معضلة مدينة القدس

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مايو/٢٠١٨ ٠٣:٥٤ ص
معضلة مدينة القدس

فريد أحمد حسن

قول معالي يوسف بن علوي بن عبدالله، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية الذي رأس وفد السلطنة بتكليف سام من جلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – في القمة الإسلامية الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت أخيرا بمدينة إسطنبول التركية، قوله إنه «سواء نقلت الإدارة الأمريكية السفارة إلى القدس أو لم تنقل تظل القدس تقع في أرض محتلة من قبل إسرائيل وأن الحل النهائي وفي مقدمة الأمور سيكون القدس وهو مكان مقدس للأديان الثلاثة ولن تكون لأي فريق سواء كانوا إسرائيليين أو عربا أو مسلمين بل لابد من إيجاد حل لهذه المعضلة التي بلغت الـ70 عاما» قول مهم ويمكن أن يكون منطلقا لحل مشكلة فلسطين برمتها، ولهذا أردف معاليه ذلك القول بقول آخر عبر به عن تفاؤله وهو «إن هذه إشارات لقرب هذا الحل وقيام دولة فلسطين بما هو متفق عليه في حدود 1967 ودعم مسيرة التسامح بين العرب والإسرائيليين والذهاب إلى ماهو أبعد وهو التقارب والتسامح بين الديانات الإبراهيمية».

نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس لا تأثير عملي له على وضع القدس ولا يمكن أن يغير من الأمر شيئا، فالقدس مدينة محتلة والفلسطينيون والعرب والمسلمون والمسيحيون عموما لا يمكن أن يقبلوا بالواقع الذي يفرض على هذه المدينة المقدسة، سواء كان مؤيدا ومدعوما من قبل الولايات المتحدة أو من غيرها، وبالتالي سواء صارت سفارة الولايات المتحدة وغيرها من السفارات في القدس أو خارج القدس لا يغير من الأمر شيئا، فالواقع لا يتغير بمثل هذا القرار وهذا الإجراء، عدا أن العمل السياسي يتيح القيام بأمور كثيرة والظروف قابلة للتبدل والتغير في كل حين، ولعل الخير في ما حدث ويحدث.

هذا لا يعني التوقف عن الضغط على إسرائيل دوليا، كما فعل الرئيس التركي باستضافته قمة منظمة التعاون الإسلامي للمرة الثانية في غضون ستة أشهر وحضرها رؤساء وممثلو الدول الإسلامية ، وقبل هذا لا يعني أن ما جرى هو نهاية العالم وبداية تصفية القضية الفلسطينية، فهي القضية المركزية وهي القضية الأولى لكل العرب ولكل المسلمين ولا يمكن أن تنتهي بالكيفية التي يريد لها البعض أن تنتهي.
موقف الدول العربية جميعها من القضية الفلسطينية ثابت وغير قابل للتغيير، والأكيد أن التطورات الأخيرة في القضية – كما قال معالي الوزير بن علوي - لا تؤثر على مسار المفاوضات الهادفة إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وحلها وفق القرارات الشرعية الدولية، وأنه لهذا كانت «الدعوة إلى هذه القمة موفقة لأن الدول الإسلامية سوف تعتبر أن الأراضي المقدسة وثالث الحرمين الشريفين لا يمكن لأي حال من الأحوال أن يتصرف فيه أحد على الإطلاق».
هل هي بداية نهاية القضية الفلسطينية وحل مشكلة هذه المدينة المقدسة ومن ثم حصول الاستقرار الكامل للمنطقة ؟ التطورات في الساحة الفلسطينية والتحركات على اختلافها تدفع إلى هذا الاتجاه والقول نعم، والواضح أن الذي يؤخر النهاية هو الاختلاف في وجهات النظر والاتفاق على الأولويات، فالأكثر تعقيدا من القضية الفلسطينية هو وضع مدينة القدس لارتباطها بالأديان السماوية الثلاثة وبالعواطف الجياشة ولأن كل ذي علاقة بها يعتبر أنه الأولى والأحق بها.
على مدى السنين السبعين التي احتلت فيها إسرائيل الأراضي الفلسطينية حدثت أمور كثيرة حتى لم يعد معبرا وصف القضية الفلسطينية ومدينة القدس على وجه الخصوص بالمعقدة لأنهما باختصار أكثر من ذلك. يكفي الإشارة إلى كثرة الأطراف ذات العلاقة بهما لتبين مقدار التعقيد الحاصل ومن ثم تبين صعوبة الحل، ويكفي تدليلا على هذا إصرار البعض على أمور لم تعد أطراف أخرى عديدة تقبل بها لعدم واقعيتها مثل مناداتها بإبادة إسرائيل وطردها من المنطقة.القبول بمنطق الإبادة يعني الموافقة على استمرار المشكلة حتى قيام الساعة، ولأن الحل لا يمكن أن يأتي عبر هذا الطريق، على الأقل في هذه السنين حيث التفوق الإسرائيلي والغربي الداعم لإسرائيل ، لذا فإن العمل ينبغي أن يكون عبر طرق أخرى، دون أن يعني هذا الاستسلام أو القبول بالفتات والخضوع لما يمليه القوي أو الأقوى، فالأراضي الفلسطينية لا يمكن إلا أن تكون فلسطينية ولا بد أن تعود لأهلها، ولا يمكن للعرب والمسلمين والمسيحيين التنازل عن حقوقهم في مدينة القدس التي لا حل لها سوى أن تكون للجميع وأن تدار بأحكام يوافق عليها الجميع، تحفظ حقوق الجميع.القضية الفلسطينية تحل بحل مشكلة مدينة القدس، وحل مشكلة هذه المدينة المقدسة لا يمكن أن يكون بمواجهة الأطراف ذات العلاقة بعضها البعض لأن للجميع فيها حقوق وتاريخ، ولعل نقل سفارة الولايات المتحدة إليها يدفع إلى التعاون على الوصول إلى صيغة مناسبة ترضي جميع الأطراف ذات العلاقة، فرب ضارة نافعة، يؤكد ذلك بروز مشكلة القدس إلى السطح والتفات كل العالم إليها فور أن قررت واشنطن نقل سفارتها إليها، رغم أن هذا القرار لا يمكن أن يغير من حقيقة واقع القدس التي هي في كل الأحوال أرض محتلة من قبل إسرائيل.

· كاتب بحريني