سنغافورة - وكالات
يجتمع الزعيمان الكوري الشمالي والأمريكي في التاسعة من صباح اليوم الثلاثاء بفندق كابيلا في جزيرة سنتوسا، قبالة ميناء سنغافورة وتضم فنادق فخمة وحديقة ملاه تابعة لشركة يونيفرسال ستوديوز للأفلام وشواطئ صناعية. أما فندق كابيلا فهو مبنى شيِّد إبان حقبة الاستعمار البريطاني، حيث كان يتناول فيه أفراد سلاح المدفعية بالجيش البريطاني الطعام. وصار بعد تجديده من أغلى فنادق سنغافورة. يحاول الكثيرون رؤية الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون لكن دون جدوى فقد بقي كيم متواريا عن الأنظار في فندق سانت ريجيس المحاط بحراسة مشددة. ولم تظهر شقيقته كيم يو جونج أيضا والتي رافقته إلى سنغافورة.
وتذمّر بعض الناس من الاختناقات المرورية التي تسببها القمة المرتقبة بين الزعيم الكوري والأمريكي والتي اختيرت سنغافورة مكانا لانعقادها مما قد تمهد الطريق لإنهاء مواجهة بين الخصمين القديمين وتغيّر شكل البلد الآسيوي الفقير المعزول وستركز القمة على برنامج كوريا الشمالية النووي والحصول على مساعدات اقتصادية من واشنطن. وربما يكون كيم، الذي يرجح أن عمره 34 عاما، من أصغر رؤساء الدول في العالم، ومن غير المرجح فيما يبدو أن ينجح في كتابة التاريخ الذي فشل أبوه وجده، الزعيمان السابقان لكوريا الشمالية، في كتابته. لكن منذ توليه السلطة بعد وفاة والده، بدت شخصية الشاب كيم مزيجا من القسوة والنزعة العملية والكفاءة السياسية. وسيجلس كيم إلى مائدة أمام رئيس الولايات المتحدة وجها لوجه وسيلقى معاملة الند.
كما تذمّر السكان المحليون من تكلفة استضافة كيم وترامب وما يرافقها من متطلبات التأمين الهائلة. وكان رئيس وزراء سنغافورة لي هسيين لونج قال إن القمة ستكلف سنغافورة نحو 20 مليون دولار سنغافوري (15 مليون دولار أمريكي)، وإن أكثر من نصف المبلغ سيخصص لإجراءات الأمن.
وكتب أحد مستخدمي فيسبوك «شكرا يا رئيس الوزراء لي على إنفاق 20 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب التي كان من الممكن... أن تساعد الكثير من الأسر الفقيرة في سنغافورة». لكن لي أكد أن الأمر يستحق وقال للصحفيين أمس الأول الأحد «هذه مساهمتنا في جهد دولي يصب في صميم مصلحتنا».
ويقيم ترامب وكيم في فندقين مختلفين في منطقة شارع أورتشارد الشهير في سنغافورة الذي تكثر فيه المجمعات السكنية والمكاتب ومراكز التسوّق الفاخرة. وهناك قيود شديدة على دخول الفندقين.
وعقب وصوله بفترة قصيرة، التقى زعيم كوريا الشمالية مع رئيس وزراء سنغافورة لي هسيين لونج قادما من فندق سانت ريجيس الذي يقيم فيه مرورا بحي التسوّق بشارع أورتشارد الذي أغلقته السلطات حتى عبر موكبه وسط حراسة مشددة.
وركض حراس شخصيون بجوار سيارته الفارهة. وفي ردهة الفندق وقف حراس أمن متجهمون من كوريا الشمالية محذرين باقي النزلاء من التقاط أي صور لدى مرور كيم وصولا إلى سيارته وهي من طراز مرسيدس.
وعندما التقط نزيلان صورة لكيم اندفع مسؤول كوري شمالي إليهما طالبا فحص هاتفيهما. وقال هذا المسؤول لاحقا لرويترز طالبا عدم نشر اسمه «رأيتهم يلتقطون صورة لزعيمنا. كيف يجرؤون على ذلك؟ كان عليهما عدم فعل ذلك». وعلى مرأى من هذا المسؤول وموظفي الفندق حذف أحد النزلاء صوره. ووصل الزعيم الكوري الشمالي في طائرة أعارتها له الصين، الحليف الوحيد الكبير لبلاده منذ عقود. وشمل الوفد المرافق لكيم مسؤولين كبارا من بينهم ري يونج هو وزير خارجية كوريا الشمالية وكيم يونج تشول وهو مساعد مقرّب من كيم لعب دورا في الدبلوماسية التي ستتوّج بالقمة يوم الثلاثاء. وشوهدت كيم يو جونج شقيقه كيم الصغرى ضمن الوفد. وكانت قد ظهرت كشخصية مؤثرة في فبراير الفائت عندما قادت وفد كوريا الشمالية لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية. وفي أول تصريحات له منذ وصوله قال كيم إن التاريخ سيسجل الدور الذي لعبته سنغافورة إذا نجحت هذه القمة. ووصل ترامب إلى قاعدة بايا ليبار الجوية في سنغافورة متطلعا للتوصل إلى اتفاق على نزع السلاح النووي مع أحد ألد خصوم الولايات المتحدة. وكان وزير خارجية سنغافورة، فيفيان بالاكريشنان، في استقبال ترامب لدى نزوله من الطائرة الرئاسية في مساء يوم استوائي رطب. ورد ترامب على سؤال من أحد الصحفيين عن شعوره إزاء القمة بالقول إنه «جيّد للغاية» ثم استقل سيارة كانت في انتظاره لتقله إلى فندق في وسط سنغافورة.
وستكتب صفحة جديدة في التاريخ عندما يلتقي ترامب وكيم اليوم الثلاثاء فالعداء قائم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية منذ الحرب الكورية التي دارت رحاها بين عامي 1950 و1953 ولم يسبق أن اجتمع رئيس أمريكي بزعيم كوري شمالي قط أو تحدثا حتى عبر الهاتف. ويضم الوفد المرافق لترامب وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي والمتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس إن القمة التاريخية المقرر أن تجمعه بزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في سنغافورة قد «تنجح بشكل رائع»، بينما اجتمع مسؤولون من البلدين لتقليل الخلافات بشأن كيفية إنهاء الأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية. ووصل كيم وترامب إلى سنغافورة، المدينة الدولة ذات المناخ المداري، من أجل أول لقاء مباشر بين زعيمي البلدين الخصمين.
وأدلى ترامب بتعليق إيجابي خلال غداء عمل مع رئيس وزراء سنغافورة لي هسيين لونج، حيث قال: «ينتظرنا اجتماع مثير جدا للاهتمام غدا وأعتقد أنه سينجح بشكل رائع». وقال في حديثه مع لي «نقدر حفاوتك ومهنيتك وصداقتك... إنك صديقي». وما يزال عدد كبير من الخبراء في شؤون كوريا الشمالية متشككين في أن كيم سيقدم على التخلي الكامل عن الأسلحة النووية ويعتقدون أن ما أقدم عليه كيم في الآونة الأخيرة إنما يستهدف تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة على بلده الفقير الذي تأثر بشدة.
وقال مسؤول بالإدارة الأمريكية، مشترطا عدم الكشف عن هويته، إن الجانب الأمريكي يمضي إلى المحادثات بإحساس بالتفاؤل مع جرعة مساوية من التشكك نظرا لتاريخ كوريا الشمالية الطويل في تطوير الأسلحة النووية. وأضاف المسؤول «لن يفاجئنا أي سيناريو». وتابع قائلا إن ترامب وكيم سيجريان اجتماعا ثنائيا اليوم الثلاثاء قد يستمر ساعتين. ووصفه بأنه اجتماع يهدف «لتعرف كل منهما على الآخر» إلى جانب أمور أخرى. وقال داريل كيمبول خبير منع الانتشار النووي ومدير رابطة الحد من التسلح إن نجاح القمة سيتوقف على اتفاق ترامب وكيم على إطار لمفاوضات على مستوى الخبراء «لوضع التفاصيل والإطار الزمني لخطوات تنفيذ إجراءات متبادلة».
وأضاف على تويتر «ومع وصول الزعيمين إلى سنغافورة لم يتضح بعد ما إذا كانا متفقين على الأهداف النهائية ووتيرة الخطوات وتتابعها حتى الوصول إلى نزع شامل للأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية». وتوقع مسؤولون أمريكيون كبار أن تطالب كوريا الشمالية بضمانات أمنية منها تعهد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بعدم غزوها فضلا عن مساعدات اقتصادية. وكانت إدارة ترامب أوضحت من قبل أنها لا تسعى «لتغيير النظام» في كوريا الشمالية ولا نية لديها في إرسال قواتها إليها.