جيثو أبراهام
تخوض هذه المؤرخة الكويتية رحلة في تاريخ بلادها لتعلم المزيد عن حاضرها.
فمن الصعب تحديد الجزء الأكثر جاذبية في الحوار مع فرح النقيب، الأستاذة المساعدة في التاريخ والمديرة السابقة لمركز دراسات الخليج بالجامعة الأمريكية في الكويت: هل هو عقلها الواقعي البارع وهي تبحر في تاريخ كامل لبلد -بما في ذلك التواريخ والأسماء وكل المعلومات- خلال فترة قصيرة من الحوار، أم إيمانها الراسخ بأنه لا ينبغي تجاهل أحد -سواء كان مواطناً أو مقيماً- في الروايات والأمجاد التاريخية لبلد ما أو مستقبله.
يُعد كتاب فرح «تحول الكويت» بمثابة شهادة اعتراف بهاتين السمتين المثيرتين للإعجاب اللتين تتميز بهما، وبالسنوات العشر التي قضتها في البحث الشامل عن التاريخ الاجتماعي الحضري لبلدها. ولهؤلاء المهتمين بالتاريخ في المنطقة، يُعد الكتاب أيضاً مصدر ارتياح مرحب به من معظم الروايات التاريخية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تقع الكثير منها في فئة «التحول من الفقر إلى الثراء» عند تحليل تأثير اكتشاف النفط عليها.
وكُتب الكتاب، الذي نُشر العام 2016 بواسطة دار نشر جامعة ستانفورد الأمريكية لكنه ما زال ينتظر التصريح بتوزيعه في الكويت، بأسلوب مختلف قليلاً –إذ يستكشف تاريخ الكويت بدايةً من القرن الثامن عشر الميلادي وحياتها الاجتماعية المنفتحة قبل اكتشاف النفط، مروراً بعصر التخطيط العمراني بعد ظهور النفط، ونهايةً بالمدينة الممتلئة بناطحات السحاب والمجتمع النفطي الثري الذي يوجد في وقتنا الحالي.
أسئلة تحتاج إلى إجابات
سافرت فرح، التي وُلدت وترعرت في الكويت، العام 1997 للدراسة والحصول على درجة البكالوريوس في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، حيث خضعت لدورات تدريبية في تاريخ الشرق الأوسط، لتلاحظ بعد ذلك أنه لم يكن هناك أي شيء يُذكر عن الخليج.
وأوضحت فرح قائلةً: «كانت الدول الخليجية نادراً ما تُذكر حتى عندما درسنا تاريخ المنطقة وكان يتم تهميشها كلما تم التطرق إلى دراسات الشرق الأوسط. قمت بأطروحتي الجامعية وأطروحتي للتخرج في مادة التاريخ؛ وهو ما منحني الفرصة للقيام بعمل ميداني وإجراء الأبحاث في الكويت».
وفي محاولة لمعرفة المزيد عن بلدها، أجرت فرح بحثها للحصول على درجة الدكتوراه تحت إشراف المؤرخة الإيطالية نيليدا فوكارو الأستاذة في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، حيث حاولت فهم التغيرات الاجتماعية الحضرية في الكويت بمرور الوقت.
وتابعت فرح حديثها قائلةً: «لا يمكنني أبداً أن أفصل كوني مواطنة كويتية وجزءاً من هذا المجتمع عن ما أكتبه عنه؛ لأن الأمرين مرتبطان بشكل وثيق دائماً. كان الكثير مما بدأت البحث والكتابة عنه عندما كنت طالبة جامعية نابعاً من مشاعري وغرائزي الخاصة، ومن الأشياء التي كنت أراقبها من حولي كمواطنة كويتية».
وتشير فرح إلى أن أول تحول اجتماعي رئيسي في الكويت حدث مع ظهور النفط، ثم حدث تحول ثانٍ في تسعينيات القرن الفائت بعد الغزو العراقي، إذ أصبح المجتمع أكثر انعزالاً. ومع ذلك، تعتقد فرح أن «التغيرات التي شعرنا بها في التسعينيات كانت قد بدأت في الثمانينيات، لكن الغزو عجّل بحدوث هذه التغيرات».
وبعد الغزو، لاحظت فرح أن مدرستها أصبحت أكثر فصلاً بين الجنسين وأنه كان هناك تأثير عميق للهوية والمحافظة الدينية على المجتمع ككل أيضًا، وهو تغيير تعتقد أنه حدث بسبب قوانين الجنسية في البلاد التي ظهرت لأول مرة العام 1959.
شركاء في التقدم
وتطرق جزء أساسي من الكتاب والحوار مع فرح إلى وجود المهاجرين في الكويت، طوال تاريخها وحتى وقتنا الحاضر.
وأوضحت الكاتبة قائلةً: «لم يكن هناك سكان أصليون هنا عندما أُسست الكويت لأول مرة في القرن الثامن عشر، إذ جاء جميع سكانها من أماكن أخرى. لذلك ازداد تعداد سكان البلاد على مدار المئتي سنة الأولى من تأسيسها من خلال الهجرة أكثر من النمو الطبيعي»، مضيفةً أن نهضة الكويت منذ عام 1950 فصاعداً كانت لتكون مستحيلة دون وجود المغتربين كشركاء في بناء الوطن.
وقالت فرح، التي تحدثت -في جزء من بحثها- مع أمثال زهرة ديكسون فريث، ابنة العميل السياسي البريطاني الذي نشأ في الكويت خلال ثلاثينيات القرن الفائت، بالإضافة إلى الدكتور الراحل لويس سكودر الذي عاش في الكويت خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الفائت وكان والده أحد أطباء مستشفى البعثة الأمريكية (أول منشأة طبية حديثة في الكويت): «أخبرني كل المسافرين الأوروبيين الذين قرأت كتاباتهم، أو المقيمين المواطنين والأجانب الذين أجريت معهم مقابلات، أن الكويت ما قبل اكتشاف النفط كانت مختلطة ومرحبة بالأجانب».
وأضافت قائلةً: «كانت الهوية التاريخية للكويت كمدينة ساحلية وسوق اعتمد بشدة على التجارة في منطقة شديدة التنافسية أحد الأسباب العملية أيضاً وراء ترحيب المواطنين بالأجانب وثقافاتهم في ذلك الوقت».
العودة إلى الجذور
في الوقت الذي أصبحت المنطقة على وشك أن تشهد واقعاً اجتماعياً واقتصادياً جديداً، ترى فرح أنه من المهم أن ينظر المرء إلى ماضيه للمضي قدمًا. واختتمت فرح قائلةً: «تمجد الكويت تاريخها في الصيد باعتباره جزءًا مهمًا من تراثها الثقافي، لكن الحقيقة هي أنها كانت وظيفة شاقة للغاية. إذا كنا نمجد هذا الجزء من تاريخ الكويت، فينبغي لنا أيضًا أن نتذكر أن الكويتيين كانوا من الطبقة العاملة لفترة طويلة من تاريخنا. إذا تذكرنا هذه الجوانب من تاريخنا، سنحظى بفهم نقدي أكثر لحاضرنا».
كاتبة صحفية في منطقة الخليج مهتمة
بالقصص والقضايا الإنسانية.