إدارة مخاطر الصين العالمية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٣/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٠٤ ص

أندرو شنج
شياو قنج

يتسم الاقتصاد العالمي والنظام الدولي الآن ليس فقط بالترابط المتبادل العميق، بل وأيضا بمنافسات جيوسياسية متزايدة الحدة. ومن منظور الصين، يزداد الوضع تعقيدا بفِعل نظرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الواضحة للصين كمنافس استراتيجي، وليس بوصفها شريكا استراتيجيا، ناهيك عن التغير الاجتماعي المحلي الضخم والارتباك التكنولوجي السريع. وتتلخص الطريقة الوحيدة لتخفيف المخاطر التي تواجهها الصين في تبني استراتيجية إصلاح صارمة ومستديمة وشاملة.

أحد المخاطر الرئيسية يتعلق بالسياسة المالية. وعلى أقل تقدير، تكمن أربعة «تناقضات» في جذر الأزمات المالية العالمية الفائتة، وثلاثة منها تبتلي الصين اليوم. فأولا، في ظل نظامها المالي الذي تهيمن عليه البنوك، تعاني الصين (إلى جانب أوروبا والعديد من الاقتصادات الناشئة) من عدم تطابق مواعيد الاستحقاق، نظرا للاقتراض القصير الأجل والإقراض الطويل الأجل. مع ذلك، وعلى النقيض من العديد من الاقتصادات الناشئة، لا تتصارع الصين مع مشكلة عدم تطابق العملة، وذلك بفضل احتياطياتها الضخمة من النقد الأجنبي وفوائض الحساب الجاري المستمرة، والتي تجعل منها مقرضا صافيا لبقية العالَم. لكن الصين لم تنجح في تفادي التناقض الثالث، بين الدين والأسهم: فقد تضاعفت نسبة الائتمان إلى الناتج المحلي الإجمالي على مدار العقد الفائت، من نحو 110 % في العام 2008 إلى 220 % في العام 2017، مما يسلط الضوء على افتقار أسواق رأس المال والأسهم الطويلة الأجل في الصين إلى النضج. ولا يملك صناع السياسات ترف تجاهل التناقض الرابع ــ بين أسعار الفائدة الاسمية الشديدة الانخفاض والعائد الأعلى نسبيا على الأسهم المعدل تبعا للمخاطر الذي يعود على المستثمرين ــ والذي ساهم في نمو الاستثمار القائم على المضاربة واتساع فجوة التفاوت في الثروة والدخل.

