إنقاذ اتفاق إيران

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/مايو/٢٠١٨ ٠٣:٢٢ ص
إنقاذ اتفاق إيران

جاي فيرهوفشتات

لم يعد هناك أي مجال للشك في أن شعار «أمريكا أولا» يعني منطوقه على وجه التحديد. ففي التخلي عن اتفاق إيران النووي لعام 2015، رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نصيحة الحلفاء وأظهر استهتاراً تاماً بمصالح فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، والمجتمع الدولي في عمومه. حتى أن المحاولة التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في آخر لحظة لبناء نهج دبلوماسي أوسع في التعامل مع إيران كان نصيبها التهميش في الساعة الأخيرة، دون أي تفسير يُذكَر من جانب إدارة ترامب.

كما كانت الحال مع أعمال التخريب الأخرى التي ارتكبها ترامب في حق النظام الدولي ــ وخاصة انسحابه من اتفاق باريس للمناخ ــ فإن تخريبه للاتفاق مع إيران، والذي أطلق عليه رسميا مسمى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يترك الدول الأخرى أمام ضرورة رفع الأنقاض والتقاط القطع المتناثرة. لا شك أن هذا القرار كان مبهجا في نظر قاعدة ترامب السياسية المحلية، التي تجد متعة بالغة في تفكيكه للإنجازات الرئيسية التي حققها الرئيس الذي سبقه باراك أوباما. بيد أن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت أيضاً نجاحاً كبيراً للاتحاد الأوروبي. فالأوروبيون هم الذين مهدوا الطريق إلى المفاوضات مع إيران في المقام الأول. والواقع أن الاتفاق في حد ذاته يقلل إلى حد كبير من فرص الانتشار النووي في ساحة أوروبا الخلفية.

في محاولة لتبرير قراره، قال ترامب في إحدى مشاركاته على موقع تويتر مؤخراً: «تذكروا إلى أي مدى كانت إيران سيئة السلوك عندما كان الاتفاق معها سارياً. كانوا يحاولون الاستيلاء على الشرق الأوسط بأي وسيلة. الآن، لن يحدث هذا». ولكن في حين كان النفوذ الإيراني ينتشر في الشرق الأوسط حقا، فلا يوجد أي سبب وجيه يجعلنا نعتقد أن إنهاء خطة العمل الشاملة المشتركة من جانب واحد من شأنه أن يغير هذه الحقيقة فجأة. بل إن القرار قد يشجع المتشددين الإيرانيين ويؤدي إلى المزيد من التدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وأماكن أخرى. الواقع أن التقارير أفادت أن القوات الإيرانية المتمركزة في سوريا أطلقت صواريخ إلى إسرائيل فور إعلان ترامب بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة.
الأسوأ من ذلك أن ترامب لم يكلف نفسه حتى عناء تقديم أي نهج بديل لاحتواء برنامج إيران النووي. ونتيجة لهذا، بات لزاما على الزعماء الأوروبيين الآن أن يتدخلوا. من المؤكد أن التهديد بفرض عقوبات أمريكية على الشركات الأوروبية العاملة في إيران يجعل الاتحاد الأوروبي أمام اختيار لا يحسد عليه. لكن التخلي ببساطة عن جهود منع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط ليس خياراً وارداً.
استشرافا للمستقبل، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يقيد نفسه في إطار إعادة التأكيد على التزامه بخطة العمل الشاملة المشتركة. بل يتعين عليه أن يغتنم الفرصة لتقديم استراتيجية أعرض اتساعا في التعامل مع إيران، استراتيجية قادرة على إقناع قادة إيران بمعالجة المخاوف المشروعة حول برنامجهم المستمر لتصنيع الصواريخ الباليستية وسلوكياتهم التخريبية في المنطقة.
وإذا نجحت هذه الخطوة، فإن نهجا أوسع نطاقا من شأنه أيضا أن يترك الباب مفتوحا أمام الولايات المتحدة للعودة إلى المشاركة في الجهود الدبلوماسية المتعددة الأطراف في وقت لاحق.

