محاربة فساد القطاع الخاص

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٣/يناير/٢٠٢١ ٠٨:٤٦ ص
محاربة فساد القطاع الخاص

محمد محفوظ العارضي

في 9 ديسمبر، احتفلت الأمم المتحدة بيومها العالمي الـ18 لمكافحة الفساد، إذ نبّهت بلدان العالم قاطبة إلى ضرورة أن تجدّد التزامها بمحاربة الفساد. تعدّ الشهور المقبلة حاسمة مع شروع شركات الأدوية في توزيع لقاح كوفيد-19. وفور تلقيه، سيغدو الناس قادرين على العودة إلى عالم خالٍ من قوانين التباعد الاجتماعي.

يوجد الفساد، أو إساءة استعمال السلطة، في مستويات متعددة من الأعمال، ومن الممكن أن يتضمّن تقارير مالية مزيفة أو مضللة، أو رشوة واحتيال. كما توجد الممارسات الفاسدة في مناحي القطاع كافة، حيث تسيء مؤسسات معينة استعمال نفوذها ضد المنافسين. وتعدّ تبعات ذلك على الاقتصاد والمجتمع وخيمة ومستمرة لمدة طويلة. إذ تقدّر منظمة الشفافية الدولية أن الممارسات الفاسدة في القطاع الخاص قد تكلّف البلدان النامية خسائر باهظة تصل إلى 1.3 ترليون دولار سنوياً. علاوة على ذلك، فإن التغلب على هذه العراقيل يزداد صعوبة مع تحوّل الفساد إلى ظاهرة متفشية.

وتشير منظمة الشفافية الدولية إلى أن الفساد في القطاع الخاص قد يقلّص الثقة في المؤسسات العامة، ويبطئ التقدم الاجتماعي الاقتصادي، ويحول دون تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويحدّ من الوصول إلى الموارد ويهدد حرية وسلامة الأفراد. وتشمل آثار ممارسات الأعمال الفاسدة تضخّم الأرقام في العقود وانتهاك قوانين الصحة والسلامة والبيئة والتهرب الضريبي والنشاط المالي غير المشروع. بالإضافة إلى ذلك، يشمل الأثر غير المباشر على المجتمع حدوث الإحباط العام وفقدان الثقة في الشركات وارتفاع نسبة الفقر وانعدام المساواة وارتفاع مستوى الجريمة المنظمة، إلى جانب انعدام الأمن الوظيفي وزيادة معدلات البطالة.

لقد تضاعفت هذه الكلف أثناء الجائحة بلا شك. ويظلّ التعافي من الأثر الاجتماعي الاقتصادي الأولوية القصوى للعام 2021 ولا أفضل من الوقت الحالي بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي لكي تضاعف جهودها في تطبيق الممارسات المناهضة للفساد في القطاع الخاص. يتوجب على حكوماتنا أن تتعاون في وضع مخطط عمل يمكّن بلداننا من ضمان حدوث تعافٍ أقوى وأكثر فاعلية في العام المقبل.

علينا في البداية أن نلقي نظرة أعمق على قوانين القطاع بغرض جعلها أشد صرامة وقابلية للتنفيذ. ومن الممكن تقديم الحوافز للمؤسسات لكي تطور وتعزز أنظمتها الداخلية من أجل تقليص الممارسات الفاسدة وحث الموظفين على الالتزام بمعيار أخلاقي عال.

ومن المهم أن نغرس حسّ الأهمية في تثقيف كافة الجهات المعنية بالقطاع الخاص، مثل أصحاب الشركات والشركاء والموظفين، بشأن ما يترتب عليه الفساد. ويجب فرض سياسة صارمة وشديدة تجاه الرشوة. لا بدّ من تدريب الأشخاص المعنيين على رصد سوء السلوك في أماكن العمل وغيره من الأمور ذات الصلة، وحثهم على اتخاذ إجراء ملائم بناء على الموقف. وقد يتضمن ذلك البحث مع فرقهم عن أحد الحلول أو إبلاغ المشرفين وتصعيد المسألة إن لزم الأمر.

ينبغي المسارعة إلى تنفيذ حملات توعوية واسعة النطاق وتدابير مناهضة للفساد. ولكن هذه ليست مهمة سهلة. بينما تملك بعض المؤسسات القدرة على تحمّل هذه المسؤولية بنفسها، تلجأ مؤسسات أخرى إلى إسناد هذه المهمة إلى معاهد تدريب احترافية. في الواقع، يمكن لرواد الأعمال إنشاء معاهد تدريب تتخصص في تثقيف القطاعات حول الفساد ومدى خطورته على المجتمع والطرق المثلى لمحاربة الفساد. على المؤسسة إعادة النظر في رؤيتها ومضمون رسالتها للتأكد من شمولها لأخلاقيات العمل والنزاهة بوصفها قيماً جوهرية. وبهذه الطريقة، فإنها تنشر رأيها الخاص بمناهضة الفساد على امتداد المؤسسة ككلّ، ويمكنها تعزيز ذلك بتدريب الأفراد في مختلف المستويات لكي تضمن استيعاب هذه القيم وتطبيقها في شتى المجالات. ولكي تتأكد من تطبيق مبادرات مكافحة الفساد، يتعين على المؤسسات أن تستعمل أسلوب الثواب والعقاب- فتكافئ الموظفين على أداء واجباتهم بأعلى مستويات النزاهة مع اتخاذ تدابير حازمة بحقّ من يثبت تورطه بممارسات فساد.

ولا شك بأن تنفيذ هذه الممارسات يتطلب البدء بأصحاب القرار في المستويات العليا نزولاً إلى الموظفين في المستويات الأدنى. على الإدارة أن تشجّع على الشفافية قدر المستطاع في مختلف المجالات، وتزيد الرقابة الرقمية عند اللزوم لضمان محاسبة المذنبين وتحذيرهم قبل حدوث واقعة ضارة تخرج عن نطاق السيطرة.

من المؤكد أن 2020 كانت سنة صعبة على جميع بلدان العالم. تضررت دول مجلس التعاون الخليجي جراء هبوط أسعار النفط في الأعوام الماضية، ولكنها تعاملت مع جائحة كوفيد-19 بشكل جيد، بالمقارنة مع دول أخرى. وفي وثيقة السياسات التي نُشرت في أكتوبر 2020، أشاد صندوق النقد الدولي بالحكومات الخليجية فيما يتعلق بالتدابير المتخذة للتخفيف من وطأة التباطؤ الاقتصادي. مما يدعو إلى التفاؤل في هذا السياق أن نلحظ تفاني قادتنا المتواصل بإنعاش اقتصاداتنا والتزامهم الدائم بتحقيق أهدافنا طويلة الأجل على صعيد التقدم والنمو الاجتماعي والاقتصادي.

مع ذلك، يتعين علينا أن نبادر بأنفسنا للتأكد من أن كل لبنة من لبنات أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية تمتاز بأعلى قدر ممكن من الكفاءة والنزاهة.

لقد لعب القطاع الخاص في منطقة الخليج دوراً رئيسياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي على مدى عقود عديدة وأسهم إسهامات متميزة في تنويع أنظمتنا الاقتصادية. وعند اتباع نهج مكرّس لمحاربة واجتثاث الفساد، فإننا نضمن مواصلة القطاع الخاص في العمل بوصفه شريكاً فاعلاً في إحراز التقدم في السنوات المقبلة. وأخيراً، فإن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص يبشّر بمستقبل آمن ومزدهر في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.