الوحشية تجاه اللاجئين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٤٥ ص

كوستاس جورجياديس
لوكا بوكين

من منظور طالبي اللجوء في مخيم موريا للاجئين على جزيرة ليسبوس في اليونان، تحولت كلمة «تقريبا» إلى مصدر للدمار. فقد وصلوا «تقريبا». وأصبحوا «تقريبا» عند نهاية رحلتهم الوحشية. وعلى حد تعبير آراش، وهو أب لطفلة صغيرة ويبلغ من العمر 27 عاما، وحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كابول في أفغانستان: «في نهاية المطاف، نحن بشر، تقريبا». ومن الواضح أن أوروبا ترحب بهم «تقريبا» فقط.

الواقع أن كلمة «تقريبا» تشيع قدرا لا يطاق من اليأس بين طالبي اللجوء المحتجزين على جزيرتي ليسبوس وساموس، والذين تحملوا بالفعل صدمة الرحلة وحياة المخيم. ويشير تقرير صادر في أكتوبر عن منظمة أطباء بلا حدود إلى أن ما يقرب من 50 % من اللاجئين على جزيرة ساموس عانوا من العنف أثناء مرورهم عبر تركيا، وأن ما يقرب من 25 % منهم عانوا من العنف منذ وصولهم إلى اليونان. حتى أن المسؤولين المكلفين بتقييم مدى ضعف اللاجئين في مخيم موريا لا يسألون ما إذا كان شخص ما اغتُصِب، بل بأي قدر من الوحشية، وكم مرة.

