تعلموا من كارثة السوريين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٤٦ ص
تعلموا من كارثة السوريين

د. فيصل القاسم

يقول المثل الشعبي: «العاقل من اتعظ بغيره والتعيس من اتعظ بنفسه.»لكن المشكلة أن قلة قليلة عبر التاريخ تتعظ من كوارث الآخرين، بينما كثيرون لا يتعظون إلا إذا دفعوا الأثمان بأنفسهم. لا عجب أن الأديب البريطاني الشهير ألدوكس هكسلي يقول في قولته الشهيرة: «الدرس الوحيد الذي يتعلمه الناس من التاريخ أنهم لا يتعلمون من التاريخ». لكن مع ذلك نعود ونكرر، لا بد أن تتعلم الشعوب العربية من الدرس السوري والليبي واليمني تحديداً، لعلها تقلل من خسائرها لاحقاً، فمن الواضح أن الشعوب لم ترتعب من المأساة السورية كما أرادوا لها. ومن الواضح أيضاً أن الذين حاولوا أن يجعلوا المأساة السورية بعبعاً قد فشلوا فشلاً ذريعاً.

وبما أن الدماء السورية واليمنية والليبية لم تجف بعد، فمن الأجدر بالشعوب العربية أن تكون قد تعلمت الدرس. إن أول شيء يجب أن تعيه الشعوب أن هناك ألف طرف وطرف يتحيّن فرصة الثورات في البلاد العربية كي يحقق مصالحه وأطماعه على أنقاضها ويستغل مظالم الشعوب وعذاباتها ليس ليساعدها على التخلص من الظلم والطغيان، بل كي يستغلها لتحقيق مآربه القذرة حتى لو أدى ذلك إلى خراب الأوطان وتهجير السكان. وهذا ما شاهدناه في الثورة السورية، فقد استغل ضباع العالم معاناة السوريين تحت القمع والاضطهاد، وبدل أن يساعدوهم على التحرر، تاجروا بآلامهم ومظالمهم لأغراضهم الخاصة، فكانت النتيجة وبالاً على السوريين شعباً ووطناً.

انتبهي أيتها الشعوب: عندما يشتعل الحريق في منزلك، سيهرع كثيرون إلى الحريق، لكن ليس كلهم يأتون لإطفائه، بل ربما ليصبوا مزيداً من الزيت على النار كي تتسع. وبعضهم يأتي ليسرق البيت، والبعض الآخر ربما يأتي ليستغل محنة ساكني البيت ويستخدمهم لأغراضه الحقيرة. كوني حذرة جداً، ولا تقبلي المساعدة قبل أن تتأكدي من نوايا مقدميها. ولا تدعي أي طرف خارجي يحرضك على حكوماتك حتى لو كانت ظالمة. لا تصغي إلى أصوات الخارج. لقد سارعت قوى كثيرة للتدخل في سوريا بحجة مساعدة السوريين ضد النظام، لكن تبين أن غالبيتهم كان آخر همها مساعدة السوريين، فكل تدخل لأهدافه الخاصة التي لا علاقة لها أبداً بمظالم السوريين. انتبهي أيتها الشعوب، لا شك أن لديك ألف سبب وسبب كي تطالبي بحقوقك، لكن لا تجعلي ثوراتك مطية لتحقيق أطماع الكثيرين في بلادك وعلى أشلائك، فبدل أن تحققي أحلامك في الكرامة والحرية تحققين مطامع المتكالبين على بلادك، بينما تعودين أنت إلى نقطة الصفر وربما أدنى. لا تقبلي أيتها الشعوب أن تكوني أداة في أيدي أي جهة خارجية. حذار أن يتقاتل أبناء الشعب الواحد فيما بينهم تلبية لمطالب داعميهم في الخارج. انظروا ماذا حصل للسوريين الذين سلطهم الخارج على بعضهم البعض، فتحولت الثورة إلى حرب أهلية لم يربح منها سوى الخارج والنظام وحلفائه.

احذري أيتها الشعوب أي دعم خارجي مهما كان. لا تثقي بأقرب المقربين. ثقي فقط بشعبك وببلدك، وارفضي أي عون من أي جهة، لأن الدول والأطراف الأخرى ليست جمعيات خيرية، فكل طرف يقدم مساعدة يحاول أن يجني من ورائها أضعافاً مضاعفة. وهذا كله يدمر مطالبك المشروعة، ويجعلك مطية ولعبة في أيدي المانحين والواهبين. لاحظوا إلى ماذا أدى تنوع الداعمين للفصائل في سوريا. لقد أدى إلى تدمير الثورة وتحويل البلد إلى إقطاعيات وإمارات إسلامية. وكان مصيرها كلها السحق لأنها بدل أن تعمل من أجل البلاد راحت تتناحر وتتنافس فيما بينها على الغنائم والنفوذ والسلطة.
احذري أصحاب الشعارات، فقد أثبت هؤلاء أنهم ألد أعداء الثورات بشكل مباشر أو غير مباشر، فهؤلاء لا يريدون إقامة أوطان مدنية ديمقراطية حرة، بل يريدون أن يعودوا بكم إلى غياهب الظلام والتخلف والماضي، وهم أكبر عون للطغاة لأنهم يعطون الشعوب انطباعاً بأنهم أسوأ من الأنظمة. ولن نتفاجأ أبداً أن مثل تلك الجماعات الدينية هي بالأصل صناعة مخابراتية يسلطها الطغاة على الشعوب عندما تثور عليهم كي تقول الشعوب: «ما بتعرف خيرو لتجرب غيرو». اطردوا أي متظاهر يحمل شعاراً دينياً، فهو إن لم يكن مدسوساً، فهو سيكون لاحقاً وبالاً عليكم، لأن العالم سيعتبره رمزاً للإرهاب، وبحجة القضاء عليه سيقضي على ثوراتكم ومطالبكم، كما حصل للسوريين.

لا تنسوا أن كل من يحمل شعارات دينية في الثورات ليس ثائراً، لأنه يحمل عقلية التكفير والإقصاء والتمييز بين الناس على أسس دينية وطائفية ومذهبية، مثله مثل العسكر الذين يعمدون إلى تخوين كل من يعارضهم. لا خيار لكم سوى الأنظمة المدنية الديمقراطية بعيداً عن العسكر وشعارات المتدينين. لا تقبلوا أن تبقوا بين سندان الجنرالات ومطرقة المتاجرين بالدين.لا بأس أن تتحالفوا مع المتنورين الوسطيين الذين يؤمنون بالنظام المدني وقبول الآخر حيث وجدتموهم.

تعلموا من مصائب غيركم لعلها تكون فوائد لكم.

إعلامي في قناة الجزيرة