القطاع الخاص .. والتراجع الاقتصادي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/يناير/٢٠٢١ ٠٩:٤٥ ص
القطاع الخاص .. والتراجع الاقتصادي

بقلم : محمد محمود عثمان

لاشك أن المشهد الاقتصادي الراهن في معظم دول العالم تُطوقه الآثار السلبية لجائحة كورونا، التي لم يصمد أمامها حتى الاقتصاديات الكبري، فما بالك بالاقتصاديات الضعيفة والناشئة التي كانت تعاني منذ سنوات، وكبلتها الديون الداخلية والخارجية مع تراكم العجز السنوي في ميزانياتها، حتى عجزت بعض الدول عن الوفاء بالتزاماتها الدولية والمحلية قبل الشركات والمؤسسات التي عجزت عن مواجهة احتياجات مزاولة أعمالها وأنشطتها، حتى أنها استغنت جبرا عن الأيد العاملة الماهرة المنتجة - فكأنها تدمر نفسها بيدها - فأصبحت تعاني من آثار الركود والكساد بعد أن تعثرت الكثير من المشروعات و توقفت الشركات، ومنها الشركات الصغيرة والمتوسطة ،خاصة إذا كان القطاع الخاص هشا أو ضعيفا ويعتمد في الأساس على حجم الانفاق الحكومي الذي تقلص أو توقف ، مع تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية، وهروب معظمها في ظل ضبابية الأوضاع العالمية وتذبذب أسعارالنفط وعدم الاستقرار ونقص السيولة،وعراقيل الشروط الائتمانية وتخوف البنوك وشركات التأمين من التوسع في أنشطتها وتراكم الديون وإحجام البنوك عن الإقراض ووضع قيود وضمانات قاسية للإقراض والتمويل والتأمين ، وارتفاع ،معدلات الفائدة وزيادة الديون المتعثرة والمعدومة وارتفاع نسبة الفائدة ،وزيادة تكلفة خدمة الدين ، وانخفاض الطلب وتآكل القوة الشرائية للمستهلكين وارتفاع التضخم، الأمر الذي يعد العدو الأول للنمو والتنمية والتطور، نتيجة لما يترتب على ذلك من خسائر في قطاعات العقارت والخدمات والتجارة والصناعة والسياحة والطيران، والكساد في سوق الإعلانات و الإحجام عن حملات التسويق والترويج ، بعد قرارات التصفية والإفلاس، وهذه مؤشرات تقود الاقتصاد باتجاه التباطؤ ، نتيجة للموت السريري للأنشطة الاقتصادية إن لم يكن جميعها ، ومن ثم الانعكاسات السلبية على مجمل الدخل القومي، وتأثيراته على الكيان الاجتماعي وأمنه ، بعد زيادة معدلات البطالة وتراجع الأجور، وتقلص أو انعدام فرص العمل الحقيقية، وعدم قدرة المدينين على السداد، خاصة أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة ،و التأثيرات السلبية الخطيرة على أداء القطاع الخاص، خاصة ، الذي يتراجع كثيرا مع اتباع سياسات التقشف والترشيد لمواجهة الاحتياجات الضرورية، لأن القطاع الخاص يعتمد في الأساس على حجم الإنفاق الذي تضخة الحكومات في السوق ،ولذلك فإنه بين التعثروالتوقف للمشروعات ينمو الركود والكساد الذي يحدث نتيجة للتراجع الاقتصادي الذي يترجم في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10 % على الأقل ، الذي يعد انعكاسا طبيعيا لضعف الحركة التجارية والمصرفية وقطاعات الزراعة و الصناعة ، والأمر الأكثر سوءا أن نجد التعامل مع هذا الواقع بالروتين والجمود في التفكير خاصة إذا تم التعامل مع هذا الواقع في القطاع الخاص وإدارته بعقلية الحكومة أوالقطاع العام ، لأن الطامة الكبرى أن تتصف عقليات القطاع الخاص بالبطء في التفكير، وما ينتج عنه من تباطؤ التعافي، والأمر يزداد تعقيدا في الدول النامية، التي تعاني اقتصاديا في الأساس ، كما تعاني من الفساد وسوء الإدارة ، وهذا يزيد من البطئ في عمليات التعافي والتأخير في العودة إلى المستويات السابقة للإنتاج ، ولا سيما أن رئيس البنك الدولي» ديفيد مالباس» أشار إلى أن عودة الإنتاج العالمي إلى مستواه السابق على جائحة كورونا، ستستغرق فترة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام، حيث تسببت الجائحة بتراجع الكثير من الأعمال على مستوى العالم ، وأن الأمر في الدول النامية سيكون أكثر تعقيدا ، مع تراجع مواردها، التي تعتمد في بعضها على السياحة، وتحويلات العاملين من مواطنيها في الخارج ،والتي تراجعت أيضا بنسب كبيرة ، ودفع ذلك نحو 100 مليون شخص إلى الفقر المدقع في كثير من الدول الفقيرة ،وما يزيد الأمر قلقا أن كورونا قد أحكم قبضته الوبائية على كل الاقتصاديات المتقدمة قبل النامية طوال العام الفائت ولا زالت مخاطره قائمة والتوقعات قاتمة ،مع السلالات المستجدة منه ، وأن المخاطر ستكون أشد أثرا وتأثيرا على الصحة والأرواح والوظائف وسبل المعيشة والحياة ، ولن يستطيع الصمود إلا الأنظمة المالية والصحية القوية ،والإدارة القادرة على امتصاص الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة ، قبل أن تتأثر منها النظم السياسية على المدى البعيد، بعد أن تسببت الجائحة في انهيار الاقتصاد العالمي بدرجات متباينة في عام 2020.

ويبقى الأمل مع نجاح اللقاحات المضادة للوباء،وإدارة القطاع الخاص بفكروعقل متفتح يسهم في إقالته من عثراته وفي سرعة التعافي وتنشيط القطاع الخاص والدفاع عن مصالحة، وعدم الارتماء تحي عباءة الحكومات ،والنجاح في توفير فرص عمل جديدة ،بعيدا عن الحكومات التي تعجزعن استيعاب جحافل الخريجين الداخلين إلى سوق العمل والسرعة في اتخاذ القرارات وكذلك بتقديم المبادرات الداعمة للتحفيز الاقتصادي لمسابقة الزمن لتعويض خسائر كورونا.