من غير المستغرب على هذه الخلفية أن يعاني المقيمون في المخيم نفسيا. بيد أن قائمة انتظار العلاج النفسي تزيد على 500 اسم، وهذا يعني أن قِلة من الأشخاص قد يحصلون على أي دعم على الإطلاق. من ناحية أخرى، تواجه عيادة صغيرة يديرها المركز اليوناني الدولي غير الربحي للاستجابة لحالات الطوارئ في موريا حالات إيذاء النفس يوميا، والانتحار ليس نادرا هناك.
قَدَّم بول ستيفنسون المتخصص في الصدمات وصفا لمتلازمة تثبيط الهمة التي لاحظها أثناء عمله في مركز لاحتجاز المهاجرين على جزيرة ناورو قبالة الساحل الأسترالي. يقول ستيفنسون إن معدل تكرار حدوث اضطراب ما بعد الصدمة يبلغ نحو 3 % في أعقاب كارثة طبيعية. وبعد هجوم إرهابي، يرتفع الرقم إلى نحو 25 %. وفي حالة التعذيب والسجن، تقفز النسبة إلى 50 %، لأن هذا «يعتبر الوضع الأكثر تثبيطا للهمم» الذي قد يتعرض له المرء.
وما يواجهه طالبو اللجوء في مخيم موريا الآن هو فعليا التعذيب النفسي والاحتجاز. وعلى الرغم من السماح لهم بالذهاب والمجيء كما يشاؤون، فلا توجد أماكن معيشة بديلة أو نقاط لتوزيع الطعام. وتتسم الأوضاع في المخيم بالضيق وعدم كفاية المرافق ــ حاليا، يقيم ما يقدر بنحو 6600 طالب لجوء في مخيم يتسع لثلاثة آلاف شخص ــ ناهيك عن التهديد المستمر بإساءة المعاملة.
يتناقض هذا الوضع بشكل حاد مع سرد الاتحاد الأوروبي. فبعد عام من أزمة اللاجئين الأوروبيين ــ أو بشكل أكثر دقة أزمة إدارة اللاجئين ــ التي بلغت ذروتها في صيف العام 2015، أعلن الاتحاد الأوروبي أن الموقف تحت السيطرة. ولكن على الرغم من تضاؤل أعداد اللاجئين الواصلين إلى شواطئ أوروبا حقا، فإن كل من زار ليسبوس مؤخرا يعرف أن الأزمة لم تنته بعد.
وقد قارن المحللون بين سياسات الاتحاد الأوروبي في التعامل مع قضايا اللجوء والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط منذ العام 2015 وبناء ما يسمى «أوروبا الحصينة». فإذا كان الاتحاد الأوروبي حصنا، فإن مخيم موريا هو غرفة التعذيب، حيث الظروف الرهيبة الموثقة بشكل جيد. لم تعد هذه «أزمة لاجئين» أو حتى «أزمة إدارة لاجئين». بل تحولت الآن إلى أزمة إنسانية متعمدة. ونظرا لبيانات وموارد الاتحاد الأوروبي، فمن غير الممكن أن ننظر إلى هذه النتيجة إلا على أنها مقصودة.
الواقع أن السماح بهذه الظروف المروعة في مخيمات اللاجئين يرجع إلى رغبة السلطات في ردع طالبي اللجوء الآخرين ــ بما في ذلك بعض الأشخاص الذين ليس لديهم الحق في الحصول على حماية دولية ــ من محاولة الدخول، وربما حتى لإجبار بعد الذين وصلوا على العودة إلى ديارهم. ووفقا لهذا المنطق فإن تحسين الظروف في المخيمات والسماح للاجئين بالوصول إلى البر الرئيسي اليوناني يساهم في تحفيز موجة جديدة من العابرين. وقد شككت أعلى محكمة إدارية في اليونان في قانونية سياسة الاحتواء هذه، والتي جاءت نتيجة للاتفاق المثير للجدال بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. لكن الحكومة اليونانية تحدت قرار المحكمة.
إنها استراتيجية قاسية وهازئة تستهتر بالكرامة الإنسانية، وتبررها الخطابة المتعصبة والسرد المتحيز. تُرى هل يكون مواطنو أوروبا وقادتها على استعداد حقا للتخلي عن القيم الأساسية مثل التضامن والتعاطف في سبيل مستقبل من الجدران التي يحرسها مرتزقة ليبيون، وصفقة غير قانونية مع تركيا، وظروف مفرطة الشدة تحيط بأناس يلتمسون اللجوء من الفقر والصراعات التي ساعدت أوروبا في خلقها؟
ضد كل منطق، وعلى الرغم من «تقريبا» بعد «تقريبا»، يظل سكان مخيم موريا يأملون أن تتذكر أوروبا تعهداتها قريبا وتلتزم بها في ما يتصل بدعم حقوق الإنسان. وفي غضون ذلك، يبرهنون على أن الإنسانية تشرق على نحو أشد سطوعا في كثير من الأحيان في ظل ظروف غير إنسانية على الإطلاق.
يتلقى الوافدون الجدد الدعم من مجتمعاتهم، بما في ذلك الدروس حول البقاء في بيئة المخيم المحبطة للمعنويات. وكثيرا ما تعمل الطوائف العرقية المختلفة في المخيم معا من أجل ضمان أن مواطنيهم المصابين بالذهان، على سبيل المثال، هم من بين أولئك الذين يتلقون العلاج حقا. على الرغم من الصدمة الشخصية الهائلة التي تعرضت لها واكي قبل وبعد وصولها إلى اليونان، فإنها تتولى رعاية أطفال أسرتين لأن آباء الأسرتين المصابين بالاكتئاب عاجزون عن ذلك.
الواقع أن هذه الحال ليست حتمية. وقد اقتُرِحَت سياسات عديدة واعدة وتنطوي على إمكانية إنشاء عملية آمنة وإنسانية لتنظيم اللجوء. ويتضمن هذا التأشيرات الإنسانية، والمضاهاة التفضيلية بين الدول المضيفة وطالبي اللجوء، وإعادة التوطين، فضلا عن توفير دعم أقوى كثيرا لدول المواجهة.
قد لا تكون الدعوة إلى مثل هذه الحلول مريحة وقد لا تحظى بالشعبية على المستوى السياسي. ويتطلب تطوير وتنفيذ سياسات لتنظيم اللجوء تحترم حقوق طالبي اللجوء وإنسانيتهم القيادة الجريئة. ولكن من الواضح أن الوضع الراهن غير مقبول.

كوستاس جورجياديس: مستشار السياسات في جامعة ماستريخت

لوكا بوكين: مستشار الشؤون العامة في جامعة ماستريخت