الاقتصاد ..وخسائر إغلاقات كورونا للمرة الثانية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/ديسمبر/٢٠٢٠ ١٨:٤١ م
الاقتصاد ..وخسائر إغلاقات كورونا للمرة الثانية

محمد محمود عثمان

بلغت الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد العالمي نتيجة للإغلاقات الكاملة - لمواجة كورونا في المرحلة الأولى نحو 12 تريليون دولار بداية من شهر أبريل 2020،وفق تقديرات المراكز البحثية العالمية

كما أن الإغلاقات الجزئية للأنشطة الاقتصادية خلال الموجة الثانية للفيروس لا تزال غير واضحة المعالم ،ولكن تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى حدوث انكماش اقتصادي عالمي بنسبة 4.9 % ،لأن استجابة الدول كافة ورضوخها أمام هذا الوباء أصابت الحياة بالشلل وأوقفت دوران عجلة الاقتصاد ، الأمر الذي أربك الدول الغنية وأنهك الدول الفقيرة ، ولا زلنا نعيش في حالة عدم اليقين التي تسيطر بقوة وعمق على التوقعات الاقتصادية العالمية ، وإذا استسلمنا لهذه المخاوف فهل الاقتصاد العالمي قادرعلى أن يسدد فاتورة كورونا للمرة الثانية في 2021؟ لأن الإغلاقات الجديدة للمطارات تعد نكسة أكيدة للاقتصاديات سوف تتفاقم بسببها خسائر العالم ، إذا خسر الحرب ضد كورونا مرة أخرى؟ لأن تأثيرات الجائحة على الاقتصاد كانت قوية وسريعة في النصف الأول من العام الحالي لأن المعركة الحقيقية في العالم الآن تكمن عدة عناصر: مثل مدى متانة الاساليب الاحترازية والوقائية ومدى نجاح المنظومة الطبية في الوقاية والعلاج ، ونجاح إجراءات الحجر الصحي للمناطق الموبؤة وللأشخاص المصابين،وفي ظل عدم توافرعلاج أو لقاح مؤكد لجائحة كوفيد- 19 ومستجداته ،بالإضافة إلى القدرة على السيطرة على دخول القادمين من المنافذ الحدودية من الدول الأكثر إصابة ، مع إجراء الفحصوات على القادمين من الدول الأخري،وكذلك في التركيز على تقديم الرعاية الصحية للمصابين بفيروس كورونا، وتوفير الفحوصات الاستباقية لتحديد الحالات المصابة مبكرا، مع رفع الطاقة الاستيعابية لمراكز العناية المركزة لضمان حصول جميع المرضى على الرعاية اللازمة، والعمل على حماية كبار السن والأطفال والمصابين بأمراض مزمنة من خطر الإصابة بفيروس كورونا،من خلال بنية تحتية صحية قوية، وتوافرالعدد المناسب من الأطباء والممرضات والعاملين بالقطاع الصحي ،ثم إنشاء مستشفيات ميدانية على الحدود البرية مع دول الجوار،لمتابعة وملاحظة القادمين ومتابعتهم بالإضافة إلى محاولة – تبعا للإمكانات المتاحة - تعقيم الشوارع ووسائل النقل العامة والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات ودور السينما والأوبرا والمسارح وصالات الجيم والملاعب المغلقة باستمرار، مع التوعية اليومية عبر مكبرات الصوت المثبتة على السيارات والطائرات المسيرة في الشوارع والمحلات التجارية ،ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، والتوعية المباشرة بالهواتف الذكية ، في ظل تطبيق صارم للقانون على المخالفين لقواعد التباعد ، وإعطاء رؤساء العمل في الحكومة والقطاع الخاص سلطة مطلقة في توقيع العقوبات بالخصم حتى 15 يوما من راتب العاملين المخالفين للقواعد والضوابط الاحترازية لمواجهة الوباء ، حتى لا نكرر سياسة التدابير الوقائية المشددة كغلق المدارس والجامعات والمراكز التجارية ودور العبادة، التي أحدثت تأثيرات سلبية أكثر مما كان متوقعاً، بعد أن تضررت قطاعات اقتصادية منها السياحة والطيران التي أصبحت تواجه الإفلاس ،بل وسوف تتكبد أعباء الديون لسنوات قادمة ،خاصة أن بعض الدول قد قدمت مؤخرا حوافز تشجيعية لتنشيط السياحة وتسهيل الدخول بدون تأشيرات سياحية مسبقة ، وقد تتعرض هذه القطاعات لانتكاسة جديدة تؤثربشكل كبيرعلى الوضع الاقتصادي.

ومن ثم فإن الهلع والفزع الذي قد يصيب أصحاب القرارباخاذ إجراءات مشددة جديدة ،سوف تؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي لا محالة ،ولعل الأسوأ سيكون بإعادة تكرارإغلاق الحدود والمنافذ الدولية أمام المسافرين والقادمين وأمام حركة الطيران والتجارة والسياحة العالمية لفترات أطول ،على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها اقتصاديات العالم ،على مستوى الدول والشركات والأفراد والعمال والوظائف، نتيجة جائحة الاستغناءات عن العاملين أو تقليص الأجور ، في ظل ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، لأننا قد نتحول من السيء إلى الأسواء، إذا لم ننجح في انتهاج سياسات مناسبة ومتوازنة لقطاع سوق العمل والعمال على صعيد الأجور، لمواجهة متطلبات الحياة والتزماتها ومنها استحقاق متأخرات ايجارات المساكن والمحلات التجارية والقروض البنكية المتراكمة وفواتير النت والهاتف والكهرباء والمياه ، وعدم استجابة البعض أو مرونتهم في معالجة هذه الأمور الضرورية ، وعدم معايشتهم للواقع ، مما يتطلب التدخل التشريعي الملزم الذي يحمي ويحقق مصالح كل الأطراف ويجنب المجتمع مخاطر الفساد وزيادة الجريمة ،في إطار فقه الواقع حتى تستقيم الحياة ، ثم مسابقة الزمن في تجويد العمل وزيادة الإنتاج لتعويض خسائر "كورونا " وتداعياتها الممتدة إلى خمس سنوات على أقل تقدير ، وحتى نتمكن من احتواء مفاعيل الأزمة ودعم الانتعاش الاقتصادي وعودة الحياة إلى طبيعتها تدريحيا -ولو ببطيء ، - فهذا خير من أن تتوقف ، خاصة أن ما اكتشفه العالم من اللقاحات أو ما هو منتظر من اكتشافات في المستقبل ليست "دواء للاقتصاد" وليست قادرة على التعافي، إذا لم تكن لدينا القدرة على التعايش مع الوباء والحرص والحذر منه في الوقت ذاته، وممارسة الأنشطة المعتادة ، واللجوء بصدق إلى الله سبحانه وتعالى، لأن العالم سيظل في معركة شرسة ضد فيروس كورونا المستجد، لعدة سنوات ،و ستستمر توابعه على المدى البعيد ، ومن ثم لا يمكن أن نستسلم له بالمزيد من الإغلاقات على الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن العواقب وخيمة ولا يمكن تداركها بسهولة.