بين التكيف والتباكي على رفع الدعم!!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/ديسمبر/٢٠٢٠ ٢٢:٤٠ م
بين التكيف والتباكي على رفع الدعم!!

بقلم: علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي نُشاطرِ فيه المواطنين مشاعرهم؛ فيما يتعلق بتأثيرات وانعكاسات رفع الدعم الحكومي عن خدمات الكهرباء والمياه، والتي ظلت طوال الـ 50 عاما الماضية من الخدمات المدعومة كجزء من منظومة دولة الرفاه والرخاء التي عايشتها دول الخليج إبّان فترة الازدهار النفطي -إن جاز التعبير-؛ يتعيّن علينا الآن أن ندرك أنّ ذلك العصر الذهبي في طريقه للتلاشي شيئًا فشيئًا؛ إن لم يكن قد انقرض فعلا بحكم الظروف القهرية والقسرية التي نعايشها جميعا ومعا. الأمر ذلك يفضي لحتميّة واحدة لا ثاني لها؛ وهي التعايش مع المتغيّرات المتسارعة من حولنا، والتي لا تترك لنا سانحة لالتقاط الأنفاس أصلا. وهو ما يفرض علينا كمجتمع تغيير كثير من أنماطنا الحياتية وسلوكيّاتنا الاستهلاكيّة غير الرشيدة لمواجهة هذه المتغيّرات، والتكيّف مع هذه التطورات كمًّا ونوعًا.
فالظروف التي تعصف بنا كغيرنا من شعوب كوكب الأرض فرضها انخفاض أسعار النفط عالميا مقرونا بتداعيات الأزمة الصحيّة العالمية فيروس كورونا ، هذه الظروف وغيرها أفرزت خيارات صعبة بين الاستمرار في الارتهان إلى المؤسسات الدولية أو ترتيب الأوضاع المالية الداخلية، وتخفيف الأعباء المتزايدة الناتجة عن المصاريف الجارية؛ فليس ثمّة مجال أكثر من إعادة النظر في سلوكياتنا الاستهلاكيّة لمسايرة المُتغيّرات، وترتيب الأولويّات، وبناء القدرات الذاتية القادرة على تجاوز المحن والأزمات؛ باعتبارها الفيصل الذي نتطلع أن يعيه أبناء هذا الوطن على المدى المتوسط والطويل.
فالحكومة في الواقع وجدت نفسها أمام خيارات بالغة الصعوبة، فهي عمليا عليها التناغم مع المؤسسات المالية الدولية باعتبارنا جزءًا من المنظومة الدوليّة، وعليها في ذات الوقت ترتيب الأوضاع المالية الداخليّة على نحو بالغ الدّقة؛ مع الاستماتة في جهود ومحاولات تخفيف أعباء المعيشة على المواطن؛ وفي هذا الإطار فإنّ الواقع ووسط هذه الظروف يحتم علينا التمعّن مجددا وبجديّة أكثر في ما يُسمى بالسلوكيّات الاستهلاكية الأُسريّة والفرديّة؛ استجابةً لقوة مطارق الواقع القاسي الذي فرض علينا ما لا نحبه ولا نرغب فيه، فإعادة ترتيب الأولويات في هذه المرحلة باتت فرض عين على الجميع وليس فرض كفاية.
فنحن اليوم وإذ نقف أمام هذا المنعطف الصعب من تاريخنا الحديث لا نستطيع القول بأنّ التوجّهات الضريبية الجديدة أو الرسوم التي تُفرَض بين الفينة والأخرى مبررة ،ولكن يجب أن تدفعنا مثل هذه الأزمات لبناء نمط حياة جديدة تختلف كليًّا عمّا عشناه سابقا؛ وهذا النمط ليس للتأقلم مع المتغيرات التي تشهدها الساحة المحلية والعالمية فقط، بدون ان نكون فاعلين ؛ وإنّما نؤسس لبناء المواطن القادر على مواكبة كل الظروف.
نوقن تمامًا أنّ الحكومة كانت وستظل في خدمة هذا الشعب العزيز، وأنّها تعمل دون كلل لتهيئة كل ما يضمن سبل العيش الكريم لأبنائها، فهي ما برحت تسعى للتوفيق ما بين الحفاظ على مكانة الدولة المالية وما بين واجبها في توفير الحياة الكريمة لمواطنيها؛ وما بين هذا وذاك خيط رفيع لا يُرى بالعين المُجرّدة، ولكن يمكن مشاهدته فقط بالإحساس.
ولعلّ التجارب السابقة التي تمثلت في انخفاض استهلاك وقود 95 عندما تمّ رفع الدعم عن المشتقّات النفطيّة، والاتجاه إلى استهلاك وقود 91 ، بل والاتجاه لشراء السيّارات الصغيرة ذات الصرف الأقل، وتراجع بيع السيارات الكبيرة؛ لهو خير دليل على تكيّف المواطنين مع مثل هذه المتغيّرات في السنوات الماضية؛ ونموذج بسيط لكيفية التعاطي مع أرتفاع كلفة الخدمات ، وهو ما يحفّزنا كمجتمع لترشيد الاستهلاك، وإبقاء قيمة الفاتورة دائما منخفضة، فقوة المجتمع تكمن في التغلّب على المتغيّرات وقهر إشكاليات رفع الدعم عن خدمة معينة.
بالطبع هناك حماية اجتماعية موجهة لشرائح واسعة من المجتمع بنظام الدعم الذي يستهدف حماية ذوي الدخل المحدود والضمان الاجتماعي، وهو ما يجب تقديره والإشادة به، بل تعزيزه ليتسنّى لنا عبور هذه الظروف بسلام وأمان، والتسريع بإصداره لتبديد الضبابية التي تخيّم على المجتمع ويثيرها بعض المغرضين.
نأمل أن نتفهّم الدواعي التي تفرض علينا مثل هذه التطوّرات، ونتماهى معها بالمزيد من الترشيد، وتغيير قائمة الأولويات، ومراجعة كل أنماط حياتنا برويّة وتمهّل؛ حيث لم يعد وقف هذه الدواعي في العالم ممكنًا. وهي قادمة لا محالة؛ نظرا للعديد من المستجدات التي تعصف بالدول والشعوب؛ لذا علينا التكيّف معها لا أن نخضع لها ونتباكى حولها.