العقوبات الأمريكية ضد إيران

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مايو/٢٠١٨ ٠٣:٥٤ ص
العقوبات الأمريكية ضد إيران

أناتول كاليتسكي

تثير العقوبات التي أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرضها على إيران سؤالين على قدر عظيم من الأهمية، وليس لهما إجابات مقنعة. فأولاً، هل يجعل هذا التصرف العالَم مكانا أكثر أمانا، كما يزعم ترامب، أو يزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ويقوض أي جهود تبذل في المستقبل للحد من انتشار الأسلحة النووية، كما يزعم أغلب الخبراء الجيوسياسيين الذين لا توظفهم بشكل مباشر الولايات المتحدة، أو إسرائيل، أو المملكة العربية السعودية؟ وثانيا، هل تكون الجهود الأمريكية لإرغام الشركات الأجنبية على احترام العقوبات التي تفرضها على إيران شرسة بقدر خطاب ترامب المولع بالقتال؟

بطبيعة الحال، ربما يتبين أن العقوبات ضد إيران مجرد بادرة فارغة. فعلى حد تعبير سفير صيني سابق إلى إيران: «من الواضح أن دبلوماسية ترامب على مدار أكثر من عام، من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية واتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ واتفاق باريس المناخي إلى القضية النووية على شبه الجزيرة الكورية والحرب الأهلية السورية، ينطبق عليها المثل القائل أسمع جعجعة ولا أرى طحنا». ومع ذلك، يظل من المستحيل الإجابة عل السؤال حول الحرب والسلام. فبعد خمسة عشر عاماً من الفوضى في الشرق الأوسط، والتي أطلقتها حرب العراق في العام 2003، استوعب العالَم درساً واحداً لا جدال فيه: لا أحد في البيت الأبيض، أو وكالة الاستخبارات المركزية، أو الموساد،، لديه أدنى فكرة حول ما قد يحدث في المنطقة الآن.

