رحلة من التيبت

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/مايو/٢٠١٨ ٠٣:٢٥ ص

دوندوب وانجشين

في سنة 2001 تم اختيار بيجين لاستضافة الألعاب الأولمبية لصيف سنة 2008 وكانت هناك توقعات كبيرة بإن اداء الصين في مجال حقوق الإنسان سيتحسن بسبب الاهتمام الدولي وحتى أن المسؤولين الصينيين توقعوا التغيير حيث قال عمدة بيجين عندئذ بإن استضافة الألعاب: «سوف تفيد في تطوير قضية حقوق الإنسان لدينا».

لكن بعد مرور عشر سنوات ما تزال الصين أحد أقل دول العالم ليبرالية حيث يتم استهداف الأقليات العرقية وسجن منتقدي النظام كما أن وعود الإصلاح لما يكن لها أي معنى وكمعارض سياسي تبتي فأنا اعتبر دليل حي على هذا الواقع.

لقد وصلت الى الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2017 بعد أن تم احتجازي في سجون صينية لأكثر من ست سنوات تحملت خلالها الضرب والتعذيب بسبب «جريمة» سؤال التبتيين عن رأيهم بالقيادة الصينية.
عندما كنت صغيراً، لم تكن لدي معرفة كبيرة بقمع الصين في التيبت كما لم أفهم ماذا يعني أن تكون هدفاً للحكومة المركزية الصينية الا في أوائل التسعينات عندما زرت لأول مرة عاصمة التيبت لاهاسا وفي سنة 1992 عندما كنت في الثامنة عشرة من العمر شاهدت الرهبان من دير جاندين في لاهاسا وهم يساقون الى السجن بسبب مطالبتهم بالحرية الدينية والسياسية. لقد أمضى العديدون سنوات في السجن بسبب جرأتهم في التعبير عن آرائهم ومع تقدمي بالعمر تعهدت لنفسي بأن اعبر عن رأيي ايضا.
إن اول مرة ادخل فيها سجنا صينيا كانت مرتبطة بعمل بدأت فيه في أوائل العقد الفائت وكان يتعلق بطبع وتوزيع كتب باللغة التبتية ولقد اعتبرت ان تلك النصوص تعتبر مهمة لإنها تغطي السياسة والثقافة والدين في التبت ولكن السلطات الصينية اعتبرت تلك الكتب بمثابة تحد لحكمها وقامت بمعاقبتي بناءً على ذلك.
ومع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية لسنة 2008، بدأت بالبحث عن طرق جديدة لتسجيل تاريخ شعبي حيث بدأت أنا وأصدقائي بالتخطيط لعمل فيلم وثائقي – والذي اطلق علية في نهاية المطاف التخلص من الخوف- عن الطموحات التبتية.
لقد قمنا في شتاء سنة 2007 بالتخلص من خوفنا وسافرنا في طول التبت وعرضها ونحن نحمل كاميراتنا ومن اجل كسب ثقة مواطنينا، قمنا بتقديم أقراص فيديو رقمية تصور الدلاي لاما وهو يتلقى ميدالية الكونجرس الذهبية من الرئيس جورج بوشن الابن في أكتوبر 2007 وخلال تلك المقابلات عبر التبتيون عن رغبتهم في أن يعود الدلاي لاما للتبت وعبروا عن إحباطهم بإن المرحلة التي سبقت الألعاب الأولمبية لم تشهد المزيد من الحريات.
ولكن في نهاية المطاف تسبب ما كنت اقوم به في توقيفي من قبل الشرطة السرية الصينية في 26 مارس 2008 ولقد بدأ التعذيب فور اعتقالي حيث تم إجباري على الجلوس في «كرسي النمر» وهو جهاز للتقييد يتم استخدامه في تقييد حركة السجناء خلال ساعات طويلة من الاستجواب علما أنه خلال تلك الجلسات تم إبلاغي بأنه سوف يتم إطلاق سراحي بشرط الاعتراف بأن مشروع الفيلم الذي كنت اعمل عليه هو غير قانوني ولكني رفضت بسبب اعتقادي الراسخ أنني لم ارتكب عملاً خاطئاً.
