د.إبراهيم بن حمود الصبحي: الشراكة الإستراتيجية بين السلطنة والصين تطور صحيح لعلاقات البلدين

بلادنا الأحد ٠٣/يونيو/٢٠١٨ ٠٠:٣٣ ص
د.إبراهيم بن حمود الصبحي:

الشراكة الإستراتيجية بين السلطنة والصين تطور صحيح لعلاقات البلدين

مسقط - العمانية

أكد د.إبراهيم بن حمود الصبحي أن إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين السلطنة وجمهورية الصين الشعبية تمثل التطور الصحيح الذي حصل في علاقات البلدين على مدى أربعين عاماً في ظل علاقات تاريخية ورغبة كبيرة لدى الدولتين لتطوير هذه العلاقات، وأن هذا الأمر لا يحدث إلا إذا كانت له ركائز وأسباب تساعد على الوصول به إلى هذا المستوى من التعاون.

وبيّن الصبحي الذي كان أول سفير للسلطنة لدى الصين عند إقامة العلاقات الدبلوماسية العام 1978 أنه إضافة إلى ذلك فإن الموقع الاستراتيجي للسلطنة هو الذي شجع الصين على تطوير العلاقة من علاقة طبيعية إلى استراتيجية ذات ديمومة أكثر ومبنية على أسس، حيث لم تقف تلك العلاقات عند حد معين ولكن تطورت حتى وصلنا إلى هذه المرحلة المهمة من الشراكة، ونطمح إلى أن تتعزز تلك العلاقات ليس فقط في الجانب الاقتصادي وإنما في الجوانب الأخرى الثقافية والسياحية وغيرها، كما انه يمكن للاستثمارات الصينية الحالية أن تتضاعف إذا وجد الصينيون ليس تشجيعا فقط وإنما تسهيلات من السلطات المختصة في السلطنة حيث تبحث الصين عن الانتشار في أسواق عبر بحار مفتوحة يسهل الوصول إليها.

