أزمة الأرجنتين الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٠٧ ص
أزمة الأرجنتين الجديدة

أندريس فيلاسكو

لقد كان الاقتصادي الراحل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رودير دورنبوش يقول لطلابة في الثمانينات إن هناك أربعة أنواع من البلدان: الغنية والفقيرة واليابان والأرجنتين. لم يعد أحد يشعر بالقلق من أن تشتري اليابان طريقها من اجل الهيمنة على العالم ولكن العالم يشعر بالقلق مجددا بسبب الأرجنتين.

لقد عانت البلاد مؤخرا من هجوم تقليدي على عملتها ففي 24 أبريل كسرت الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية لمدة عشر سنوات حاجز 3% لأول مرة منذ سنة 2014 وفي اليوم نفسه بدأ المستثمرون بالتخلي عن البيزو الأرجنتيني والسعي للحصول على أمان الدولار المرتفع ومن اجل تثبيت عملتها بمعدل منخفض للغايه، اضطرت الأرجنتين إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير لتصل إلى 40% وطلب مساعدة صندوق النقد الدولي.

يحكم الأرجنتين منذ ديسمبر 2015 مصلح صديق لاقتصاد السوق ومقارنة مع المحتالين والديماغوجيين الذين سبقوه في تولي المنصب (قبل وقت ليس ببعيد، تم تصوير أحدهم وهو يخبئ الملايين من المبالغ النقدية خلف مذبح دير محلي)، فإن الرئيس موريسيو ماكري وفريقه من التكنوقراط المدربين بشكل جيد هم أفضل بكثير ونظراً لأن أي من فريق ماكري لم يتولَ أي منصب حكومي بالسابق فلقد استخف المحللون والمستثمرون في البداية بمهاراتهم السياسية، ولكن ماكري قد أظهر حتى الآن أنه يمكن أن يكون إدارياً جيداً وسياسياً محنكاً.
لقد بدأ الموضوع بمؤتمر صحفي سيئ الطالع في ديسمبر الفائت حيث تم فيه الإعلان عن تخفيف هدف التضخم من 8-12% إلى 15%. لقد كان الرقم الجديد بمثابة اعتراف منطقي بأن الهدف السابق لا يمكن تحقيقه بدون تقويض الاقتصاد، ولكن جعل رئيس موظفي ماكري يجلس على الطاولة خلال الإعلان مع كامل الفريق الاقتصادي أثار المخاوف بوجود تدخل سياسي كما لم يساعد تخفيضين متتاليين لأسعار الفائدة في تعزيز المصداقية.

