عقود الإيجار بريال

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٠/فبراير/٢٠٢١ ٠٨:٥٠ ص
عقود الإيجار بريال

علي بن راشد المطاعني 

سألني أحد الزملاء قائلا: هل تعلم أنّ بعض عقود الإيجار تسجل قيمتها الإيجاريّة بريال واحد فقط؟ لوهلة حسبته يمزح. فقلت: كيف تسجل بريال؟ وكم تكون رسوم البلديات إذا كانت تسجل بعض عقود الإيجارات بهذه القيمة المتدنيّة؟ فرد قائلا احسبها أنت..استغربت من ذلك واندهشت كثيرا؛ فقال: لأنّه ليس هناك تشريع أو قانون يُلزِم المؤجّر أن يُسجِّل العقارات بقيمتها الإيجارية الحقيقية، فبعضهم يسجل عقاراته بقيمة تساوي ريالا وضمانه شيكات أو يستلم مبالغ إيجاراته مُقدمًا من المستأجرين.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ليس هناك مؤشر تقييم للفلل والشقق في الولايات وخاصة محافظة مسقط، على أساسها يمكن تسجيل القيمة الإيجارية للعقارات مثل ما هو معمول به في وزارة الإسكان والتخطيط العمراني في تثمين بيع الأراضي وفق كل ولاية ومحافظة وبين سكني وتجاري وصناعي وداخل المدنية أو خارجها؟

ثمّ أليس هنا فراغ تشريعي يجب أن يسد ويفترض من مسؤولي البلديات الإبلاغ عنه لتعديل القوانين بحيث يكون هناك تقييم للإيجارات مساوية وفق قيمتها الفعلية؟

حقيقةً الأمر يبعث على الاستغراب لهذا التعاطي الغريب؛ الذي يفقد الدولة مبالغ طائلة من الرسوم، نتيجة لضعف الأطر والقوانين في البلاد.

فاليوم لا يكفي التهرّب من الرسوم بعدم تسجيل العقارات في البلديات وما يكبّد الخزانة العامة للدولة من فقدان مبالغ طائلة، لدرجة أنّه يمكن تقدير المتهربين من دفع رسوم الإيجارات بنسبة تزيد عن 50 بالمائة من العقارات المؤجرة؛ نتيجة ضعف الرقابة والمتابعة ونقص البيانات، وعدم قيام الأجهزة المختصة في البلديات وجهاز الضرائب بدورهم في وضع أنظمة دقيقة للرسوم وأحكام السيطرة على التهرب من دفعها.

بل لا أعرف كيف يقبل موظفو البلديات تسجيل عقاراتٍ بأقل من قيمتها ويصل الحال إلى أن يسجل بعضها بقيمة ريال واحدٍ فقط؛ لدرجة أنّ النسبة من بعض عقود الإيجار لا توازي حتى قيمة طباعتها بمكاتب سند..!! علاوة على عدم الإبلاغ عن مثل هذه الممارسات بإيجاد تشريع يسد هذا الفراغ..

لماذا لا تُضمَّن عقود الإيجار بنودًا تُلزِم المؤجر بتسجل الإيجارات بقيمتها الحقيقية، وأن يُلحَق بهذه العقود نص واضح يشير إلى أنّ عدم القيام برصد القيمة الفعلية يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، وتوضع مؤشرات محدثة سنويا على الأقل بأجهزة البلديّات بقيمة الإيجارات والعقارات وفق المنطقة.

فعلى سبيل المثال قيمة إيجار الفيلا بشاطئ القرم لا يوازي قيمتها في الخوض وهكذا بقيّة الأحياء ونوعيّة العقار، يجب أن تكون هناك قوائم بحيث إذا سجلت العقارات بأقل من قيمتها يرفضها النظام أو موظف البلدية.

هناك طبعًا من يُسجِّل العقارات بقيمتها الإيجاريّة تلافيًا لأي اختلافات مع المستأجرين وعدم الالتزام، وهناك من يخاف ربه من ممارسة مثل هذه الأخطاء؛ إلا أنّ هناك آخرين يمارسون ذلك النوع من الغش بدون أي وازع أخلاقي؛ ولكنّ الخطأ ليس خطأ بعض المهووسين بهذه الممارسات فحسب وإنما الخطأ أيضا في الفراغ التشريعي لنظام تقييم العقارات سنويًا وفق كل منطقة .

فبعض الشركات العقاريّة تقوم بعمل تقارير بالقيمة الإيجارية بناءً على بحوث ودراسات للسوق العقارية، وتحدد قيمة تقديرية للعقارات يمكن لأجهزة البلديات الاسترشاد بها أو أن تقوم دوائر وأقسام الاستثمار بذلك العمل؛ فهذه الأعمال بديهية وطبيعية ولا تحتاج إلى كثير عناء.

وعلى الرغم من أنّ هناك أوامر محلية للحد من التهرّب من الرسوم العقارية مثل الأمر المحلي رقم(1/‏‏2003) الذي أصدرته بلدية مسقط بشأن تحصيل الرسوم بتسجيل عقود الإيجار بقيمة أدنى من القيمة الحقيقية وحالات أخرى لا يقوم فيها المؤجر والمستأجر بتسجيل وتوثيق عقود الإيجار بالبلدية من الأساس؛ إلا أنّه لم تكن هناك معالجات قانونيّة تتضمن عقود الإيجار ومؤشرات القيمة الإيجارية وفق الواقع.

بل إنّ المجلس البلدي لمحافظة مسقط اتخذ توصية بتكليف لجان الشؤون البلدية بولايات محافظة مسقط بالتنسيق مع المديريات العامة ببلدية مسقط بالولايات لوضع مؤشر القيمة الإيجارية للعقارات في المناطق والمخططات التابعة لكل ولاية؛ أسوة بما هو معمول به في تثمين الأراضي بوزارة الإسكان؛ لكن إلى الآن لم يصدر تشريع ينص صراحة على تسجيل العقارات بقيمتها الإيجارية الحقيقية، أو إصدار مؤشر تثمين للعقارات التي تؤجر في محافظة مسقط كنموذج لبقية المحافظات.

بالطبع الأخطاء كثيرة في تسجيل العقارات بقيمة أقل من قيمتها الإيجارية، بجانب التهرب من دفع الرسوم وعدم تسجيل العقارات أصلا في البلديات؛ وكل ذلك يحتاج إلى التفاتة من أجهزة البلديات وجهاز الضرائب لضبط هذه الممارسات التي تندرج تحت مسمى التهرب أو ما شابه ذلك.

نأمل أن تُسنّ التشريعات التي تعالج مثل هذه الأخطاء، وأن توضع أنظمة متابعة، ومراقبة، وحوسبة دقيقة يمكن من خلالها تتبع العقارات غير المسجلة؛ فالفاقد من الأموال جراء هذه الممارسات كبير، ولا يجب أن يترك؛ ففي الوقت الذي تحتاج فيه الدولة لكل ريال تُسجّل العقارات التي تدر مئات آلاف سنويا بريال.. ريال واحد فقط للأسف .