ترجع هذه المخاطر البنيوية إلى حد كبير إلى تحول الصين من اقتصاد قائم على الزراعة إلى اقتصاد قائم على الصادرات الصناعية. ومع استمرار التكنولوجيا في التقدم، وتزايد القدرة على توظيف الروبوتات، أصبحت الشركات التي كانت تعتمد ذات يوم على العمالة الرخيصة والصادرات الصناعية في احتياج متزايد إلى إنتاج سلع وخدمات أقرب إلى المستهلكين المحليين في أسواق مفتوحة وقادرة على المنافسة عالميا.
في هذا السياق، أصبح الخيار الوحيد المتاح أمام الصين هو التخلي عن نموذج الصادرات الصناعية المنخفضة التكلفة وصعود سلاسل العرض العالمية. ولتحقيق هذه الغاية، أدخلت الحكومة بالفعل استراتيجيات صناعية ــ «صُنِع في الصين 2025» و»إنترنت بلس» ــ لدعم تطور التكنولوجيا، وتبني تطبيقاتها، وتعزيز الإبداع التكنولوجي. لكن الولايات المتحدة اتخذت من هذه السياسات الصناعية دليلا على تدخل الدولة انطلاقا من نزعة تجارية بحتة ومبررا للتعريفات التجارية العقابية وغير ذلك من العقوبات.
وما يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة للصين، أن الاندفاع إلى خلق اقتصاد مفتوح وموجه نحو السوق تسبب في تغذية الفساد والسعي إلى تحصيل الريع. وكما أظهرت التجربة الأوروبية الأخيرة بعد الأزمة، فمن الصعب للغاية من الناحية السياسية تنفيذ الإصلاحات البنيوية عندما تستولي المصالح الخاصة على الجهاز التنظيمي. وهذا هو السبب الذي دفع الرئيس الصيني شي جين بينج إلى الانخراط في حملة شاملة مضادة للفساد ــ والتي يساء تفسيرها غالبا كمحاولة لتشديد قبضته على السلطة ــ منذ توليه منصبه في العام 2012.
غير أن مشاكل الصين تتخطى اختلالات التوازن البنيوية وتمتد إلى نمطين من مخاطر الاقتصاد الكلي الدورية. ينبع الخطر الأول من دورات الأعمال في الاقتصادات المتقدمة القائمة على السوق، حيث ترتفع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم ومعدلات النمو وتهبط معا.
ويعكس النمط الثاني من المخاطر الدورة التي شهدتها الاقتصادات الناقصة النمو التي لا تقوم على السوق، أثناء سعيها إلى الانتقال إلى اقتصاد موجه نحو السوق. في هذه الدورة السريعة الحركة، تزداد أسعار المساكن والأصول الثابتة (فضلا عن قيمة العملة) بوتيرة أسرع من نمو الإنتاجية في القطاع القابل للتداول، وذلك نظرا للقيود المرتبطة بالعرض. فمع تمكن الأسر والمستثمرين من الاقتراض بتكاليف زهيدة للاستثمار في المساكن والأصول الثابتة التي ترتفع قيمتها بسرعة، تتشكل الفقاعات ثم تنفجر، فتنشأ الأزمات. ولكن لأن الاستجابة العَرَضية المعتادة ــ تعميم خسائر البنوك، مع احتفاظ قِلة متميزة بالأرباح والمكافآت التي حصلوا عليها أثناء نمو الفقاعة ــ تنتج مخاطر أخلاقية، فمن المرجح أن تتكرر الدورة.
الواقع أن التخلي عن هياكل الحوافز المشوهة وغير المتوازنة، وضمان تقاسم كل من الدائنين والمدينين المخاطر وإدارتها، من شأنه أن يساعد في كسر هذه الحلقة. وتستطيع الصين أن تنشئ نظاما حيث تُدار حصص الأسهم العريضة ــ التي تحتفظ بها صناديق معاشات التقاعد، أو الضمان الاجتماعي، أو صناديق الثروة السيادية ــ بطريقة احترافية، مما يضمن ليس فقط أن العائد على الأسهم الطويلة الأجل المعدل تبعا للمخاطر أعلى من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل تبعا للتضخم) وأسعار الفائدة الاسمية، ولكن أيضا ضمان تقاسم المكاسب على نطاق واسع بين السكان.
ويعني العائد الحقيقي الإيجابي المشترك على نطاق واسع على الأسهم قدرا أقل من القمع المالي وتوزيعا أكثر عدالة للدخل والثروة. في الوقت نفسه، ومع المشاركة بقدر أكبر من المصلحة، يُصبِح رأس المال الاستثماري أكثر خضوعا للمساءلة أمام المستثمرين والمدخرين.
بالإضافة إلى المخاطر البنيوية والدورية، يتعين على الصين أن تتصدى للمخاطر الاستراتيجية المحتملة إلى حد كبير، والتي هي رغم ذلك موضع تجاهل غالبا، والتي تنشأ عن المنافسة الجيوسياسية المتزايدة الحدة بين الصين وأمريكا. وهنا تشكل الحرب التجارية الناشئة مجرد غيض من فيض. فمن المتوقع أن تنهمك الولايات المتحدة والصين في منافسة طويلة الأجل على التفوق التكنولوجي والاستراتيجي. وللبقاء في الصدارة، سوف يستخدم كل من الطرفين كل شكل من أشكال النفوذ والأدوات المتاحة لهما. وإذا تُرِكَت هذه المنافسة بلا ضابط أو رابط، فسوف تؤدي بكل تأكيد إلى آثار جانبية بعيدة المدى.
يجري تخفيف المخاطر عادة من خلال تجنبها، والتحوط منها، والتأمين ضدها، وتنويع المصادر. لكن الاقتصاد في الصين والولايات المتحدة ضخم ومتشابك إلى الحد الذي لا يسمح له بالفشل، الأمر الذي يجعل التجنب والتحوط أشد خطورة وتكلفة. والتأمين أيضا في حكم المستحيل، نظرا للافتقار إلى الأسواق. وربما ينجح تنويع المصادر، إذا لاحق كل من البلدين مجموعة متنوعة من الخيارات المنخفضة التكلفة، المرتفعة العائد، والتعاونية التي تضمن المكسب للجانبين. ويشمل هذا الإبداع التكنولوجي الذي يعالج المشاكل الاجتماعية ويشجع النمو الشامل؛ والمزيد من انفتاح الأسواق؛ واتخاذ التدابير الصارمة ضد المضاربين الساعين إلى جمع الريع وجماعات المصالح؛ والإصلاحات الضريبية لتحسين توزيع الدخل والثروة.
تشير ملاحقة المفاوضات التجارية بالتزامن مع المحادثات حول برنامج كوريا الشمالية النووي إلى أن الصين والولايات المتحدة تدركان أن التعاون في ظل النظام العالمي المتشابك المترابط اليوم ضروري لإدارة المخاطر العالمية العديدة. ولكن إذا كانت الصين راغبة حقا في بناء اقتصاد حقيقي ونظام مالي يتسمان بالتوازن والقدرة على الصمود ومقاومة الهشاشة والهزات، فسوف يكون لزاما عليها أن تواصل تطوير مجموعة شاملة من آليات تقاسم المخاطر. وهي المهمة التي لم يعد من الممكن تجاهلها أو تأجيلها.

أندرو شنج: زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج

شياو قنج: رئيس مؤسسة هونج كونج للتمويل الدولي