من الصعب أيضاً الإجابة على السؤال التجاري، ولسبب أبسط: فلن يكون المدى الحقيقي لفرض العقوبات واضحا حتى المراحل الأخيرة من «فترة تخفيف النشاط» التي تمتد لستة أشهر والتي تنص عليها الضوابط التنظيمية الأمريكية الجديدة لخروج الشركات من إيران.
لكن في هذه المرحلة المبكرة من المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، ينشأ سؤال اقتصادي آخر أكثر أهمية: على أي نحو قد تؤثر العقوبات الأمريكية على سعر النفط؟
للوهلة الأولى، تبدو الإجابة أوضح من أن نكلف أنفسنا عناء المناقشة: فمن المؤكد أن سعر النفط سيرتفع مع تسبب العقوبات في الحد من إنتاج إيران وصادراتها من النفط، في حين يستعد البائعون لحرب محتملة. لكن الأسواق المالية لديها عادة مقلقة: فالتنبؤات التي يعتبرها المستثمرون واضحة تماما كثيرا ما يتبين أنها كانت مخطئة. وقد يتبين أن التوقعات بشأن أسعار النفط حالة مماثلة، لعدة أسباب.
فأولا، أسعار النفط الآن أعلى بنحو 70% بالفعل عن مستوياتها في الصيف الفائت ــ وكانت التوقعات بفرض عقوبات أمريكية ضد إيران محركاً مهماً لهذه الزيادة. ويُعَد «الشراء عند الشائعة والبيع عند الخبر اليقين» من مبادئ المضاربة المالية الثابتة على مر الزمن. وتشير عمليات الشراء الأخيرة غير المسبوقة لعقود النفط من قِبَل مضاربين غير تجاريين في أسواق العقود الآجلة في نيويورك ولندن إلى أن العقوبات ربما تكون داخلة بالفعل في حسبان السعر الحالي، حيث بلغ سعر البرميل من خام النفط برنت 78 دولاراً.
لم يرتفع هذا السعر فوق مستوى السبعين دولارا قط منذ العام 2014، عندما أدى الارتفاع المفاجئ في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى انهيار أسعار النفط. ولا يزال التسليم الآجل للنفط لعام 2020 يكلف أقل من 70 دولاراً، مما يوجد حالة غير عادية في الأسواق تسمى «السوق المقلوبة العميقة»، والتي لم تُر منذ خريف 2014، وكثيرا ما تفرض انخفاضاً حاداً في الأسعار.
إذا انتقلنا من ظروف المضاربة إلى أساسيات إنتاج النفط، نجد أنه من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كانت العقوبات قد تؤدي إلى تقليص صادرات إيران بالقدر الكافي للتأثير على التوازن العالمي للعرض والطلب. فعلى الرغم من تضاعف صادرات إيران تقريبا بعد رفع العقوبات الفائتة في العام 2015، من 1.5 مليون برميل يومياً إلى نحو 2.5 مليون برميل حالياً، فإن أغلب هذا النفط كان يباع للصين، والهند، وتركيا، وجميعها من المرجح أن تتجاهل العقوبات الأمريكية أو تتحايل عليها.
أما الجزء المعرض للخطر حقاً من تجارة النفط الإيرانية فهو لا يتجاوز 750 ألف برميل ترسل يوميا إلى الاتحاد الأوروبي، وكوريا الجنوبية، واليابان. وقد وعد الاتحاد الأوروبي بحماية تجارته مع إيران، ولكن حتى لو تعذر هذا إلى حد الاستحالة، فإن قدرا كبيرا من النفط الإيراني الذي يتدفق الآن إلى أوروبا، أو اليابان، أو غير ذلك من حلفاء الولايات المتحدة، سيجري تحويله دون أدنى شك إلى دول مثل الهند والصين، وهذا من شأنه أن يحرر المزيد من النفط السعودي، أو العراقي، أو الروسي، الموجه إلى أوروبا واليابان.وحقيقة أن تجار النفط يعيدون توجيه شحنات النفط على نحو مستمر حول العالَم تفسر لنا لماذا يتوقع أغلب المحللين أن تعمل العقوبات على خفض إمدادات النفط العالمية بما لا يتجاوز 500 ألف برميل يوميا. والتحول بهذا الحجم سيكون أقل من انهيار صادرات النفط الفنزويلية بنحو 700 ألف برميل يوميا منذ العام الفائت، وأقل كثيراً من الزيادة المتوقعة في الناتج اليومي الأمريكي بنحو 1.1 مليون برميل على مدى الأشهر الاثنى عشر المقبلة، ناهيك عن الانخفاض المحتمل في الطلب العالمي على النفط نتيجة للزيادة الحادة في الأسعار منذ الصيف الفائت.
باختصار، من المتوقع أن يكون تأثير العقوبات المفروضة على إيران على التوازن العالمي بين العرض والطلب أقل من تأثير أداء الاقتصاد العالمي وسلوك بقية منتجي النفط. ويشير هذا إلى سبب آخر ربما يجعل المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران تؤدي إلى انخفاض، وليس ارتفاع، أسعار النفط: فالآن أصبح الحافز السياسي لدى ترامب وحلفائه قويا للغاية لمقاومة المزيد من الضغوط التي تدفع أسعار النفط إلى الارتفاع.
فقد أهدرت تكاليف البنزين المتزايدة الارتفاع بالفعل ما يقرب من نصف المكاسب الناجمة عن تخفيضات هذا العام الضريبية لصالح الأمريكيين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة. وإذا ارتفعت أسعار النفط بشكل أكبر خلال «موسم القيادة» الصيفي الذي يبدأ في الولايات المتحدة الآن تقريبا، فسوف يلوم الناخبون ترامب وقد يعاني الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس، وخاصة في ولايات الغرب الأوسط المـرُجِّحة.
على افتراض أن ترامب يجد من المناسب سياسياً الحد من ارتفاع أسعار النفط، فمن المتوقع أن تقدم له القيادات السعودية أي قدر يطلبه من الدعم. من ناحية أخرى، ربما تتحول إيران وروسيا، اللتان كانتا في السابق أقل تشددا من المملكة العربية السعودية بشأن تسعير منظمة الأوبك (الدول المصدرة للبترول)، إلى تأييد فرض قيود أكثر صرامة على العرض، خاصة وأن أي ارتفاع حادة في أسعار النفط ربما يؤدي إلى ردة فعل عقابية ضد ترامب.
تشير تجارب سابقة مشابهة إلى أن الغَلَبة تكون في الأرجح لمصالح الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية السياسية، على الأقل في الأمد القريب. وكان هذا صحيحاً بكل تأكيد بعد الحربين في العراق. فقد هبطت أسعار النفط بنحو 45% في العام 1991، وبنحو 35% في العام 2003، في غضون شهر واحد من شن الولايات المتحدة لهجماتها. وربما يبدو الانخفاض إلى هذا المستوى أمراً غير متصور اليوم، لكن أسعار النفط من المرجح أن تتجه إلى الهبوط، على الرغم من العقوبات المفروضة على إيران ــ أو ربما بسببها.

كبير الاقتصاديين والرئيس المشارك لـ «كافينيل دراكونوميكس» ومؤلف «الرأسمالية 4.0، ولادة اقتصاد جديد».