علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي نثمّن فيه عاليا كل الجهود الإنسانية الرفيعة الرامية لتعزيز دور ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع عبر إشراكهم في كل مفاصل الحياة اليومية كالأصحاء تماما دون الانتقاص من مكانتهم أو النظر إليهم نظرة لا تليق بهم كبشر مثلنا، إلا أننا نجد البعض بقصد أو بدونه يبالغ في إظهار الاهتمام بهم وعلى نحو يدفعهم إلى الإحساس بأنهم دون الآخرين مكانة ومنزلة، بل إن بعض التصرّفات قد ترغمهم على التصديق بأنهم بالفعل كذلك، وهو إحساس وشعور مؤلم بطبيعة الحال، الصحيح والمفترض أن يكون هو عكس ذلك، هذا ما تقوله أبجديات علم النفس.
هذه الممارسات الخاطئة في التعامل مع هذه الفئة المهمة في المجتمع تثير الكثير من الحساسية لديهم والكثير من الحيرة في أفئدتهم مما دفع بأحدهم لتصميم مقاطع فيديو بعنوان «عاملني صح» طرح فيه الكثير من أوجه وأشكال وأنماط المضايقات اليومية التي يواجهونها أثناء ممارستهم لحياتهم اليومية ككل الناس، في كل مكان يحلون به، في المساجد والبنوك ومقار العمل وحتى في المنازل، فنمط المعاملة التي يواجهونها تتحد في نقطة التقليل من شأنهم ودورهم عبر الاهتمام الزائد بهم والمؤطر بسياج الشفقة، أو عبر الازدراء الواضح من خلال نظرة ترى بأنهم لا يقدرون على فعل شيء، وفي الحالين ثمة أخطاء فادحة العواقب يجب علينا أن نعمل متحدين لاجتثاثها من الجذور باعتبارها فكرا ضل طريقه إلى الهدى.
إن إضفاء التقدير والاحترام والنظرة المتكافئة لذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم المساعدة الإيجابية والمتوازنة لهم في كافة أوجه الحياة هو أمر طيب وقد حثنا وحضنا عليه ديننا الحنيف ولنا جميعا أن نقف بالاحترام كله أمام العتاب الرقيق الذي تلقاه نبينا صلى الله عليه وسلم من ربه في الآيات الكريمات من سورة عبس: {عبس وتولى * أن جاءه الأعمى} والأعمى هو عبدالله بن أم مكتوم عندما جاء للنبي وكان وقتها يجتمع مع سادة قريش يدعوهم للإسلام.
من هذه الأقصوصة الرائعة عميقة الأغوار تتضح لنا المكانة الرفيعة لهذه الفئة في عقد المجتمع الإسلامي، ومنها ينبغي أن تنطلق كل السلوكيات الإسلامية في تعاملنا اليومي معهم.
صحيح أن مساعدتهم من كافة أفراد المجتمع هو فرض عين كإفساح الطريق أو قراءة لوحات إرشادية في الشارع وعدم الوقوف في مواقف السيارات المخصصة لهم، ومن كل ذلك نخلص إلى نتيجة حتمية تؤدي إلى إدماجهم الكامل في المجتمع وبنحو طبيعي باعتبارهم أفرادا منه بأهلية كاملة غير منقوصة.
نأمل صادقين في عدم المبالغة والتهويل في التعاطي والتعامل اليومي والحياتي واللحظي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن نحرص كل الحرص على أن تكون المساعدات التي نقدمها لهم مقننة في معانيها ومراميها بدون إسراف أو تقتير في الاهتمام، واضعين في الاعتبار الحقيقة المطلقة والقائلة بأنهم في الواقع بشر مثلنا تماما، ويستطيعون التناغم مع متطلبات الحياة عبر إرادتهم الوثابة إن نحن فقط أحسنّا وأجدنا التعامل معهم ووضعناهم في المكانة اللائقة بهم كأفراد منتجين ومواطنين صالحين.