إن السياسة النقدية الأرجنتينية قائمة على استهداف التضخم، وتعويم سعر الصرف ولكن في أواخر مارس قام البنك المركزي، والذي كان يشعر بالقلق من تأثير ضعف العملة على التضخم بالتدخل مجددا وبدا وكأنه يعدل سعر الصرف ليصبح حوالي 20 بيزو للدولار وعلية كان من الطبيعي أن يسأل المستثمرون ما إذا كان ذلك يشكل تغييراً في السياسات.
لقد كان ماكري مدركاً للتاريخ الطويل من المحاولات الفاشلة «لعلاج الاقتصاد بالصدمة» وعليه قرر أن يصلح الفوضى المالية التي ورثها وذلك بشكل تدريجي حيث قام بتخفيض الدعم على الوقود والطاقة وبعض المصروفات غير الضرورية ولكنة قرر كذلك –وهو قرار منطقي- تخفيض ضرائب التصدير من اجل تحفيز النمو وكنتيجة لذلك انخفض العجز المالي ولكنه كان لا يزال حوالي 5،5% من الناتج المحلي الإجمالي واضطرت الحكومة للاقتراض من الخارج بشكل كبير من أجل سد النقص.
يدعي النقاد أن التعديل المالي كان بطيئاً جداً ولكن الأسواق بدت غير مهتمة بحقيقة أنه في البرازيل المجاورة فإن الفجوة في الميزانية الرئيسية هي 8% من الناتج المحلي الإجمالي. نعم، إن العجز بالحساب الجاري في الأرجنتين يتجاوز 5% من الناتج المحلي الإجمالي بينما الموقف الخارجي البرازيلي متوازن تقريباً، ولكن هذا يظهر أن القطاع الخاص في الأرجنتين يستثمر ما يقوم بتوفيره بينما الشركات الخاصة البرازيلية تركز على تخفيض الديون بسرعة مع استثمار محدود للغاية.
أما في الأرجنتين فلقد بدا التعديل المالي التدريجي وكأنه استراتيجية معقولة حتى ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية وسعر الدولار ومع عودة المخاوف المتعلقة بالجدارة الائتمانية للأسواق الناشئة كانت الأرجنتين وتركيا من أوائل الدول التي تعرضت للصدمة.
لكن بينما ارتبكت الحكومة التركية ويستمر الوضع هناك بالتدهور، قامت السلطات الأرجنتنية باتخاذ القرارات الصعبة والإجراءات الحاسمة. إن التوجه لصندوق النقد الدولي له تكلفة سياسية ولكن كان من الضروري عملة فالأرجنتين بحاجة إلى قوة كافية من أجل إقناع المستثمرين بأن الديون سوف تسدد وأن العملة لن تستمر في الانخفاض واليوم فإن الصدمة والرعب هما عنوان اللعبة.
إن الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة المحلية كان ضروريا ليس فقط من اجل تحقيق استقرار العملة ولكن ايضا من اجل جعلها جذابة للمستثمرين لتمديد مبالغ كبيرة من سندات البيزو والتي كانت مستحقة في اوائل مايو علما ان التمديد نجح واستقر البيزو عند معدل 25 بيزو للدولار والآن ما الذي سيحصل؟
إن عمليات التداول المحمول اليوم جذابة للغاية وخاصة للأوراق المالية التي يكون تاريخ استحقاقها طويل المدى وذلك نظراً لأن نقطة التعادل تحصل عند وجود أقل سعر للصرف لعقود من الزمن. لو تبين أن البيزو الأرجنتيني هو أقوى من ذلك بالحقيقة كما هو محتمل فإن المستثمرين قد يربحون أموالا كثيرة وعليه فإن من الذكاء اليوم المراهنة على البيزو وليس ضده.
لكن معدلات الفائدة بسعر 40% لا يمكن استدامتها لفترة طويلة بدون الإضرار بالمصداقية وعليه يجب إقناع الأسواق بأن التخفيض التدريجي في الأسعار هو معقول ومستدام ومن أجل تجنب كرة الثلج غير المستدامة تلك فإن من المرجح أن يقوم البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة تدريجيا بعد إعلان تفاصيل حزمة صندوق النقد الدولي. إن من الأخبار الجيدة أن مخاطر التمديد المتعلقة بالسندات المحلية هي ليست مرتفعة كما تصور بعض الصحف وذلك لأن حصة الأسد هي للبنوك المحلية ومؤسسات القطاع العام التي تمتلك احتياجات سيولة كبيرة ومستقرة.
يتوجب على صندوق النقد الدولي بدوره أن يعمل بسرعة ولكن يتوجب عليه أن يفهم أن أي تعديل مفاجئ حاد يمكن أن يتسبب بردة فعل سياسية قد تعرض للخطر مصداقية الحزمة بكاملها. إن المعارضة البيرونية والتي تعتبر ضعيفة ومقسمة لغاية الآن تأمل بالعودة من خلال إشعال شرارة الاحتجاجات ضد خفض الميزانية والتعديلات الإضافية المتعلقة بأسعار الطاقة. إن الصندوق نظرا لكونه مؤسسة دولية فوق السياسات المحلية يجب أن يكون حذراً حتى لا يعطي أي من الأطراف المتنافسة الحجة التي يحتاجها قبل الانتخابات الرئاسية سنة 2019.
إن هذا لا يعني اعطاء السلطات الارجنتنية شيكاً على بياض فبالإضافة إلى بعض التشديد المالي الإضافي، يجب على الصندوق ان يركز على قيام السلطات بتوضيح قواعد نظام الصرف الأجنبي بينما تتلاشى حالة الطوارئ. إن التدخل بين الحين والآخر عندما ينحرف سعر الصرف بشكل حاد هي أمور معتادة عند استهداف التضخم وأسعار التعويم ومن الواجب على البنك المركزي التحقق من أن المشاركين في السوق يفهمون ذلك.
إن نجاح مقاربة اصلاحية ليبرالية تنطوي على أهمية تتجاوز حدود البلاد. إن الشعبويين من اليمين واليسار والبعض بتوجهات سلطوية يتصدرون استطلاعات الرأي في المكسيك والبرازيل قبل الانتخابات الرئاسية في البلدين في وقت لاحق من هذا العام ومع وجود الشعبويين في السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية واوروبا واسيا فإن عودتهم في أكبر بلدين من حيث التعداد السكاني في أمريكا اللاتينية ستكون له أبعاد عالمية.إن بإمكان الأرجنتين بتطبيقها للسياسات الصحيحة وبدعم قوي من المجتمع الدولي أن تظهر أن هناك طريقة أخرى ممكنة.

وزير المالية ومرشح سابق للرئاسة في تشيلي