عضوية مجالس الإدارات ليست مناصب شرفية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/ديسمبر/٢٠٢٠ ٠٩:٢٩ ص
عضوية مجالس الإدارات ليست مناصب شرفية

مسقط - الشبيبة

بقلم : علي المطاعني

تكتسبُ خطوة جهاز الاستثمار العماني بالإعلان عن فتح باب الترشّح لعضويّة مجالس إدارة الشركات الحكوميّة من العامة، أهميةً كبيرةً على العديد من المستويات، الهادفة إلى تعزيز المشاركة المجتمعيّة في صياغة القرارات، من خلال الترشّح لعضويّة مجالس الإدارات وإضفاء المزيد من التخصصية على أعمال الشركات واستثماراتها وأعمالها التشغيلية، بجانب الاستفادة من الكفاءات الوطنيّة في العديد من المجالات، بما يسهم في الارتقاء بهذه الشركات إلى ما تتطلع إليه الدولة والمجتمع حول تعزيز سياسات الحكومة في التنويع الاقتصادي، والنهوض بالاستثمارات في القطاعات غير النفطيّة وتوظيفها بشكل أفضل يهدف إلى زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكوميّة.

إنّ خطوة الترشّح لنيل عضوية مجالس الإدارات تبعث على الارتياح، إذ أنّها تفتح المجال للمشاركة المجتمعيّة الواسعة، إضافة إلى الحوكمة والشفافية التي من شأنها أن تدفع نحو الوصول إلى الغايات المجتمعيّة في العمل الوطني.

وبلاشك ستسهم هذه الخطوة في تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة حول تعيينات مجالس الإدارات وفق محددات معيّنة، يراها البعض، وتفتح الآفاق للمشاركة جميعا في العمل الوطني الاقتصادي بخبراتهم ووفق قدراتهم ومؤهلاتهم العلمية والعملية، علاوة على أنها ستُجسِّر الهوة والفجوة بين الإدارات والمجتمع بما يتوافق مع مبادئ الشراكة الكثيرة التي تمد جسور التواصل في مجتمعنا، وتفتح الأبواب على مصراعيها للإسهام الفاعل عبر القنوات المعروفة.

وحسنًا فعل جهاز الاستثمار العماني، حين أطلق مبادرة منصة «ثقات» الإلكترونية، التي تعمل على تأسيس قاعدة بيانات متكاملة من أجل استقطاب من تنطبق عليهم الشروط والمعايير المطلوبة لنيل عضوية مجالس الإدارات، لكي يتمكّن الجهاز من الاطلاع عليها والاستفادة منها في اختيار الأعضاء أو استبدال الأعضاء القائمين أو تعويض استقالات البعض لأي ظروف كانت، ومؤكد أنّ هذه المبادرة سوف تأتي بمردودات إيجابيّة عدة، أبرزها سد المنافذ التي تتسرب من خلالها المحسوبيّة و»الشللية» والفساد الإداري، والأجمل أيضا أنّ هذا الترشّح سيفتح الباب أمام تجديد دماء مجالس إداراتنا، وتقديم وجوه جديدة لا سيّما من فئة الشباب التي تأنس في نفسها الكفاءة، وتؤمن بأنّ ما لديها من ذخيرة معرفيّة حديثة قمين برفد هذه الشركات بالمرئيات والأفكار الخلاقة التي تواكب متطلبات العصر وحاضر الزمن، وتقديم كل ما من شأنه أن يحقق الغايات والأهداف المرجوة.

ولكن يجب القول أنّ عضويّة مجالس الإدارات ليست مناصب فخريّة وشرفيّة تُمنح للشخصيّات كمكافآت وترضيات لهم بقدر ما أنّها أمانة ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق من يتم اختيارهم لهذه المسؤولية، وهو ما أشار إليه البيان الصادر من جهاز الاستثمار صراحةً.

إنّ مجالس الإدارات تختصّ بالإشراف على الأعمال التجارية وتقديم الرؤية والتوجّهات الاستراتيجيّة وغيرها، وبالتّالي هي مسؤولة بشكلٍ تضامنيّ عن تنفيذ الاستراتيجيّات وتحقيق النجاحات، فضلا عن أنّها مؤتمنة أمام الأطراف ذات العلاقة، وهو ما يفرض على الجميع الكثير من المهام والاضطلاع بدور محوري في مجالس الشركات وفق تقييمات كل شركة.

هذه الخطوة بدلالاتها العميقة تهدف إلى توسيع نطاق اختيار عضويات مجالس الإدارات ممن تتوفر فيهم الكفاءة من كافة الجوانب، وتشرع النوافذ نحو اختيار الأفضل، والمفاضلة بين الأسماء وفق سيرتهم الذاتية وإنجازاتهم، وتتيح تنوّع الخبرات في المجالس، بحيث تجمع بين التخصصيّة في العمل لكل شركة والكفاءات الأخرى في المجالات المالية والإدارية والقانونية، بهدف تكامل العمل في كل مجلس من كل الجوانب، التي تبحر بهذه الشركات إلى ما نتطلّع إليه جميعًا، مع تقييمات دوريّة بالطبع لمعرفة مدى تحقيق متطلبات العمل.

كما لا يفوتنا القول بأنّ مزيّة الترشّح لنيل عضويّة مجالس الإدارات سوف تعزز من كفاءة العمل في المجالس، وتنهض بالمسؤوليات الملقاة على كاهل الأعضاء، بأنّ اختيارهم لم يأتِ عبطا أو كيفما اتفق، بل جاء وفق مواصفات ومعايير محددة ‏لأداء مهمة معيّنة بما ينعكس على أداء مجالس الشركات بشكل أفضل من النُّظم المُتّبعة سابقًا.

ولا يغيب عن البال بأنّ هذه الخطوة من شأنها أن تضيف الكثير من الاستقلالية في اختيار الأعضاء، واتخاذ القرارات المفضية إلى تحقيق أهداف الشركات وتعزيز دورها الاقتصادي، وتسهم كذلك في تحقيق مبادئ الحوكمة الهادفة إلى فض تضارب المصالح والمجاملات والمحسوبية وغيرها مما يسيء إلى العمل في هذه المجالات‏.

إنّ الشركات ومن بينها الشركات الحكوميّة هي عماد الاقتصاد والمستقبل الذي يقود الأعمال الاستثماريّة في المجالات الاقتصادية، وتعزيزها بالجوانب التي تزيد من كفاءتها، ومن ثمّ خلق بيئة صحيّة صالحة للعمل فيها.

نأمل أن تُكلّل هذه الخطوة بالتوفيق والسداد، والعمل على تكامل الجهود والثقة في أجهزة الدولة بأنّها ماضية في إحداث نقلة نوعيّة في العديد من الأجهزة الحكومية، والآليات المتبعة لتمكيـــــن المجتمع من المساهمة الفاعلة في المشاركــة، والمساواة في تكافؤ الفرص بين أبنــــاء الوطن، وفرض الحوكمة والشفافية الهادفــــة إلى وضع الأمور في نصابها الصحيح، والحد من الجدل السفسطائي الذي كان يكتنف مسألة اختيار عضويّة مجالس الإدارات.