اقتصاديات الإنفاق والإسراف.. في رمضان

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٨/مايو/٢٠١٨ ٠٣:١٠ ص
اقتصاديات الإنفاق والإسراف.. في رمضان

محمد محمود عثمان

رمضان شهر مبارك ننتظره كل عام بعباداته وروحانياته، وكذلك بإنفاقاته الكثيرة، التي لا تراعي مستويات الدخل على المستويين الحكومي والفردي، حيث يقتضي الأمر تصحيح جوانب كثيرة من سلوكياتنا في ضرورة التوجه نحو الإسراف في العبادات والحد من الإنفاق والاستهلاك في الماديات، على أن نعي جميعا أن «رمضان» شهر صيام لا شهر طعام، لأنه من السلوكيات المعيبة الإقبال المتزايد على السلع والمنتجات الغذائية، إلى حد الشره، الذي يرفع حجم الطلب دون مبرر أو منطق، فإذا كنا نتغنّى بشهر الصيام والبركات، فهذا يعني أن تتجه منحنيات الاستهلاك والأسعار إلى الانخفاض والتراجع، وفي أسوأ الظروف نشهد ثبات مستويات الأسعار في هذا الشهر، فهل نعيب على رمضان؟.. أم إن العيب في سلوكياتنا الشرائية التي تتسم بالسفه والنهم غير المبرر؟ ومن ثم ترتفع الأسعار تلقائيا مع زيادة الطلب، حتى وإن توفر العرض نسبيا في الأسواق على عكس ما تحدده آليات السوق، لذلك نجد تناقضات واضحة بين مقتضيات الصيام التي يجب أن توفر ثلث المتطلبات وثلث النفقات على الأقل، وبالتالي توفير ثلث مخصصات الإنفاق في ميزانيات الدول والأسر والأفراد، حتى ولو نجحنا في ذلك على مستوى شهر واحد وهو شهر رمضان، فإننا نكون قد حكّمنا الدين والمنطق والعقل والاقتصاد، خاصة أن ميزانيات الدول تعاني من تراكمات العجز السنوي، والنقص الحاد في الموارد، والغريب أن الحكومات تقترض من البنوك لتمويل استيراد المواد الغذائية ومتطلبات رمضان من اللحوم والياميش، وغيره من المنتجات والسلع الترفيهية التي تمثل عبئا على ميزانيتها، بل وتفوق إمكانيات الأفراد والأسر التي تبالغ في البذخ والإسراف احتفاءً بالشهر الفضيل، مما يجعل من شهر رمضان وهو شهر الصيام -أكثر شهور العام في معدلات الاستهلاك والإنفاق، والأكثر ازدحاما في الأسواق بالمتسوقين، فمعظم الأسر في رمضان تسعى للحصول على أكبر قدر من المواد الغذائية، حتى وإن زادت عن حاجتها، لمواجهة متطلبات الصيام -الذي لا يحتاج بالفهم الإسلامي الصحيح، أو بالوعي والثقافة الصحية- إلى الحصول على كل هذا الكم الهائل من الأغذية والمنتجات، التي نُلقي بالفائض منها في القمامة، ولعلنا نحتاج إلى المزيد من الوعي الصحي والديني لتوضيح المقاصد الشرعية والصحية، بل والاقتصادية من الصيام؛ لأن في الصيام إمساك عن الطعام، ولكن نجد الزيادة في الاستهلاك، وفي الصيام تخفيف وخفض في الوزن ورشاقة في الجسم، فنجد زيادة في الترهل والوزن، وفي الصيام ادخار فنجد زيادة في الإنفاق بل وفي الاقتراض، وفي مضاعفة الأعباء. وقد نتجت هذه التركيبة المتناقضة من الاهتمام بالطقوس الإسلامية بعيدا عن جوهر الحقائق الإيمانية، فركزنا على الصيام، وارتباطه بالمسلسلات التلفزيونية وما بها من مضامين وفنون متنوعة يعتبرها البعض من وسائل التسلية للصائمين، دون فهم عميق بالمضمون الإيماني والاجتماعي والاقتصادي للصيام. ومن هنا تبدو جوانب التقصير في سلوكياتنا وأنماطنا الاستهلاكية، وخطابنا الديني والإعلامي، الذي لم ينجح حتى الآن في حماية شهر الاقتصاد والتوفير من مظاهر الشره والبذخ والتبذير وانتشار حمى الشراء، في ظل تركيز آليات التسويق والدعاية والإعلان والحملات الترويجية، على تقديم حوافز تشجيعية وجوائز رمضانية مغرية تحفّز على عمليات التسوّق والشراء، وإجبار المستهلكين على تغيير سلوكهم الشرائي بدرجة كبيرة، وغالبا ما يصاحب هذا الاستنفار الاستهلاكي خلال شهر رمضان عمليات غش وعرض منتجات تالفة، أو ستنتهي صلاحيتها، أو خلط بين الصالح والطالح منها، حتى لا يشعر بها المستهلك، على الرغم من عدم مطابقتها للمعايير والمواصفات، وبعيدا عن الضمير وعن عيون الرقابة، حيث ينبغي وفقا للمنطق والعقل، أن ترتفع معدلات الإنتاج، وينخفض الاستهلاك في هذا الشهر إلى الثلث واعتباره فرصة للترشيد على المستوى الفردي والمستوى العام؛ لأنه قد لا يدري البعض أن في هذا الشهر تحققت أعظم انتصارات المسلمين في غزوة بدر الكبرى، وفي حرب العاشر من رمضان في شهر أكتوبر من العام 1973، ولكننا نرى العكس دائما حيث تقدر مصروفات شهر رمضان بصورة عامة بأنها تعادل إنفاق ثلاثة أشهر تقريبا، وتنخفض معها بذات النسبة أو أكثر القدرة الإنتاجية للعاملين، وهذه مؤشرات سلبية تضر بالاقتصاد وبالأنشطة الاقتصادية، لأن الإحصاءات تشير إلى أن 22 دولة عربية، بها 360 مليون عربي يُلقون في المتوسط 55% من الأطعمة في القمامة والمهملات، نتيجة لسوء الاستهلاك خلال الشهر الفضيل، والأجدر أن يستفيد منها فقراء المسلمين، كما أن الإنفاق في شهر رمضان بصفة عامة يعادل إنفاق ثلاثة أشهر تقريبا، الأمر الذي يدعونا إلى التركيز على التوعية المجتمعية الموجهة ‏من علماء الدين والأئمة وعلماء ‏الاجتماع والنفس والصحة ووسائل الإعلام والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لتوعية الأسر بضرورة الحفاظ على ‏الاستهلاك المعقول، وغرس مفاهيم جديدة حول التربية الاستهلاكية، لترشيد السلوك ‏الاستهلاكي، حتى نحارب مظاهر التبذير والإسراف في الاستهلاك والمغالاة فيه، وتجنب ‏الوقوع في فخ الديون والقروض، خاصة في شهر العبادات، حتى لا نقع تحت فئة المبذرين إخوان الشياطين.

محمد محمود عثمان

mohmeedosman@yahoo.com