عقاب ميركل

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٠٧ ص
عقاب ميركل

يانيس فاروفاكيس

إن أحد الأخطاء الأكثر شيوعاً التي يرتكبها القادة الأوروبيون في تفسير العداء الذي أظهره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الحلفاء التقليديين لأمريكا، ورغبة إدارته في قلب النظام الدولي، هو افتراض أن كل هذه الأعمال غير مسبوقة. لكن هذه ليست الحقيقة.

«فلسفتي هي أن جميع الأجانب يحاولون تدميرنا، ومن واجبنا أن ندمرهم أولاً». هكذا قال جون كونالي، وزير الخزانة الأمريكي آنذاك، في العام 1971، في محاولته الناجحة لإقناع الرئيس ريتشارد نيكسون بأن الوقت قد حان لمعاقبة أوروبا عن طريق تعطيل نظام بريتون وودز (وهو نظام إدارة نقدي أسس قواعد للعلاقات التجارية والمالية بين الدول الصناعية الكبرى في العالم في منتصف القرن العشرين).

وبالمثل، فإن ترامب يوافق بالتأكيد على أنه «من خلال موازنة متطلبات نظام دولي مستقر ضد الاحتفاظ بالحرية في العمل من أجل السياسة الوطنية»، اختارت الولايات المتحدة بحكمة «هذا الأخير». كان ذلك قول بول فولكر، رئيس نيويورك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، في تقييمه لقرار نيكسون في خطاب ألقاه بعد سبع سنوات. كما أعلن الرئيس المستقبلي للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كذلك أن «التفكك المحكم في الاقتصاد العالمي ... كان هدفاً مشروعاً في الثمانينيات».
إن الفرق بين الوضع الراهن لأوروبا والأزمة التي واجهتها في السبعينيات يكمن في انهيار مركز أوروبا السياسي المماثل لذلك الذي حدث في جمهورية فايمار الديمقراطية. وفي سبعينيات القرن الفائت، شنت الولايات المتحدة هجوماً مالياً على ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وقد واجهته المؤسسات الأوروبية الموحدة. وعلى النقيض من ذلك، يجب على المدافعين عن الوضع الأوروبي الراهن أن يناضلوا على جبهتين: مقاومة تجاوزات ترامب، وداخل أوروبا، محاربة أمثال ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو، النجوم الصاعدة في السياسة الإيطالية الذين، على الرغم من أغلبيتهم البرلمانية، حرموا من حق تشكيل حكومة من قبل رئيس الدولة المحاصر والمدافع عن المؤسسات.
كان البيان الصادر عن الولايات المتحدة حول التعريفات الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم، والذي كان يهدف ظاهريًا إلى الصين، بمثابة إشارة أخيرة إلى أوروبا بأن خطاب ترامب «أمريكا أولاً» يجب أن يؤخذ على محمل الجد. ثم جاء الانسحاب الأميركي من الصفقة النووية الإيرانية، والذي منح ترامب فرصة أخرى رائعة للاستفادة من عجز أوروبا، وخاصة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وبعد تأكيدها على أن ألمانيا، أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان والاقتصاد ، ستدعم الاتفاقية النووية الإيرانية، شعرت ميركل بإهانة مباشرة بعد انسحاب شركة ألمانية تلو الأخرى من إيران. كان الجميع غير راغبين في تحدي القوة المالية الأمريكية أو فقدان التخفيضات الضريبية التي قدمها ترامب إلى ما يقرب من 5000 شركة ألمانية بقيمة إجمالية تصل إلى 600 بليون دولار. وقبل أن يتم استيعاب الصدمة الإيرانية، هددت الولايات المتحدة بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25٪ على واردات السيارات الأوروبية، الأمر الذي من شأنه أن يخفض ما لا يقل عن 5 بلايين دولار سنوياً من إيرادات المصدرين الألمان.
ومثلما يهدف ترامب إلى قلب النظام العالمي الذي استفادت منه ألمانيا منذ عقود، يرى سالفيني ودي مايو أن تفكك اليورو يعد تطوراً إيجابيا من شأنه أن يدعم حملتهما لمكافحة الهجرة. قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات، عندما كنتُ أتفاوض نيابةً عن اليونان مع الحكومة الألمانية لإنهاء مجموعة من القروض غير المستدامة والتقشف الشديد الذي لا زالت تعاني منه البلاد، حذرت محاوري في اجتماع مجموعة اليورو لوزراء مالية منطقة اليورو:
«إذا أصررتم على السياسات التي تدين شعوب بأكملها إلى مزيج من الركود والإذلال على المدى الطويل، فسيتعين عليكم قريباً التعامل ليس مع اليساريين الأوروبيين مثلنا، بل مع المناهضين لأوروبا والمعاديين للأجانب الذين يسعون إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي».لقد أدى عدم قدرة أوروبا على حل مشاكلها الخاصة إلى ظهور أغلبية إيطالية جديدة تخطط لإزاحة نصف مليون مهاجر، مما سيؤدي بدوره إلى تعزيز العنصريين المتشددين في هنغاريا وبولندا وفرنسا وبريطانيا وهولندا و بالطبع، ألمانيا نفسها. وفي هذه الأثناء، ولأن أوروبا أضعف من أن تقهر ترامب، ستهدف الولايات المتحدة إلى إجبار الصين على تحرير قطاعيها المالي والتكنولوجي. وإذا نجحت أمريكا في القيام بذلك، فسوف يتدفق ما لا يقل عن 15٪ من الدخل القومي الصيني إلى خارج البلاد، مما يعزز القوى الانكماشية التي تولد الوحوش السياسية في أوروبا والولايات المتحدة.
كل هذا كان متوقعا - وفي الواقع تم التنبؤ به. لذا لا ينبغي أن يفاجأ الناس بالوضع الذي تجد فيه ميركل وأوروبا نفسيهما اليوم. لكن المجانين الخطيرين فقط من سيحتفلون بذلك.

وزير مالية اليونان الأسبق

، وأستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا.