خالد عرابي
كشف "المجلس الاقتصادي" الذي نظمته الجمعية الاقتصادية العمانية يوم الأربعاء الماضي حول: "مستقبل العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية الصين الشعبية " وما مدى الشراكة الاقتصادية الحقيقية بينهما؟ وكيف يمكن أن تنعكس العلاقات التاريخية والدبلوماسية القوية على العلاقات الاقتصادية .. وكيف يمكن للتخطيط السليم والتعاون المستمر في ظل الرؤى الثاقبة السليمة للقيادات الحكيمة أن تقود البلاد إلى أفاقا أوسع وأرحب وأكثر جدوى ونفعا للشعوب والأوطان على مدى الأزمان .
كما كشف البرنامج الذي استضاف فيه رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية الدكتور خالد بن سعيد العامري، وحاور خلاله وزير الاقتصاد والصناعة اللبناني الأسبق ناصر سعيدي والذي أكد أن الاستثمارات الصينية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الـ 15 عاما الماضية بلغت 101 مليار دولار أمريكي، و بلغ نصيب السلطنة من تلك الاستثمارات نحو 7 بالمائة (أي حوالي 6.6 مليار دولار). كما أكد وزير الاقتصاد والصناعة اللبناني الأسبق "أن الصين تمثل 64 بالمائة من صادرات السلطنة يتصدرها النفط والغاز"، أما في الاستيراد فتمثل الصين 11 بالمائة، .
إن القرار الثاقب الذي أتخذه المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- ، وذلك بالاتفاق مع الرئيس الصيني شين جين بينغ في العام 2018 بترفيع مستوى العلاقات الثنائية بين السلطنة والصين إلى مستوى "الشراكة الإستراتيجية" بين البلدين لهو قرار، استراتيجي، رصين، و حكيم، وقد أنعكس القرار بحق على مستوى العلاقات بين البلدين وأخذها إلى أفاق أوسع وأرحب والقادم أفضل بإذن ألله.
إن المتأمل في العلاقات العمانية- الصينية يجد أنها علاقات وثيقة على مر التاريخ، وقد اتسمت بالصداقة والدفء والتعاون والتطور والأهم أنها تقوم على مبدا مهم وهو "النفع للجميع" وهذا يجعلني أضرب مثالا ونموذجا عمليا وواقعيا على مدى التعاون والعلاقات بين البلدين وهو المدينة الصناعية العمانية- الصينية بالدقم، وهو المشروع الذي يقام على مساحة تصل إلى 11 هكتارا وتبلغ قيمة الاستثمارات الصينية فيه حتى اكتماله إلى 10.7 مليار دولار، وتتم الاستثمارات فيه من خلال شركة وانفانج عمان" التي تمثل الذراع الاقتصادي لمقاطعة "نينجشيا" الصينية ذاتية الحكم -وهي بالمناسبة موطن قومية هوي المسلمة-، وكيف أن هذه الشركة التي يعمل تحت مظلتها نحو 30 شركة صينية أخرى تستثمر في السياحة والنفط والسيارات والبتروكيماويات والطاقة وتحلية المياه ومواد البناء وغيرها الكثير.
لقد حضرت كإعلامي الكثير من الأحداث والفعاليات الاقتصادية العمانية- الصينية،؟ وشاهدت كيف يكن كلا الطرفين لبعضهما كلا الحب والتقدير والاحترام والتعاون والأهم الحرص على المنفعة العامة لكلا الجانبين - و أقول هنا الأهم - لأن الاقتصاد لغة لا تهتم بالعواطف بحسب، وإنما تعرف لغة تقوم على الأرقام وتحقيق المكاسب، و لن أنسى أنه في العام 2018 حينما أقيم وضع حجر الأساس بالدقم وتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين الجانبين بلغت قيمة الاتفاقيات التي وقعت في ذاك الوقت حوالي 3.6 مليار دولار وكان أغلبها في قطاعات السيارات وتحلية المياه والطاقة الشمسية وإنشاء بعض المصانع وغيرها.
إن المتأمل في التعامل الصيني مع الدول الأخرى يجد أنها في غالب الأمر وإن كانت تحرص على التعاون مع الآخر كثيرا ولديها علاقات اقتصادية متشعبة بدءا من أسيا إلى أفريقيا وحتى أوروبا إلا أن الصين تحرص في غالب الأمر تتريت قي ضخ مثل هذا الكم من الاستثمارات في بلد ما، وحتى إن كان من تعاون ودعم إما أن يكون في صورة خدمات أو قروض، ولكن أن يكون في صورة استثمارات مثل ما حدث مع السلطنة فهو أمر نادر الحدوث، ولكن نقول هنا أنه لو لم تدرك الصين أهمية العلاقات التاريخية والدبلوماسية والثقافية وعلى كافة المستويات، و لولا إدراك الصين للأهمية الاستراتيجية لموقع السلطنة الجغرافي والديموغرافي وأهيمة استقرارها وتاثيرها السياسي لما سعت لهذا المستوى من العلاقات ولما دفعت بهذا الكم من الاستثمارات .
بالطبع فإن الحديث عن العلاقات العمانية - الصينية متشعب وفيه الكثير من المعلومات والتفاصيل الدقيقة التي يصعب سردها أو تلخيصها في مقال، ولكنها يصب مجملها في جعله نموذجا مثاليا فعليا وعمليا للعلاقات والتعاون الحقيقي بين الدول وكيف يمكن أن يفضي بالنفع على الجميع دولا وشعوبا ، ولذا فإنني أرى أنه نموذجا ينبغي المضي قدما على نهجه و دعمه وأن يستفاد من التوسع فيه ومع دول أخرى شقيقة وصديقة، كما أتمنى أن يكون نموذجا تستفيد منه حتى الدول في علاقاتها الثنائية وخاصة الاقتصادية.