وكانت السلطنة وجمهورية الصين الشعبية قد أصدرتا يوم 25 مايو الفائت بيانا مشتركا بشأن إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية وضحتا خلاله اتفاقهما على أنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في 25 مايو 1978م، تعززت الثقة السياسية المتبادلة باستمرار وترسخت الصداقة التاريخية باطراد وأحرز التعاون في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والترابط والتواصل الشعبي، إنجازات مثمرة يستشرف آفاقا رحبة. وقال الصبحي في حديث لوكالة الأنباء العُمانية: «إن الركائز التاريخية والجغرافية والقيادتين المتحمستين لإقامة العلاقات وتطويرها كلها ساعدت على أن نقيم علاقات متوازنة مع الصين التي لا تتعجل في علاقاتها الخارجية بل تتريث وتدرس وبعد هذه الدراسة وصلت إلى هذه القناعة أنها تستطيع إقامة علاقة شراكة استراتيجية مع السلطنة ووجدت أن السلطنة قدمت لها ما يجعلها تقدم على هذه الخطوة».
وحول مسيرة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين قال د.إبراهيم بن حمود الصبحي: «إن إقامة علاقات دبلوماسية بين جمهورية الصين وسلطنة عمان في حد ذاته تطور تاريخي حيث إن الصين قبل ذلك التاريخ كان لها موقف معروف من السلطنة، وتغير هذا الموقف 180 درجة لتصبح هناك علاقات دبلوماسية وتكون هناك سفارات وسفراء متبادلين بين البلدين ونقلة تاريخية سياسية دبلوماسية». وأكد أن إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين «تعتبر بادرة جيدة ومناسبة يجب أن يتحدث عنها التاريخ وهي خطوة جريئة ودبلوماسية عالية المستوى أن يتفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أبقاه الله- ويأمر بفتح السفارة في العاصمة الصينية كأول سفارة رسمية للسلطنة في هذا البلد وسبقتها سفارة البحارة العمانيين الذين وصلوا إلى موانئ الصين وبعضهم عاش فيها وبعضهم أسس تواجدا سياسيا واقتصاديا ببقائهم هناك لفترة طويلة». وأوضح أن «العلاقات بين البلدين أعلن عنها في 25 مايو 1978 وبعد حوالي شهر تقريبا تم تشكيل أول وفد عماني رسمي يزور جمهورية الصين الشعبية برئاسة المغفور له بإذن الله تعالى معالي قيس بن عبدالمنعم الزواوي وكان لي شرف مرافقة هذا الوفد الرفيع المستوى بصفتي نائب رئيس المراسم بوزارة الخارجية وضم الوفد الرفيع المستوى عددا من المسؤولين في زيارة رسمية استمرت عشرة أيام زار خلالها الوفد عددا من المدن الصينية والمناطق الرئيسية وبعض الموانئ وخصوصا ميناء جواندونج (كانتون) الذي احتفل لاحقا بعد أقل من سنة من وجودي باستقبال السفينة صحار التي كانت أول سفينة تصل في عهد مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أبقاه الله- بصفة رسمية وتفويض المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو السيد فيصل بن علي آل سعيد وزير التراث القومي والثقافة آنذاك لترؤس وفد السلطنة في حفل استقبال السفينة وكان استقبالا حافلا». وقال الصبحي: إن المرسوم السلطاني السامي بتعييني سفيرا للسلطنة لدى جمهورية الصين الشعبية صدر في ديسمبر 1978 وبعد شهر تقريبا سافرت إلى الصين وكان الاستقبال جيدا وحارا من الحكومة الصينية في المطار ينبغي الإشادة به، وأقمت في فندق بكين وهو احد الفنادق الكبيرة ورافقني دبلوماسيان اثنان وحجزنا به مكانا للسفير ومكاتب لبعض الأعمال الدبلوماسية وبدأنا عملنا هناك، وفي فبراير من عام 1979 قدمت أوراق اعتمادي سفيرا لسلطنة عمان وكممثل لجلالة السلطان المعظم لدى جمهورية الصين الشعبية». وأضاف «قدمت نسخة من أوراق اعتمادي لوزير الخارجية وقيل لي في وزارة الخارجية انه نادرا ما يتسلم وزير الخارجية نسخة من أوراق اعتماد السفراء حيث انه دائما يتسلمها نائب وزير الخارجية ولكن فيما يتعلق بالسلطنة كانت ظاهرة دبلوماسية تكريما لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم أعزه الله ولعمان وشعبها، وأحسست من خلالها أن هناك دفئا في العلاقات بين البلدين واندفاعا طبيعيا لتطوير وتقوية العلاقات». وأشار إلى أنه بدأ اتصالاته بالوزراء المعنيين في الحكومة الصينية ومن بينهم وزير التجارة الخارجية ووزير النفط وبعض الجامعات لاستضافة بعض الأساتذة، وهذا ما دفع أحد الأساتذة الصينيين بإلقاء محاضرة في السلطنة عام 1980.