وفي نهاية المطاف حكم علي بالسجن ست سنوات بتهمة «التآمر على قوة الدولة» وخلال سجني كان عادة ما يتم نقلي وإجباري على القيام بأعمال يدوية لساعات طويلة بدون أي استراحة وفي احد السجون في تشينينج تدهورت حالتي الصحية بعد أن أصبت بمرض الكبد الوبائي ب ولكني لم احصل على العلاج إلا بعد الإفراج عني في يونيو من سنة 2014.
حتى بدون وجود القضبان حولي، كنت ما زلت محبوسا حيث تم وضعي في الإقامة الجبرية ومراقبة اتصالاتي بشكل مكثف. كل ما أردت عمله هو الدراسة وتحسين مهاراتي اللغوية التبتية والعثور على عمل ولكن في أرجاء واسعة من التبت فحتى الأحلام الصغيرة أصبحت مستحيلة للتبتيين وبالنسبة للعديد من الناس فإن الخيار الوحيد هو الهرب.
لقد انتهت رحلتي الطويلة والخطيرة والمكلفة من أجل الحرية في يوم عيد الميلاد في العام الفائت عندما وصلت الى سان فرانسيسكو حيث التم شملي مرة أخرى بعائلتي (لقد تركت عائلتي في الصين قبل سنوات من اجل سلامتهم) ولأسباب عديدة يجب ان ابقي تفاصيل هروبي في طي الكتمان ولكني لا اخفي سرا أنني تلقيت المساعدة من الكثير من الناس حول العالم حيث طالب القادة في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وسويسرا وهولندا في كثير من الأحيان الصين بأن تطلق سراحي وأنا مقتنع أن هذا الضغط يفسر لماذا تعرضت للضرب بشكل اقل وكيف أن معاملتي كانت أفضل نسبيا مقارنة بزملائي في الزنزانة.
للأسف ما يزال العديد من التبتيين الآخرين مسجونين بسبب آرائهم وهم يحتاجون للدعم كذلك وكما قلت للنواب الأمريكيين خلال شهادتي بالكونجرس في فبراير فلقد دعمت الحكومات الغربية شعب التبت منذ فترة طويلة ولكن بينما أصبحت الصين اكثر قوة اقتصاديا وسياسيا فلقد تقلص ذلك الدعم.
إن التبتيين هم ليسوا أدوات للمساومة من اجل استرضاء الصين الصاعدة وعلى الرغم من ان السلطات الصينية تنزعج عندما تدعمنا الحكومات الغربية فإنه لا يجب المساومة على طموحاتنا في مقابل النفعية السياسية. إن احد الوسائل التي قد تعيد إدارة الرئيس دونالد ترامب من خلالها الالتزام بالدعم الأمريكي هو تعيين منسق خاص للشؤون التبتية وهو منصب في وزارة الخارجية الأمريكية تم إنشاؤه بموجب قانون سياسة التبت سنة 2002 علما أن هذا المنصب بقي شاغرا منذ تولي ترامب منصب الرئاسة. يتوجب على الكونجرس أيضا المصادقة على قانون الوصول التبادلي للتبت –وهو حل تشريعي من اجل الترويج للتغير الإيجابي في التبت- والمطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين التبتيين.
لقد مر عقد تقريبا منذ انتهاء الألعاب الأولمبية لسنة 2008 ولكن بينما لم تعد الحكومة الصينية تتكلم كثيرا عن حقوق الإنسان فإن على المجتمع الدولي أن لا يتوقف مطلقاً. استطيع أن أؤكد لكم أن التبتيين داخل التبت لم يتخلوا عن نضالهم وحتى لو تناقصت أعداد الناس الذين يستمعون اليهم.

صانع أفلام وثائقية وناشط سياسي تبتي