جسر التنهدات

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/يونيو/٢٠١٨ ٠٢:٥٠ ص
جسر التنهدات

عزيزة راشد

عندما رأيت الجسر مقطوعا أصبت بالإغماء، كلمات عفوية قالها سعادة المهندس عبدالله عباس، ذلك الرجل الذي كان يفاجأنا كل يوم تشرق فيه الشمس على مسقط بشيء جميل ومعلم بارز ونظافة مدينة نافست أجمل عواصم العالم، كنا نتذكر عبدالله عباس كشخصية محبة للجمال والتطوير، وكنا نحن سكان الأرياف نزور مسقط لنرى ماذا عمل هذا الرجل من لمسات على المدينة، لا زلنا نتذكره وكنا نراه وهو يجوب مسقط طوال اليوم يوجه ويرشد ويصلح، حتى يقال إنه في أحد جولاته شاهد وردة صغيرة يابسة بين الورود في أحد شوارع مسقط فتساءل: لماذا يموت الورد في مسقط؟ وأمر بتغيير هندسة الري كلها لتبقى مسقط مزهرة بالورد الجميل الذي كانت الكاميرات تتسابق لتصويره.
جسر القرم بعد الأنواء المناخية التي صفعته بكل قسوة رياحها وطرحته أرضا، أصبح جسرا للتنهدات يشبه في ذلك جسر التنهدات في مدينة البندقية الإيطالية الذي كان يمر عليه المساجين ذهابا إلى غرفة الإعدام، فيلقون من خلال نوافذه نظرة أخيرة على العالم ويتنهدون بحسرة لأنهم سيودعون جمال البندقية بعد عبورهم الجسر.
كنا نلقي نفس التنهدات على جسر القرم المقطوع وكيف استطاعت الريح التي كانت تعوي كالذئب على حواجزه والوديان التي تحفر أساساته أن توقعه وتفصل منطقة القرم عن باقي مفاصل العاصمة مسقط، تسابق الجميع إلى الجسر وكانت التنهدات من كل عماني وهو يشاهد أحد أهم إنجازات بلاده تتهدم، فكان جسر التنهدات في القرم بمثابة إيحاء وإذكاء للروح الوطنية التي جعلت كل عماني يتطوع لخدمة بلده.
نفس المشهد يتكرر الآن في إعصار مكونو، والذي ولله الحمد لم يحدث الأضرار الجسيمة بمحافظة ظفار، وقد مر عليها مرور الكرام إلا من بعض الأضرار الخفيفة، وتلك رحمة من الله سبحانه وتعالى بهذه البلد، ويتكرر المشهد مرة أخرى في تلاحم أبناء عمان المخلصين وتسابقهم في التطوع حتى وصلت الأعداد إلى عشرات الآلاف من المتطوعين، عندما زرت ظفار عقب الإعصار رأيت شاحنات مليئة بكافة المواد اللازمة والسلع الغذائية المرسولة من كافة أنحاء السلطنة لأهلنا في محافظة ظفار.
الحمدلله الذي أعطى عمان الحماية من شر البيئة ومنحها شعبا مخلصا محبا وفيا لها يتلاحم مع بعضه البعض في المحن والكوارث تحت قيادة واحدة زرعت المحبة بين العمانيين وجعلتهم مخلصين لوطنهم، حفظ الله جلالة السلطان قابوس المعظم فهو المدرسة التي نتعلم منها الوطنية والإخلاص والوفاء للأرض ومحبة بعضنا البعض.