الجبل الأخضر - أسد بن حارث الزكواني
لكل قرية طقوس تتميّز عن غيرها من القرى الأخرى خلال شهر رمضان وتتجلى هذه الطقوس في العادات والتقاليد التي يمارسها المجتمع أو في الممارسات التي تقوم بها الأسر بشكل منفرد سواء داخل المنزل أو خارجه وتشمل وجبات الطعام والزيارات وغيرها من الأمور.
قرية القشع في نيابة الجبل الأخضر تحتفل بشهر رمضان كل عام من خلال تجمع الأهالي من مختلف محافظات السلطنة وتحت عنوان "رمضاننا مميز" للسنة الـ12 على التوالي، وتتميّز القرية بجمال تراثها العمراني وجمال طبيعتها الخلابة، وتتسم احتفالاتها بترسيخ طابع التعارف والمحاضرات الدينية والمسابقات الثقافية وحلقات القرآن الكريم وتعلّم أصول اللغة العربية.
إن شهر رمضان هو شهر المغفرة والرحمة، وهو الشهر الذي ينتظره المسلمون لأنه يحمل لهم الأجر والثواب، وهو شهر الصوم حيث يمتنع المسلم عن الطعام والشراب من وقت الفجر إلى وقت غروب الشمس. مع "الشبيبة" لهذا العام حكاية أخرى حول رمضان في الماضي يسطرها لنا العم صبيح بن السبع الزكواني ويحدّثنا فيها عن كل تفاصيل الشهر الفضيل في الماضي.
الاستعداد في شهر شعبان
شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري يأتي بعد شهر شعبان، ويعتبر هذا الشهر مميّزا عند المسلمين عن باقي شهور السنة الهجرية، كما أن لشهر رمضان مكانة خاصة في تراث وتاريخ المسلمين، وعن الاستعداد له يحدّثنا في البداية العم صبيح بن السبع الزكواني، يقول: "نستعد لشهر رمضان المبارك بعقد النية الخالصة والصادقة لوجه الله تعالى، بعيدا عن النفاق والرياء، والتفكير بما يجب العمل به من مساعدة الفقراء والصلاة وقيام الليل والصدقة والالتزام بذلك البرنامج طوال الشهر. كنا في السابق نشد رحالنا في شهر شعبان على ظهور الحمير نزولا من الجبل الأخضر إلى ولاية نزوى أو إزكي والبعض يتوجه إلى وادي بني خروص؛ لشراء الحاجات والمتطلبات من مأكل ومشرب من القمح والبر واللبن والتمر وهي من الأشياء الأساسية في رمضان، بالإضافة إلى شراء حاجة العيد من الملابس وغيرها، وعدم تركها لشهر رمضان وذلك لمنع تضييع ساعات الشهر العظيم في الأمور الدنيوية، إلى جانب التفكير والمبادرة في صلة الرحم أثناء شهر رمضان المبارك، وتقوية العلاقات الاجتماعية".
ويضيف العم صبيح: "تستعد الأسرة لاستقبال رمضان، وذلك بمراجعة أعمالهم اليومية وتصفية العادات السيئة وتبديلها بأخرى جيّدة طمعا في الثواب المضاعف في الشهر المبارك، والحث على الإكثار من صلة الرحم وتقوية العلاقات الأسرية وتصفية القلوب المليئة بالضغينة قبل هذا الشهر حتى يتم حل جميع الخلافات والمشاكل الأسرية وبدء الشهر الفضيل بقلوب نظيفة صافية، وتشجيع الأبناء على الالتزام بالعادات، كالمداومة على الصلاة وتوضيح أهمية الزكاة والصدقة وقيام الليل، وتشجيعهم على صيام بعض الأيام من شهر شعبان".
معرفة هلال شهر رمضان
خبر رؤية هلال شهر رمضان المبارك في هذه الأيام بات ينتشر خلال دقائق معدودة بفضل التكنولوجيا، وأما قديما فكان الناس يستخدمون وسائل تقليدية لإعلام الناس بدخول الشهر الفضيل، وحول كيفية معرفة هلال شهر رمضان المبارك في الماضي يقول العم صبيح بن السبع الزكواني: "في آخر يوم من شهر شعبان يجتمع أهالي القرية ويرشحون ثلاثة رجال منهم، ذوي كفاءة في البصر والرؤية البعيدة، وقبل غروب الشمس بساعتين يتجهز الرجال الثلاثة مصطحبين معهم التمر والماء والقهوة وبعض الزاد، حاملين بنادقهم على أكتافهم متوجهين إلى أعلى قمة جبل حول القرية ويُسمّى بـ"رأس الفول" منتظرين غروب الشمس موقدين النار لتعطيهم الضوء الكافي وتغمرهم مشاعر الفرحة والسرور وهم على شوق لرؤية هلال شهر رمضان، فإن رآه أحد من الرجال الثلاثة يخبر الاثنين إذ لا تصدق الرؤية إلا من ثلاثة رجال، وإن ثبتت رؤية هلال شهر رمضان المبارك يتم إطلاق الأعيار النارية من فوهات "البنادق" فرحا واستبشارا بدخول شهر رمضان وإسماع أهالي القرى البعيدة في الجبل لإخبارهم بدخول الشهر الفضيل. بعدها يقوم الأهالي بأداء صلاة التراويح جماعة في المسجد، وبعد الصلاة يهنئون بعضهم البعض بقدوم شهر الرحمة والمغفرة وصلة الأرحام والتزاور فيما بينهم".
