مساوئ التهيئة السلبية !

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/ديسمبر/٢٠٢٠ ٠٨:٥٥ ص
مساوئ التهيئة السلبية !
مسقط - الشبيبة
بقلم :علي المطاعني
في الوقت الذي نؤمن فيه بأهمية توعية المجتمع بالمتغيرات الراهنة والتحديات الإقتصادية وسبل التغلب عليها وأهمية تضافر الجهود في المرحلة القادمة بما يحقق أهداف الدولة وخاصة فيما يتعلق بالمكانة المالية،ودقة التوازن بين الإيرادات والإنفاق وحتمية تغيير سلوك المجتمع الاستهلاكي ليتماشى مع الواقع إلى غير ذلك من جوانب تطرقنا لها في الكثير من المقالات السابقة.
إلا أن أسلوب تهيئة أفراد المجتمع لتقبل تلك المتغيرات الحتمية وسعي أو هرولة البعض لتحقيق ما يسمى بالسبق الصحفي أو الإعلامي قد تكون له عواقب موغلة في السلبية، فكل الذي يحدث في إطار الركض لتحقيق ذلك الإنجاز هو إحباط كل المحاولات الرسمية الرامية لإقناع المجتمع بجدوى وأهمية الإجراء في إطار مصلحة الوطن العليا، وبما أن الطرح السلبي المتوجه كليا للسبق دون غيره فإن مايحققه عمليا هو إستنهاض بواعث التنمر في النفوس إزاء ماهو قادم سيما في مسائل تسعير الخدمات وإعادة هيكلة الدعم إلى غير ذلك، وهو بالتالي لايتوافق مع النظريات العلمية السلسة الرامية لجعل المتلقي جزءا لا يتجزأ من الحدث وليس عدوا أو غريما له، وفي تلك الحالة فإن النتائج العكسية هي المنتظرة على كل الأصعدة والمستويات وتثير الكثير من الإحتقانات التي نحن في غنى عنها أصلا.
إذن فإن التهيئة الإعلامية المسؤولة تتمحور في وحول حتمية التحلي بالأمانة في معناها الأنقى ومن ثم التوضيح للمجتمع وبلغة شديدة البساطة والوضوح ومؤطرة بالشفافية في كل تفاصيل الموضوع المراد معالجته من الألف للياء، وقبل فترة طويلة من بدء سريان تطبيقه وإيضاح مزاياه وفوائده للمواطن وللوطن معا.
كل ذلك يجب أن يقترن بالمعالجات والتصورات والحلول والإستثناءات التي ستقدم للفئات المستحقة للدعم، وكما يتعين أيضا الإستماع لوجهة نظر تلك الفئات في إطار نقاش وحوار مجتمعي مطول تسجل خلاله كل النقاط المطروحة ومحاورة أصحابها وصولا بهم لنقاط الإقتناع الكامل بالقضية، وقد نجد فيما يقولونه نقاطا كانت غائبة عن أصحاب القرار فيتم إضافتها وذاك بطبيعة الحال مكسب لايقدر بثمن ويعد إنصياعا لقوله تعالى في سورة الشورى (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38).. صدق الله العظيم.
لذلك فإن الأمر يتطلب مراجعة قواعد وأصول وأعمدة التهيئة الإعلامية بشكل جذري تحقيقا لأهدافها الغائبة حتى الآن، ذلك إن حدث كما ينبغي فسيرفع بالتأكيد من مؤشرات الرضا بالسياسات التي تنتهجها الدولة وصولا للتوازن المنشود.
إن الأمر يتطلب مناقشة كل خدمة على حدة، وإشباعها تمحيصا ودراسة ونقدا موضوعيا وهادفا وحساب تكلفتها بدقة وكذلك دراسة مدى تجارية الخدمة من عدمه وآليات وأذرع الدعم التي ستحمي فئات الضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود وغيرهم من المستحقين وطمأنة هذه الشرائح بقدر الإمكان وبإستخدام كل سبل ووسائل الإيضاح وصولا للتفاعل المرتجى مع هذه الإجراءات وقبل وقت كاف من لحظة التنفيذ.
فمنذ رفع الدعم عن المشتقات النفطية مرورا بالقوانين التنافسية وعدم الإحتكار، فضلا عن رفع رسوم خدمات البلديات إلى تخصيص إحدى شركات الكهرباء وانتهاء عند رفع الدعم عن خدمات الكهرباء والمياه وغيرها ‏، فإن كل تلك النقاط لم تحظ بالمعالجة الإعلامية السليمة والعقلانية، مما أفضى للتراجع عن بعضها مثل رسوم البلديات رغم عدم ضررها مقارنة مع غيرها من الخدمات.
نأمل أن تتم التهيئة الإعلامية الصحيحة بعيدا عن التشنجات ونظريات فرض الأمر الواقع على المجتمع، فهذه الأساليب لن تكون لها أي ثمار مفيدة، وبالتالي فإن ضررها أكثر من نفعها سيما ونحن نعايش واقعا إقتصاديا معروفا تظلله سحب كورونا الداكنة.