجلد.
وأكدت أم رأفت أن العمل في الحمام متعة كبيرة بالنسبة لها كما أن النظافة والخصوصية أكثر ما يحرص عليه العاملات هنا واللاتي يصل عددهن 16 امرأة وفتاة كل واحدة لها دور ووظيفة محددة مثل التكييس والتدليك ورسم حناء وغيرها.
واسترجعت ذكرياتها القديمة مع زائرات الحمام قائلة: كانت العروس تأتي الي الحمام يوم زفافها، منذ الصباح ليتم إعدادها إعدادا كاملا، ويأتي العريس كذلك للاستحمام والحلاقة، وبعدها تخرج الزفة من أمام باب الحمام وحتى منزل الزوجية وسط دقات الطبول وفرحة الأهل.

وعن خدمات الحمام فهي تتنوع بين نظافة للجسد وتكييس ومساج وماسكات مثل الماسك المغربي وماسك الترمس، ويعقبها حمام بارد للتخلص من الافرازات والعرق الذي يسد مسام الجلد، ثم الجلوس في المغطس المليء بالماء الساخن لبعض الوقت، بعدها يتم الاسترخاء على مسطبة من الرخام، ترتفع مترا واحدا عن الأرض، وتجري عليها عملية التدليك الذي يعقبها دش ساخن بالماء والصابون لمدة ربع ساعة.

وعن تجهيزات العرائس تقول أم ماجدة إحدى العاملات بحمام الملاطيلي: تضع العروس طبقات كثيفة من الدهون والعطور والكريمات علي جسدها ثم تدخل حمام البخار، لتتشرب بشرتها الخلاصات المرطبة بهذه المكونات، التي تساعد علي تفتيح البشرة وفتح المسام وإكساب الجسم نعومة، ثم تستحم بالماء البارد وتخلط جسمها بالأعشاب الطبيعية، التي تكون علي شكل عجينة الصلصال، وهي مكونة من قشر البرتقال والليمون المهروس وخشب الصندل، وبعض الفواكه ومسحوق الترمس والذرة الممزوج بزيت الزيتون أو السمسم وتظل علي هذا الحال لمدة نصف ساعة، بعدها يتم شطف الجسم بماء الورد، ثم يتعرض للبخور من هنا تصبح العروس جاهزة تماما وبرائحة طيبة لتخرج من عندنا الي بيتها أو إلى صالونات التجميل لإكمال زينتها.

وأضافت: في الماضي كان الحمام بيت التجميل الشامل للعروس، حيث كانت البلانة أو المدلكة وكذلك الماشطة تتولي تصفيف الشعر وتزيين العروس و وضع المكياج المناسب لها.. بينما اختص الركن الرجالي باستحمام العرسان وحلاقة الذقن والتطيب بالعطر والبخور منعا للحسد ودرء لأعمال السحر لا قدر الله.

وحول الرأي الطبي حول اللجوء الى الحمامات الشعبية تقول د. مها الحسيني اخصائية العلاج الطبيعي وخبيرة التجميل بمركز SPA للتجميل: ما يميز الحمام الشعبي عن النوادي الصحية هو اعتماد الحمام البلدي أو الشعبي علي البخار الطبيعي وهو عبارة عن بخار متصاعد من مغطس مملوء بالماء الساخن يساعد في تفتيح مسام الجسم أما في «ساونا« النوادي الصحية يتم قياس الضغط للزائر ويتم منع مرضي القلب والضغط او الذين يشكون امراضا حادة وجلدية من دخول غرفة الساونا حتى لا يحدث لهم اختناق، وبالتالي كل مكان له مميزاته وعيوبه.

تجهيز العرائس