العادات والتقاليد في رمضان
يوجد فرق بين عادات الناس خلال شهر رمضان في السابق والوقت الحالي؛ ففي السابق كانت الزيارات بين الأهالي أكثر وكان الحرص أكبر على تلاوة القرآن الكريم عن طريق حلقات الذكر بالمساجد، أما في العصر الحالي فقد قلّ عدد الزيارات بين الناس وأصبح كل إنسان منغلقا على نفسه، بل إن بعض الأهالي أصبحوا مشغولين بالتلفزيون وأجهزة الهاتف النقال وغيرها من أمور الحياة. ولكن لأهالي قرية القشع عادات وتقاليد باقية ليومنا يحدّثنا عنها العم صبيح الزكواني فيقول: "إن شهر رمضان هو شهر الخير والإيمان والمحبة، وهو شهر تتآلف فيه القلوب الطيبة وتكثر فيه أعمال الخير والبر في مجتمعنا الطيب والمتسامح، وهي فرصة في هذا الشهر الفضيل لكسب الحسنات ومضاعفة الأجر. ومن أهم العادات التي بقيت ليومنا هذا "صلة الجار" إذ يجتمع أهالي القرية بعد صلاة المغرب ويذهبون إلى زيارة كبار السن الذين لا يستطيعون الخروج إلى المسجد والاطمئنان على صحتهم وتسود المحبة الجلسة ويتم سرد قصص الماضي وتبادل الفكاهة".
ويضيف: "أيضا من أهم الأمور التي أحب توضيحها بأنه وقبل صلاة المغرب بحوالي نصف ساعة يقوم الأصغر عمرا في البيت بحمل طبق من مأكولات الفطور ويذهب به إلى الجيران، وتستمر هذه العادة طوال شهر رمضان المبارك مما يقوي الألفة والمحبة والإخاء بين أهالي القرية ويجعلهم كأسرة واحدة".
وأضاف الزكواني: "أيضا من العادات والتقاليد التي بقيت لأهل القرية أنه يتم تخصيص يوم معيّن في رمضان لإقامة إفطار جماعي تتم فيه دعوة أهالي القرية الذين أشغلتهم ظروف العيش وذهبوا إلى مختلف محافظات السلطنة من قبيلة الزكواني مثل مسقط ونخل وسمد الشأن وإزكي ونزوى وغيرها من المناطق، ليكون رمضان فرصة للالتقاء والألفة مع بعضهم البعض مما يزيد الترابط والتلاحم بينهم".
وعن المأكولات التي ما زالت حاضرة يقول العم صبيح: "في الماضي كان الفطور يقوم على التمر واللبن والقهوة، أما اليوم فتمت إضافة بعض أنواع فواكه الجبل له مثل الخوخ والمشمش، ومن المأكولات الأخرى من المعجنات وغيرها، والأكلات الدسمة كالهريس والثريد وهي ما زالت تعد في كل بيت في شهر رمضان المبارك من الماضي وحتى اليوم".
نصيحة شهر الصوم
للعم صبيح الزكواني نصيحة يوجهها للشباب، يقول: "كان الناس في السابق يستقبلون شهر رمضان الفضيل بالعبادات ويفرحون به وبقدومه وكأنه هو العيد حلّ بين أظهرهم بل هو أعظم من العيد، ويعتبرونه فرصة تجارية مع الله سبحانه وتعالى فيستغلونه في ذكر الله والتقرّب منه. ومن هنا أنصح الأجيال بأن يتمسكوا بالعادات والتقاليد الفضيلة والتي تأسس عليها آباؤنا وأجدادنا وأن تكون راسخة بالإيمان والعمل الدائم".
الألفة الاجتماعية
شهر رمضان المبارك هو سيد الشهور، وقد أنزل الله فيه كتابه العزيز وفيه ليلة خير من ألف شهر. وعنه يقول إسحاق بن يوسف الزكواني: "الله سبحانه وتعالى ما شرع الصيام إلا لفوائده العديدة، ومن هذه الفوائد مراقبة الله في السر والعلن، والإحساس بالفقراء والمساكين والتقوى والألفة بين الناس، والإكثار من الصلوات والتصدق على المحتاجين وغيرها من الفوائد".
ويضيف: "إن الألفة الاجتماعية التي يتميّز بها أهالي القرية ليست بالغريبة عنهم فهي متوارثة من الآباء والأجداد، وسنسعى دائما إلى ترسيخها للأبناء في الحاضر والمستقبل".