لإنقاذ الاتفاق النووي ودفع أهداف دبلوماسية أخرى، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يستفيد من العلاقة الاقتصادية مع إيران. ويجب أن يفهم الإيرانيون أنهم فقط من خلال تقييد برنامج الصواريخ والتعاون في جهود إعادة الاستقرار إلى المنطقة يصبح بوسعهم الحفاظ على علاقتهم الاقتصادية مع أوروبا. يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي أن يوضحوا أيضا أن نظام العقوبات الذي كان ساريا قبل العام 2015 سوف يُفرَض من جديد إذا استأنفت إيران التخصيب النووي أو منعت وصول المفتشين من الهيئة الدولية للطاقة الذرية.
في الوقت نفسه، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يطمئن إيران إلى حرصه، ما دامت تحافظ على التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، على حماية شركاتها من العقوبات الأمريكية والتأثيرات المترتبة على التشريعات الأمريكية في الخارج، كما فعل ردا على العقوبات الأمريكية ضد كوبا في تسعينيات القرن العشرين. صحيح أن توفير مثل هذه الحماية سيكون مكلفا على الصعيدين السياسي والاقتصادي بكل تأكيد؛ لكن البديل قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وسوف يعترض المواطنون الأوروبيون في الأرجح إذا تخلى الاتحاد الأوروبي فجأة عن مبادئه ببساطة لإرضاء رئيس أمريكي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.
في تبني النهج الأوسع نطاقا الموضح أعلاه، لابد أن يكون الهدف، كما اقترح ماكرون، إبرام اتفاقية موازية لخطة العمل الشاملة المشتركة. لكن أي اتفاق جديد لابد أن يسير جنبا إلى جنب مع استراتيجية أوسع نطاقا لتثبيت استقرار الشرق الأوسط. ولابد من إقناع إيران، والقوى الأخرى كالمملكة العربية السعودية، وإسرائيل، وروسيا، والصين، والولايات المتحدة، بالكف عن تأجيج نيران حروب الوكالة في المنطقة. ولتحقيق هذه الغاية، يعود الأمر الآن إلى الاتحاد الأوروبي لقيادة الجهود الدبلوماسية، وإقناع ترامب بأن التعددية أكثر فعالية بأشواط من دبلوماسية قطع الطريق.
على نطاق أوسع، ينبغي لمثل هذه الاستراتيجية أيضا أن تبدأ في إغلاق فجوة الانقسام المتزايدة الاتساع بين ضفتي الأطلسي والتي فتحتها رئاسة ترامب. ذلك أن تفكك الغرب تطور مرحب به في نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والأنظمة غير الليبرالية في مختلف أنحاء العالَم. فلا شيء أحب إلى قلب المستبدين والشعبويين من زرع الفوضى وإهدار الثقة في النظام الدولي القائم على القواعد الذي ظل قائما في فترة ما بعد الحرب. وتجسد الديمقراطيات التي شيدت هذا النظام القيم المضادة لمصالح النظم الدكتاتورية.
وأخيرا، يثبت قرار ترامب بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة مرة أخرى أن أوروبا تعتمد بشكل مبالغ فيه على الولايات المتحدة لحماية أمنها وازدهارها. وحتى بمعايير ترامب، كان ذلك الهجوم الوحشي على اتفاق إيران عملا مذهلا من أعمال إشعال الحرائق الدبلوماسية عمدا. وهو يشير إلى أن التطبيق الكامل النطاق لنهج «أمريكا أولا» بدأ للتو. والآن حان الوقت ليبدأ الأوروبيون استعادة السيطرة على مصائرهم. ومن خلال تعزيز قدراته الدفاعية وقيادته العالمية، يصبح بوسع الاتحاد الأوروبي تعزيز مصالحه ومصالح النظام الدولي بأسره.

رئيس وزراء بلجيكا الأسبق