جنوب السودان يقتل ولا احد يحصي

الحدث السبت ١٢/مارس/٢٠١٦ ٢٠:٠٦ م
جنوب السودان يقتل ولا احد يحصي

(أ ف ب) - وردت تقارير كثيرة حول فظاعات الحرب الاهلية في جنوب السودان، غير ان عنصرا هاما لا يزال مجهولا هو عدد الضحايا الذين سقطوا منذ اندلاع النزاع الدامي في هذا البلد في كانون الاول/ديسمبر 2013. وتعرض مدنيون للقتل والحرق والخصي والشنق والاغراق والخنق او قضوا جوعا، وبقيت جثثهم مرمية او مكدسة في مقابر جماعية. حتى انه تم رصد حالة قسرية من اكل لحوم البشر. وبعد بضعة اشهر على اندلاع الحرب، اعلنت الامم المتحدة عن سقوط عشرة الاف قتيل، ورغم تواتر المجازر بصورة متسارعة وانتشارها على امتداد البلاد، ابقت المنظمة الدولية على هذه الحصيلة حتى الشهر الجاري، حين افادت عن سقوط ما لا يقل عن 50 الف قتيل. غير ان حصيلة 50 الف قتيل كانت اعلنتها مجموعة الازمات الدولية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وهي المجموعة التي تتابع هذا النزاع عن كثب . وبراي عاملين في المجال الانساني ومسؤولين طلبوا عدم كشف هوياتهم، فان العدد الاجمالي للقتلى قد يقارب 300 الف، ما يعادل حصيلة خمس سنوات من النزاع في سوريا. وقال عامل انساني معتاد على العمل في مناطق النزاعات ان مستوى اعمال العنف اكبر بكثير من "كل ما شهدناه في اي مكان اخر تقريبا". وقتل في هذا البلد اكثر من ثلاثين عاملا في المجال الانساني منذ اندلاع الحرب.

- الامم المتحدة عاجزة عن مواصلة التعداد - ورقم 50 الف قتيل هو حصيلة الحد الادنى للقتلى الذين سقطوا جراء النزاع مباشرة. لكن العدد يرتفع ارتفاعا هائلا اذا ما احصينا القتلى الجانبيين. ويتحتم عندها الاخذ بالذين يموتون جوعا في وقت يعرقل اطراف النزاع وصول المساعدات، او الذين يسقطون ضحايا فظاعات على نطاق واسع، مثل ستين مدنيا تركتهم القوات الحكومية يختنقون في حاوية تحت الشمس في تشرين الاول/اكتوبر 2015. كذلك ينبغي الاخذ بالقتلى الذين يسقطون لعدم تلقيهم العناية المناسبة بعد التدمير المتعمد للعديد من المستشفيات. وحذرت منظمة اطباء بلا حدود من "العواقب الهائلة على مئات الاف الاشخاص" بعد تعرض ستة من مراكزها الطبية للهجمات او النهب او الحرق، وبعضها اكثر من مرة. ونفذت العديد من المجموعات المسلحة مجازر اتنية وبالرغم من توقيع اتفاق سلام في اب/اغسطس 2015، لا تزال المعارك متواصلة في عدة مناطق حيث الفصائل المسلحة لها مصالح محلية. وجرت المعارك بتجهيزات حديثة من مروحيات قتالية وقاذفات صواريخ ومدفعية ثقيلة ودبابات انزال لمطاردة المتمردين في مناطق المستنقعات المعزولة. وتم تدمير مدن بالكامل. وتشير الارقام المتوافرة الى ان 2,3 مليون شخص طردوا من منازلهم، و6,1 ملايين شخص بحاجة عاجلة الى المساعدة الغذائية، و15 الف طفل جندي تم تجنيدهم، وايواء 200 الف مدني في مخيمات للنازحين تابعة للامم المتحدة التي تحتاج الى مساعدة بقيمة1,1 مليار دولار. غير انه ليس هناك اي حصيلة ذات صدقية حول عدد القتلى. واقر رئيس العمليات الانسانية في الامم المتحدة ارفيه لادسو الاسبوع الماضي بان الامم المتحدة "عاجزة عن مواصلة التعداد".

- اضطرابات شبيهة بما بعد الابادة في رواندا - وليس من السهل تعداد القتلى في مناطق الحرب، غير ان الامر ليس مستحيلا. وكشفت المحاولات النادرة التي جرت بهذا الصدد في جنوب السودان عن اعداد مذهلة. وبحسب دراسة اعدها برنامج الامم المتحدة الانمائي استنادا الى اكثر من 1500 مقابلة جرت في جميع انحاء البلاد، فان 63% من المستطلعين فقدوا واحدا من افراد عائلاتهم. كما تظهر الدراسة ان 18% خطف لهم طفل، و14% تعرضوا للتعذيب، و33% "اختفى" احد اقربائهم، و55% دمرت منازلهم. وفي المناطق الاكثر عرضة للحرب، ترتفع هذه الاعداد اكثر. واشار تحقيق لمجموعة "ساوث سودان لوو سوسايتي" في قاعدة الامم المتحدة في ملكال (شمال شرق) التي تؤوي 47 الف شخص، الى ان 77% من المستطلعين خسروا احد اقربائهم. كما تكشف دراسة برنامج الامم المتحدة الانمائي ان 41% يعانون من اضطراب الضغط ما بعد الصدمة، وهو "مستوى شبيه بالمستوى الذي سجل في رواندا او كمبوديا بعد الابادة". ويرى المحللون ان عدم وجود حصيلة جديرة بالصدقية يساهم في عدم تركيز انظار العالم على الحرب في جنوب السودان، ما يضمن افلات القتلة من العقاب. ففي حين تتواصل المعارك، يمحو الزمن الادلة على وقوع المجازر.