قال د.إبراهيم بن حمود الصبحي: «في بداية عملنا في الصين واجهتنا صعوبات كثيرة تمثلت في العثور على مبان يمكن أن نستأجرها فلا توجد مبان يمكن استئجارها وكان كل شيء ملكا للدولة وكل ما تحتاجه كسفارة يجب أن توفره لك وزارة الخارجية فهناك دائرة خاصة للعلاقات مع الدبلوماسيين، كما واجهتنا مشكلة شراء السيارات من الصين فاستوردت سيارتين يابانية وأمريكية من اليابان». وأضاف أنه «بعد حوالي سنة تم الاتصال بي من قبل وزارة الخارجية وطلبوا مني الحضور إلى الوزارة وعندما حضرت تم إبلاغي بالحصول على مقر مخصص لسفارة سلطنة عمان وهو عبارة عن مبنيين للسفارة ومنزل السفير وكان علينا ان نقوم بتأثيثهما حيث سافرت إلى هونج كونج عدة مرات حتى استطعت خلال ستة اشهر تأثيث المبنيين وكان لي الشرف برفع علم السلطنة لأول مرة في بكين وبذلك نكون قد بدأنا مسيرتنا الطبيعية وبدأنا زيارة سفراء الدول الأخرى والبحث في إقامة علاقات مع الدول التي لا تربطنا بها علاقات وتطوير العلاقات مع الصين». وثمّن الصبحي عاليا معاملة العاملين في وزارة الخارجية الصينية لسفارة السلطنة في بكين قائلا: « وهو ما ساعدنا أن نصل بالعلاقات الدبلوماسية خلال 40 سنة إلى المستوى الحالي من التطور والتعاون وهي فترة قصيرة في العلاقات بين الدول حيث كان لدى الصينيين تقييم آخر للسلطنة يختلف عن تقييم الدول الأخرى مرتكزا على الموقع الاستراتيجي الذي تحتله السلطنة والأمن والاستقرار فيها والعلاقات التاريخية والتراثية والآثار العمانية في الصين»، مشيرا إلى أن «هناك بعض الشواهد التي تدل على تلك العلاقات ومن بينها وجود اللبان في احد المتاحف في مدينة كانتون، هذه العلاقة ترسخت منذ زمن البحارة العمانيين الذين وصلوا إلى الصين، ومن البحارة الصينيين الذين قاموا في القرن السادس عشر بسبع رحلات إلى الموانئ العمانية، زاروا خلالها عددا من الموانئ من بينها صحار ومسقط وظفار ووجدت في بعض الكتب الصينية والوثائق القديمة يذكرون ظفار وصحار التي سميت بوابة الشرق». وحول فترة عمله سفيرا للسلطنة في الصين قال الصبحي «قمت بالاتصال مع عدد من كبار المسؤولين الصينيين والقيادات السياسية وطلبت في أحد الأيام مقابلة الزعيم دينج شياو بينج وكان رجلا يمتلك عقلا منفتحا اكثر على العالم الخارجي وقيل لي إنه قليلا ما يستقبل أحداً لكبر سنه ورغم ذلك تم تحديد موعد لي لمدة 15 دقيقة فقط كجلسة بروتوكولية لا أكثر ولا أقل لكن تلك الجلسة استمرت لأكثر من نصف ساعة وخلالها حمّلني الزعيم الصيني تحياته لحضرة صاحب الجلالة وأشاد بسياسة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أبقاه الله- الحكيمة، وذكر لي أن العلاقات التي تربط بين البلدين عمرها أكثر من ألف سنة». وأكد الصبحي أن المتتبع للعلاقات العمانية الصينية «يذكر اليوم كيف وصل البلدان إلى هذه المرحلة من العلاقات التي تطورت خلال السنوات الفائتة وعززتها اللقاءات المشتركة بين كبار المسؤولين حيث زار السلطنة نائب الرئيس الصيني وهذا يحدث قليلا في العلاقات الصينية مع الدول الأخرى وزيارة صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء للصين والزيارات المتبادلة بين أصحاب المعالي الوزراء والوفود الرسمية «. وقال في ختام حديثه: «إن الصين بلد اقتصادي ويركز على هذا الجانب أكثر من الجوانب الأخرى ولذلك فإن إقامة المدينة الصينية في الدقم يعتبر نقلة كبيرة حيث انه من خلال تتبعي لعلاقات الصين مع الدول الأخرى فان لديها علاقات ممتازة جدا مع دول إفريقيا وتعاونوا معهم ليس في المجال الاقتصادي فقط وإنما في المجال الثقافي أيضا ومع مصر كذلك، ولأن السلطنة تقــــــــع في منتصف الطريق الملاحي بين الشـــــرق والـــــغرب فإن هذا الموقع الطبيـــــعي يـــــساعد الصين ودولا أخرى على تعـــــزيز علاقاتها مع تلك الدول».

المدينة الصينية في الدقم نقلة كبيرة على مستوى العلاقات