بحث وكتابة: عفراء بنت جمعة الهاشمية
كان وما زال لوادي سمائل أهمية جغرافية كبيرة على مر الأزمان باعتباره أحد أهم المواقع الاستراتيجية بالسلطنة، فوادي سمائل المعبر الرئيسي والوحيد الذي يربط عمان الداخل بمسقط والساحل العماني، وهو على وصف الكاتب الدكتور علي الريامي أنه حلقوم عمان، وقد لعب موقع الوادي دورا مهما في الأحداث العمانية على مر العصور، نذكر أحدها على سبيل المثال: في عام 1913م، استطاعت جيوش الإمام سالم بن راشد الخروصي، الذي اتخذ من نزوى عاصمة له بعد اختياره إماماً لعمان، السيطرة على العديد من الولايات المجاورة، وعندما قام الجيش بالسيطرة على ممرات وادي سمائل، جعل مدينة مسقط تحت خطر الزحف نحوها ومن ثم احتمالية الهجوم والسيطرة على المدينة، مما أمر السلطان فيصل بن تركي بارسال قوات إلى سمائل لإيقاف زحف جيش الإمامة.
وبناء على ما تتمتع به ولاية سمائل من عراقة تاريخية وشاع ذكرها بين سطور التاريخ العماني، وعلى ما يتميز واديها بالموقع الاستراتيجي الفريد، فإنه من المناسب تسليط الضوء على أصل مسمى ولاية سمائل الفيحاء، إذ من النادر الحصول على معلومة موثوقة تحمل في طياتها أي إشارة حول معنى اسم ولاية سمائل. ومع ذلك، فإن الباحث والقارئ على حد سواء يستطيع الربط بين الأحداث والمسميات القديمة بما يؤدي إلى تحقيق فرضية مقبولة ولو بشكل ضئيل، ودعمها بالأدلة الكافية.
هناك رواية تداولت شفهياً بأن معنى اسم ولاية سمائل هو سماء الله، ويمكن الأخذ بهذه الرواية وفق القرائن التالية:
1) أفادت دراسات تقول بأن الفينيقيون استوطنوا الخليج العربي منذ فترة زمنية طويلة قبل الميلاد، ثم هاجروا إلى الشام وفلسطين، ومن أبرز هذه الدراسات ما ذكره المؤرخ الإغريقي هيرودوت، الذي قال بأن الفينيقيون هاجروا من مدينة صور قبل 3500 ق.م إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط واستقر بعضهم في لبنان وأسسوا على ساحلها مدينة أطلقوا عليها الإسم نفسه. ورواية هيرودوت هذه تتطابق قليلا مع الرواية التي ذكرها الدكتور خزعل الماجدي عندما ذكر أن سترابون، وهو مؤرخ إغريقي آخر، قال بأن سكان الخليج العربي كانوا يسمون بعض مدنهم بأسماء المدن الكنعانية، وقد رجح أن تكون هذه المدن الخليجية هي الأقدم.
وفي الحقيقة لا يمكن التأكيد بشكل تام على صحة هذا الرأي من عدمه خصوصا فيما يتعلق بالجانب العماني، وذلك لأن الآثار التي يمكن أن تدل على وجود الفينيقيون على سواحل وأراضي عمان غير موجودة، أو بشكل أدق مدفونة تحت الأرض، فحسب آراء العلماء، فإن مدينة صور ومدينة قلهات قد تعرضت لفترات مختلفة إلى زلازل عديدة، ولم يبقى من الآثار إلا القليل جدا، ثم أتى الغزو البرتغالي والغزو الفارسي ليدمر ما تبقى من هذه الآثار باستثناء بعضها مثل ضريح بيبي مريم وبعض المباني وآثار القبور وسور حول المدينة. ومع ذلك، فإن المؤرخ جوستين فيوري قد أشار بأن الفينيقيون قد تركوا أوطانهم الأصلية إثر حصول زلزال وقدموا إلى شواطئ البحر المتوسط.
وقد ذكر الدكتور حسن دياب رواية للمؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار صور في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد أشار الأخير أن الفينيقيون وخاصة أبناء صور يعتبرون مناطق الخليج العربي موطنهم الأصلي.
2) انصب اهتمام الدكتور خزعل الماجدي على دراسة الحضارة الكنعانية في بلاد الشام والمعتقدات الإلهية الخاصة بهذه الحضارة. ولقد ذكر الدكتور الماجدي في كتابه المعتقدات الكنعانية أنه تم تسمية الكنعانيين باسم آخر وهي شعب الفينيق، والسبب في ذلك أنه حينما أتى الإغريق إلى سواحل البحر المتوسط، قاموا بإطلاق اسم الفينيقيون على شعب كنعان، وهذا اللفظ يعني اللون الأحمر الأرجواني نسبة إلى الصبغة التي تميز الكنعانيون بصنعها طيلة تاريخه. وبناء على ما ذكره الدكتور خزعل الماجدي في كتابه، فإنه يمكن القول بأن الكنعانيون والفينيقيون هم نفس الشعب، وإنما ظهرت تسمية الفينيقيون لاحقا من خلال الإغريق.
على أية حال، لقد تحدث الدكتور بشكل مفصل في كتابه عن المعتقدات الإلهية لدى حضارة كنعان، فذكر في سطور كتابه حول الإله إيل والذي يعني الله لدى الحضارة الكنعانية أو الفينيقية. وفي اعتقادي أن لفظ سمائل جاء من هنا، حيث ارتبط اسم إيل بالعديد من المفردات المذكورة في روايات التراث اليهودي، مثل جبرائيل والتي تعني رجل الله، عزرائيل والتي تعني عون الله، اسرائيل والتي تعني غلب الله وذلك بالرجوع إلى كتاب قاموس الكتاب المقدس، ولذلك، وعلى هذا الأساس، فإن لفظ سمائل قد تحتمل معنى سماء الله.
المصادر:
اتفاقية السيب، الدكتور علي بن محمد الريامي.
الآلهة الكنعانية، الدكتور خزعل الماجدي.
المعتقدات الكنعانية، الدكتور خزعل الماجدي.
قاموس الكتاب المقدس، مجموعة من المؤلفين.