حرب أكتوبر 73 ..والانتصارات الاقتصادية

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٠/أكتوبر/٢٠٢٠ ١٦:٥٤ م
حرب أكتوبر 73 ..والانتصارات الاقتصادية

محمد محمود عثمان

مضت 47 عاما على انتصار السادس من أكتوبر 1973،أول معركة حربية عربية تنتصر فيها الجيوش العربية مجتمعة - منذ هزيمة 1948، كما انتصرت فيه الأمة العربية اقتصاديا،وتجلت فيها الأخوة العربية بكل معانيها ،- التي نفتقدها في مواقف كثيرة متعلقة بحاضر ومستقبل الأمة العربية الآن بعد أن شارك العرب والدول النفطية في تمويل المعركة والاستعداد لها منها سلطنة عمان والسعودية والكويت والإمارات والجزائر، وكان نجاح العرب في التخطيط الاقتصادي ممتدا إلى المجتمع المصري بكل فئاته حيث الشعار الذي عانى منه المصريون اقتصاديا وهو " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة "الذي توقفت على أثره كل الاصلاحات والبنى التحية والمشروعات الاستثمارية والصحية والتعليمية ، وتحويل كل الدخل القومي للمجهود الحربي لشراء السلاح وتجهيز القوات المسلحة وتدريبها ، وتوفير الامدادات من المؤن والذخيرة والمعدات وقطع الغيار، ألأمر الذي أدى إلى تطبيق خطة اقتصادية تعتمد على الترشيد الشديد في الإنفاق الحكومى، لتدبير الأموال اللازمة لصالح القوات المسلحة، ،وتوفر التمويل اللازم للحرب ،مع عدم إغفال تمويل الاحتياجات الأساسية للشعب المصرى، في ظل الضعف الشديد في الإمكانيات الاقتصادية ونقص الموارد وعجز الموازنة العامة ، التي تعاني في ذات الوقت من نقص الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية ،التي لا تغطي اعتمادات الاستيراد للسلع الغذائية الاساسية ، الذي صاحبه العديد من المظاهرات والاحتجاجات على زيادة اسعار المواد الغذائية 

بعد أن تأثر اقتصاد الدولة بشكل مباشر وغير مباشر،لأنه بالنظر إلى البعد الاقتصادى فى حرب أكتوبر، فإن التاثيرات تعدت وقت المعركة إلى بعد انتهاء الحرب وصولاً إلى تكلفة إعادة الإعمار ، حيث تحمل الاقتصاد المصري العبء الأكبر في تكاليف انتصار اكتوبر من جميع النواحي البشرية والمادية ، وانعكس ذلك على مستوى دخل الفرد ورفاهيته لعدة سنوات.

ولا شك أن العرب قد نجحوا بدرجة كبيرة في المساعدة على الإعداد وتهيئة المناخ الاقتصادي لحرب السادس من أكتوبر، وكذلك في استخدام سلاح النفط في المعركة ، والذي كان له الأثر الكبير في تغيير موازين القوى في ذلك الوقت ، وأدي إلى الطفرة الكبيرة في اسعار النفط عالميا واستفادة الدول العربية من العائدات النفطية التي تسببت في نقلة نوعية اقتصادية غير مسبوقة غيرت وجه الحياة في هذه المجتمعات ،ولذلك فهذا النصر الاقتصادي هو الأول في العصر الحديث الذي صنع النصر العسكري للعرب وللمسلمين

لذلك تثير فينا هذه الذكرى الشجون بحيث نتذكر منها الانتصار العسكري لأول مرة على الأعداء بعد عبور خط بارليف المؤجج بالنابالم ، وتخطي أكبر مانع مائي في التاريخ العسكري وهو قناة السويس ، بعد أن حطمت قوات المدفعية والمقاتلات الجوية المصرية تحصينات خط بارليف القوية، التي كونت سلسلة من النقاط الحصينة والطرق والمنشآت الخلفية، التي صنعت الخط الدفاعي الأصعب في تاريخ الحروب، الذي أنفقت عليه إسرائيل أكثر من 300 مليون دولار ، والذي امتدت دفاعاته أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي لقناة السويس، مزودا بخط أنابيب النابالم الحارق وسريع الاشتعال.

ولكن قبل ذلك علينا أن نعطي الأبطال الذين صنعوا هذه الحرب بسواعدهم وأرواحهم ودمائهم، من كل الجنود بمختلف درجاتهم - من بقى منهم على قيد الحياة رمزا للتضحية والعطاء - والشهداء وأسرهم من الآباء والزوجات والأبناء حقهم من التكريم المادي والمعنوى، ليكون ذلك حافزا للأجيال الجديدة على العمل والبذل والعطاء من أجل أوطانهم والمحافظة عليها ،وألا نكتفي فقط بتكريم كبار المسؤولين ، أوبإقيامة حفلات الغناء أو غيرها من الحفلات التي ينتهي معناها وقيمتها في وقتها.

وكذلك تثير فينا هذه الذكرى سماع الجنود يرددون عند عبور القناة " باسم الله أكبر "وكذلك الصوت القوي للرئيس الراحل أنور السادات وهو يقول : "السن بالسن والعمق بالعمق والنابالم بالنابالم " والصواريخ جاهزة لتعبر إلى سيناء "،ردا على انتهاك الطيران الإسرائيلي للأجواء المصرية بدون مقاومة ، خاصة في فترة حرب الاستنزاف التي امتدت بعد هزيمة 67 ، وحتى الساعة الثانية ظهرا من يوم السادس من أكتوبر العاشر من رمضان ، يوم الانتصار العظيم الذى افتخر بأن أكون أحد أبطاله بمشاركتى فيه ، عندما كنت شابا يافعا باحثا عن العمل - بعد انتهاء الدراسة - أعاني من عار وذل هزيمة النكسة ،حتى تقرر تجنيدي مع كل المؤهلات العليا لأول مرة بالقوات المسلحة تدعيما لها بعد نكسة 1967 ، ونجح الشباب المتعلم في استيعاب الأسلحة الجديدة والمتطورة بل ساهم في تطويرها لتواكب الواقع الميداني للحرب في صحراء سيناء المفتوحة ،

لتحقق حرب العاشر من رمضان 1393 هـ – السادس من أكتوبر 1973 م، ملحمة عسكرية بمعنى الكلمة ،وقف أمامها الخبراء كثيرا كأعظم حرب في تاريخ العرب في العصر الحديث ، وإنها منذ 47 عاما تُدرس في أكبر الأكاديميات العسكرية في العالم، وخاصة نجاح خطة الخداع الإستراتيجي التي نفذها الرئيس السادات بنجاح وخدع بها أكبر أجهزة المخابرات العالمية ،حتى تمكنت القوات العسكرية من دك وتدمير تحصينات العدو في عدة ساعات ، لينتهي بذلك زمن الانكسارات العربية ومقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر لبدء عهد الا نتصارات الذي لا يجب أن يتوقف عند هذه الحرب بل يمتد إلى كل مناحي الحياة لنعبر إلى الرخاء الاقتصادي والتنمية المستدامة.