عيون تراقب إيطاليا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٤٥ ص
عيون تراقب إيطاليا

دومينيك مويسي

«نحن في فرنسا يجب أن نأخذ إيطاليا بشكل أكثر جدية بكثير فهناك الكثير مما يمكن تعلمه من هذا البلد الناجح جداً».

إن هذا الكلام يبدو وكأنه اقتباس من قرون عديدة وليس من سنة 2015 عندما كان سفير فرنسا في إيطاليا يمدح ويدافع بشكل شرعي للغاية عن أرض دانتي، وفي السنة التي تليها وفي أعقاب تصويت المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست « في الاستفتاء، سألني صحفيون إيطاليون ما إذا كانت بلادهم قادرة على استبدال المملكة المتحدة في «نادي الثلاث» غير الرسمي في أوروبا بحيث تقود دول الاتحاد الأوروبي الأخرى إلى جانب ألمانيا وفرنسا.

لكن هذا الخليط من الثقة والأمل قد تبخر الآن تحط وطأة ثقل الواقع السياسي واليوم إيطاليا هي أقوى المرشحين للقب «رجل أوروبا المريض» وحتى أن المرء قد يرى أن إيطاليا قد أصبحت رمزاً إن لم تكن تجسيداً لكل شيء خاطئ في أوروبا.
يبدو أن إيطاليا تكرر انقسامين يعملان حالياً على إضعاف أوروبا وهما: الانقسام بين الشمال والجنوب فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية والانقسام بين الشرق والغرب فيما يتعلق بالقيم. إن الانقسام بين الشمال والجنوب في الحالة الإيطالية لا يحمل أهمية اقتصادية او ثقافية فحسب، بل انه ينعكس كذلك على الخارطة السياسية لإيطاليا نفسها ففي الانتخابات العامه التي جرت في الرابع من مارس كان الدعم للحزبين الذين شكلا الحكومة مؤخرا – حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة (رابطة الشمال سابقا)- مقتصرا على جنوب وشمال إيطاليا على التوالي.
لكن هناك ضمن إيطاليا كذلك انقسام بين الشرق والغرب وهذه المرة ليس بين حركة النجوم الخمسة والرابطة – الحزبين الرئيسيين في مارس – ولكن بينهما وبين أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط التقليدية واللذان تفوقا عليها بسهولة.
إن بقية أوروبا –وخاصة بلدي فرنسا- عادة ما تتجاهل إيطاليا عندما تكون الأمور جيدة وتستخف بالعواقب المحتملة عندما تسوء الأمور هناك ولكن في هذه المرة فإن الأمور قد ساءت في إيطاليا لدرجة أنه من المستحيل التخفيف من وطأة تلك العواقب.
لأول مرة فإن هناك ائتلافاً يتكون من قوى سياسية معادية للنظام القائم ومعادية لأوروبا قد وصل للسلطة في إحدى الدول الأعضاء المؤسسة للاتحاد الأوروبي. لقد وصل الإيطاليون إلى نقطة اللاعودة السياسية في وقت قد يؤثر فيه خيارهم – بشكل سلبي للغاية – على تطور المشروع الأوروبي برمته وحتى نكون صريحين لو تحركت دوله من الجنوب الأوروبي شرقا وذلك من خلال تبني نموذج هنغاريا او بولندا فإن ذلك سينعكس سلبا ليس فقط على الشمال ولكن على الغرب برمته وذلك بسبب ذلك الفوز الذي حققته الديمقراطية غير الليبرالية.
دعونا نكون واضحين: ان الخطر ليس ان ايطاليا هي على وشك ان تخرج من الاتحاد الاوروبي على الطريقة البريطانية فغالبية الايطاليين غير جاهزين لذلك بل الخطر هو انه مثل هنغاريا وبولندا ستبقى ايطاليا بالاتحاد الأوروبي مع تجاهل أحكامه والاستهانة بقيمه.
على الرغم من ذلك فإن ادانة ايطاليا بسبب ذنوبها لا يعتبر امرا عادلا أو مفيدا. إن بقيت أوروبا وخاصة فرنسا تتحمل على اقل تقدير بعض المسؤولية عن نتائج الانتخابات الايطالية في مارس. لقد شعر الإيطاليون وهم محقون في ذلك أنه قد تم التخلي عنهم من قبل أخوانهم الأوروبيين عندما واجهوا أعداداً ضخمة من اللاجئين ولقد ادوا واجبهم الإنساني بطريقة كريمة بمساعدة مجتمع مدني يمكن اعتباره نموذجاً يحتذى به للعديد من البلدان الأخرى.
لكن نتيجة لذلك فإن الرجال والنساء الذين كانوا في السلطة عندما رحبت إيطاليا بأكثر من 600000 لاجئ خسروا الانتخابات حيث تمت معاقبتهم بسبب انهم فعلوا الشيء الصحيح ولوحدهم وهذا جعلهم يبدون وكأنهم أناس حالمين وسذج بشكل خطير في أفضل الأحوال وكبيروقراطيين فاشلين في أسوأ الأحوال.
لكن جعل فرنسا تعترف بمسؤوليتها (مع الآخرين) هو شيء والإذعان لقرار عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي بانتهاك القواعد والأحكام هو شيء آخر تماماً. إن وجود آلية قوية ورادعة مثل احتمالية طرد الأعضاء الذين يتعمدون تجاهل قيم وأحكام الاتحاد الأوروبي لن يحصل على ضوء الوضع الحالي لأوروبا علما انه عندما قام حزب الحرية من أقصى اليمين بزعامة يورغ هايدر بالانضمام للحكومة الائتلافية في النمسا سنة 2000، طبق الاتحاد الأوروبي عقوبات لفترة قصيرة جداً.
لم يعد هناك اي متسع لمثل هذه الحالة من اللامبالاة فالذي يحدث في ايطاليا يؤثر بشكل مباشر على فرنسا وطموحاتها المتعلقة بالاصلاح الاوروبي ومع وجود المانيا ضعيفة سياسيا وشرق أوروبا عدائي وإسبانيا مصابة بحالة شلل الى حد كبير واحتمالية وصول حكومة شعبوية للحكم في واحدة من الدول الأعضاء المؤسسة لأوروبا، فإن فرنسا ورئيسها ايمانويل ماكرون والذي يعتبر من أشد المناصرين للمفهوم المثالي الأوروبي المتعلق باتحاد أكثر ترابطاً بكثير، يخاطرون بأن يجدوا أنفسهم في «عزلة كبيرة».
لا أحد يعلم المدة التي ستبقى فيها فرنسا في تلك العزلة. إن ما يحصل في إيطاليا اليوم يمكن أن يكون بمثابة إشارة مبكرة لما قد يحدث في فرنسا غدا مع دولتها الأقوى ومجتمعها المدني الأضعف. لقد كان السفير الفرنسي محقا: يجب على فرنسا أن تأخذ إيطاليا بشكل أكثر جدية ولكن ليس للأسباب الخاطئة.

مستشار بارز في معهد مونتين في باريس.