الشرق الأوسط تحت العين الأمريكية

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٢/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٥٣ م
الشرق الأوسط تحت العين الأمريكية

ديفيد إجناتيوس

عندما طُلب منه أن يصف الشكل الحالي للشرق الأوسط، استخدم أحد المسؤولين الإسرائيليين تعبيرا باللغة العبرية ترجمته الحرفية هي: "إنه يسير في كلا الاتجاهين في وقت واحد".
مازالت شظايا فسيفساء الشرق الأوسط بنفس الحدة والخطورة كما كانت من قبل، ولكن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والعرب يقولون إنه قد تم إعادة ترتيب هذه الشظايا في الأشهر القليلة الفائتة – وربما تتوائم الآن مع بعضها البعض بطرق مختلفة ومثيرة للدهشة غالبا. هناك فرص عدد قليل فقط من الخبراء هم الذين كان يمكن أن يتوقعوها ومخاطر جديدة أيضا.
هناك فرص قليلة عدد قليل من المراقبين هم الذين كان يمكن أن يتوقعوها، ومخاطر جديدة أيضا. والرئيس أوباما غالبا ما ينظر إليه على أنه بطة عرجاء يمشي بعرجته بعيدا عن مسرح الشرق الأوسط في أشهره العشرة الأخيرة في المنصب. ولكن الوتيرة يحتمل أن يضبطها بشكل أكبر وزير الخارجية جون كيري، وهو الرجل الذي مازال ينبغي عليه أن يثبت شيئا ما كدبلوماسي.
وأيا كان ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة، فإن عام 2016 سيشكل خيارات الرئيس المقبل. وقد فعل الرئيس أوباما، الذي كان يأمل أن يغير التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، فعل جزئيا ذلك – تشجيع الآخرين على القيام بدور عسكري أكبر، سواء للأفضل أو للأسوأ، ولكن في نفس الوقت الحفاظ على الدبلوماسية الأمريكية.
فما هي أجزاء اللغز الجديد؟ أولا، هناك سوريا، التي يمكن القول إنها أكبر فشل لأوباما في السياسة الخارجية. وعلى الرغم من جوقة الرافضين، فقد نجح كيري في التزلف إلى مختلف الخصوم في سوريا – روسيا وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن ونظام بشار الأسد والمعارضة السورية المنقسمة – داخل نفس الخيمة للعمل على تفاصيل وقف إطلاق النار.
إن العملية الدبلوماسية هشة وتعتمد على حسن نية الروس وآخرين ممن لم يظهروا سوى مصالح ذاتية مجردة في الماضي. ولكن ليس الأمر لا شيء. فبحسب تقديرات وزارة الخارجية، وصلت قوافل الإغاثة إلى 225,000 سوري يائس في الأسابيع القليلة الفائتة؛ والمستهدف هو تقديم المساعدات إلى 1.7 مليونا بحلول نهاية شهر مارس.
إن عملية وقف إطلاق النار تدعو إلى الانتهاكات، ذلك لأن العديد من الجماعات المتمردة التي يبلغ تعدادها اكثر من مئة جماعة التي وافقت على الهدنة تتمركز جنبا إلى جنب مع المقاتلين المستبعدين من تنظيم داعش وجبهة النصرة. ويصف مسؤولو وزارة الخارجية هذا الموقع المشترك للجماعات بأنه "متشابك" ويتوقعون أن يستغرق الأمر أسابيع للمقاتلين لتقرير إلى أي جانب من الخط سينحازون. وهذا الفرز لن يكون مجديا إلا إن كانت هناك بعض المؤشرات على التقدم نحو انتقال سياسي في نهاية المطاف بعيدا عن الأسد.
ثم هناك إيران، وهي الجزء الثاني من اللغز، وهي تبدو مختلفة عما يمكن أن يكون قد تصوره معظم الناس منذ سنوات قليلة مضت. لقد أثبت رهان أوباما أنه يمكن الضغط على إيران لقبول اتفاق نووي معقول من خلال ائتلاف عقوبات دولي، أثبت هذا الرهان صحته. بل أكثر من ذلك أن أمله في أن انفتاح إيران من شأنه أن يقوّي القوى البراجماتية هناك يبدو أيضا قد آتى أُكله في انتخابات إيران الأخيرة.
يقول مسؤولو وزارة الخارجية إنه من المستحيل الآن حساب كيف سيكون التوازن السياسي على وجه الدقة في البرلمان الجديد أو مجلس الخبراء الذي سيختار قائد إيران المقبل. ولكنه من الواضح أن المتشددين تم إضعافهم، وأن موقف الرئيس حسن روحاني أقوى. لقد كان هذا هو أكبر مقامرة استراتيجية للرئيس أوباما؛ ويبدو أنها تؤتي ثمارها.
والمملكة العربية السعودية تتغير أيضا. فمن كان يمكن أن يتوقع منذ سنوات قليلة مضت أن الشخصية الحاسمة في هذا البلد الملكي شديد المحافظة ستكون شخصية شاب يبلغ من العمر ثلاثين عاما هدفه على ما يبدو هو أن يكون النسخة السعودية من الإمارات العربية المتحدة التحديثية المتسامحة نسبيا؟ ولكن هذا هو ما يحدث في ظل وجود نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
لقد تميز هذا الأمير السعودي في بعض الأحيان بالجرأة أكثر من الحكمة، كما هو الحال في حربه في اليمن وقراره بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وجهوده الجديدة الرامية إلى زعزعة استقرار لبنان التي يسيطر عليها حزب الله. ولكن دوره كأحد عوامل التغيير هو دور واضح. إنه "يريد إحداث انتقال في المملكة العربية السعودية سريعا،" كما قال وزير الإعلام السعودي عادل الطريفي، الذي هو نفسه يبلغ من العمر 36 عاما، في زيارة له لواشنطن مؤخرا.
أما عن الجزء الأخير من لغز الشرق الأوسط والذي يبدو أكثر صعوبة وتعقيدا الآن فهو تركيا، التي كانت منذ عقد واحد فقط هي ألمع بقعة في المنطقة. لقد حطمت استعراضات القوة التي يقوم بها الرئيس رجب طيب أردوغان المصالحة مع الأكراد التي كانت واعدة في يوم من الأيام وقوضت الديمقراطية التركية. وقد نجحت تركيا في ذات الوقت في العمل على تدهور علاقاتها مع روسيا وإسرائيل وإيران والولايات المتحدة. ويخشى المراقبون المخضرمون للشأن التركي من تزايد الاضطرابات الداخلية هناك.
وفي الوقت الذي تراجعت فيه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال فترة رئاسة أوباما، تقدمت كل من روسيا وإيران وداعش والمملكة العربية السعودية إلى الأمام هناك. وهذا قد جلب العديد من الأخطار الجديدة. ولكن على الرغم من تلاشي هيمنة الجيش الأمريكي، فمازال الدور الدبلوماسي للولايات المتحدة حاسما – كما تظهر محادثات سوريا وإيران.
إن جمع هذه الأجزاء المتغايرة من اللغز معا يجلب العديد من الأخطار، ولكنه في نفس الوقت يوفر فرصا جيدة. وواضح أنه حتى مع تقلّص دور الولايات المتحدة فإنها تظل قوة استقرار لا غنى عنها للمنطقة، شئنا أم أبينا.

كاتب عمود في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست