إعصار الثورة الصناعية الرابعة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/يونيو/٢٠١٨ ٠٢:٠٢ ص
إعصار الثورة الصناعية الرابعة

بقلم سمعان كرم

من سمات الثورات أنها تقوم للتحول من واقع إلى واقع آخر بطريقة فجائية وليس عن طريق التغيّر البطيء والتطوير المتدرج، ترافقها عادة آلام وتحديات كبيرة وأيضاً فرصٌ كبيرة. وعلى الجميع التعايش مع الواقع الجديد مرغمين كانوا أم بإرادتهم إلى أن تقوم ثورة تالية إن دعت الحاجة أو وجد السبب. والثورات الصناعية التي نجمت عن اكتشاف النار أو المعادن أو المحرك أو الحاسوب لا تختلف عن غيرها من الثورات من حيث الآلام والتحديات والفرص. وهناك دائماً رابحون وخاسرون. والفرق بين الثورات الصناعية وغيرها هي أنها تتمدد وتنتشر بسرعة لتنال الكون والبشر حيثما كانوا في الوقت الذي تنحصر فيه عادة الثورات المجتمعية في البيئة التي ولدت فيها.

منذ القرن التاسع عشر قامت أربع ثورات صناعية أحدثت تغييرات جذرية في حياة الناس. مثلاً بعد اكتشافه، أخذ المحرك البخاري مكان الحصان في جر العربة ومكان الثيران في فلاحة الأرض وأصبح لكل فردٍ سيارته يتنقل بها بحرية ويذهب حيثما يريد فسمي هذا التحول بالثورة الصناعية الأولى. بعدها أتت المكننة التي ساعدت في عملية الإنتاج الكبير وقامت الصناعات الضخمة لتلبي الطلب من سيارات، وطائرات وسفن وآليات حرب ومعدات وقطارات فسميت بالثورة الصناعية الثانية. إلى أن تم اختراع الحاسوب الذي فاق مخترعه بقدرته على تخزين المعلومات وسرعة القيام بعمليات معقدة قد تستغرق الإنسان سنوات، يقوم الحاسوب بها في ثوانٍ. فكانت الثورة الصناعية الثالثة منذ منتصف القرن المنصرم.

وها نحن الآن على عتبة الثورة الصناعية الرابعة وابتدأنا نعي آلامها وفرصها وأصبح من الصعب تجاهلها. فإما أن نستعد لها ونواكبها ونساهم في إحلالها ونستفيد من فرصها وإما أن تأخذنا غصباً عنا ونكتفي بآلامها. المتخصصون بالرؤى واستشراف المستقبل على ضوء التطورات العلمية والابتكار يتكلمون الآن عن الآلة الذكية التي يمكنها أن تنافس الإنسان في كثير من المهن، إن في دقة التنفيذ أو سرعته، وبالتالي فقدان الكثير من المهن من سائق سيارة أو معدة إلى بنّاء وإلى صاحب متجر أو حتى مركزٍ تجاري كبير. لغة ومفردات وتطبيقات الثورة الصناعية قد حلت في جميع المجتمعات: إنترنت الأشياء (Internet of Things)، بلوك تشين (Block Chain)، المدن الذكية، والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence). وان فقدت تلك المهن هل ستقوم اضطرابات في المجتمع مع ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل؟. لنترك الافتراضات ونتعاطى مع الواقع. الثورة آتية لا محال والإعصار يقترب. فهل نحن مستعدون لاستقباله بأقل ضرر ممكن وأكثر منفعة من الفرص. لقد أثبتنا أننا قادرون أن نتعاطى مع الأعاصير بعد مِكونو لكن ماذا عن الثورة الصناعية الرابعة؟.
في هذه الأجواء من الأنواء والتحولات يأتي البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب. هذا البرنامج سيتوجه إلى ثلاثة آلاف طالب وطالبة من الفئة العمرية بين 15-29 سنة يأتون من جميع محافظات السلطنة لكسب مهارات تتلاءم مع متطلبات ومستجدات الثورة الصناعية الرابعة. وهي طبعاً خطوة ممتازة في الاتجاه الصحيح وتستحق كل الشكر والتقدير. كما أنها تثبت وعي المسؤولين عن أهمية مواكبة الأحداث. لكنها بالرغم من أهميتها تبقى محدودة وغير كافية.
قبل وصول مكونو إلى شواطئ ظفار والوسطى، تضافرت جهود الحكومة والقطاع الخاص بكل طاقاتها للتعامل مع الأنواء المرتقبة: الإعلام، القوات المسلحة، الشرطة، وزارة الصحة، وزارة النقل والاتصالات، الشركات والمؤسسات، المتطوعون والمتطوعات والمجتمع بأكمله. وعلينا أن ندرك أن وصول ثورة الآلة الذكية لا يقل ضخامة عن الأعاصير المدارية المنحصرة في منطقة ما من البلاد، بينما هي تشمل البلاد بأكملها.
من الضروري إذاً أن نضع استراتيجيةً وطنيةً شاملةً تحدد الأهداف وتوزع الأدوار وتؤمن الموارد وتلتزم بالمواعيد وتراقب التنفيذ من خلال معايير محددة، وتحاسب وتساءل وتكون هناك هيئة واحدة مسؤولة عن هذا التحول الحتمي.
أن نرفع كفاءة ثلاثة آلاف من شبابنا أمرٌ طيب لكن ماذا عن الذين لا يزالون على المقاعد المدرسية وهم سيلتقون بتلك النخبة عاجلاً أم آجلاً. من هنا تأتي أهمية نشر الثقافة الرقمية فوراً في جميع المدارس ولن يتم ذلك على ايدي مدرسين ومدرسات اكثرهم أصلاً أميّون رقمياً، وتوسيع شبكة الألياف البصرية والخط العريض (Broad Band)، وتنفيذ مشروع القمر الاصطناعي لتوصيل المعلومة إلى جميع مناطق السلطنة النائية منها والقريبة ووضع برامج خاصة لنخبة من الطلاب والطالبات المتفوقين باللغات والرياضيات والشغوفين بمجال تقنية المعلومات وابتعاثهم إلى أحسن الجامعات في العالم كي يعودوا ويقودوا أخوانهم وأخواتهم وتحريك وزارة الإعلام لنشر الوعي وتشجيع الإنجازات في هذا المجال.
لا ندَعي أن الحل موجودٌ لدينا، لكننا نشعر بالمسألة ونحاول إيجاد الحلول لها. قد تدعو الحاجة إلى قيام مختبرٍ يجمع الأطراف على غرار لجنة الطوارئ التي تعاملت بنجاح مع مِكونو.
الإعصار القادم ليس مدارياً ولا مناخياً، هو إعصار معرفي قد نستفيد منه أو قد يغرقنا