بين إيران والأمريكيين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/مايو/٢٠١٨ ١٤:٥١ م
بين إيران والأمريكيين

أحمد المرشد​

عندما تناقشت أنا وأحد الأصدقاء حول فكرة موضوعي هذا بالكتابة عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أبلغني بحكاية مصرية وقال لي ربما تفيدك في مقالك واسمعها لآخرها وحدد مدى أهميتها لك في سردك للموضوع، ولم أكذب خبراً وتركته يقص حكايته للنهاية حتى قررت فعلاً أن أبدا بها موضوعي، ربما للهدف منها وهو ما سيدركه القارئ مباشرة، وثانياً لأنها مهدت لي فعلاً في ترتيب أفكاري..أما حكاية صديقي فهي تروي أن مهندساً زراعياً كان يعمل في قرية بصعيد مصر، وركب القطار في طريقه للقاهرة، وجلس بجانبه فلاح مسن من أهالي القرية. لاحظ المهندس أن بين قدمي الفلاح كيساً كبيراً من القماش، وكان الفلاح يقلب الكيس ويخلط محتوياته كل ربع ساعة أثناء الرحلة، ثم يعيد تثبيته بين قدميه، واستمر على هذا الحال طيلة الطريق..استغرب المهندس الزراعي جداً من تصرف الفلاح، فسأله: «ما قصة هذا الكيس؟». فرد الفلاح: «عملي هو اصطياد الجرذان والفئران وأبيعها وأوردها إلى المركز القومي للبحوث بالقاهرة ليستخدموها في التجارب المعملية». ثم سأله المهندس: «ولماذا تقلب هذا الكيس وتهزه كل فترة؟»، فقال الفلاح: «هذا الكيس به بعض الجرذان والفئران، ولو تركته من دون تقليب وهز لأكثر من ربع ساعة ستشعر الجرذان والفئران بالراحة والاستقرار، وسيتوقفون عن التوتر الغريزي، ولن يطول الوقت حتى يبدأ كل واحد منهم بقضم الكيس ومن ثم ثقبه، لذلك أهزه كل ربع ساعة كي أثير خوفهم وتوترهم، فتنشغل بالعراك مع بعضها منساقة بغرائزها وتنسى قرض الكيس ريثما أصِل إلى مركز البحوث بالقاهرة». عقدت الدهشة لسان المهندس من طريقة تفكير الفلاح ومن (نظرية كيس الفئران)، ثم سرح بأفكاره في سياسة الغرب الأمريكي والأوروبي وصهاينة العالم وفلسفتهم تجاه بلداننا العربية.. وكيف أنهم كلما بدأت شعوبنا تشعر بالاستقرار (يهزون الكيس) مطلقين الدسائس والفتن لتستمر سيطرتهم تحت شعارات عدة، منها محاربة الإرهاب، وفرض الاستقرار..وبشكل طبيعي تنساق شعوبنا خلف المتلاعبين بغرائزها، وينسى الجميع ضرورة «قضم الكيس وثقبه» الذي يتخذ أشكالاً عديدة، منها «حدود سايكس- بيكو»، والتقسيمات الدينية والطائفية والعرقية، وغيرها.

اعتقد أن حكاية كيس الفئران والجرذان وهزه كل فترة تغنينا عن تحليلات كثيرة لا داعي لذكرها، وإن كان علينا الآن العودة إلى قرار ترامب المشار إليه، لتحديد كافة المواقف المرتبطة به، خليجيا وشركاء إيران في الاتفاق النووي، ثم نختم بالموقف الإيراني، وربما لن نتطرق إلى الموقف الإسرائيلي لضيق المساحة وإدراكاً لأنها تؤيد قرار ترامب قلباً وقالباً بل من المحرضين عليه.

تقودنا البداية إلى الموقف الخليجي ممثلاً في المملكة العربية السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها عادل الجبير الذي أعلن تأييده بلاده لقرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران. وهنا نتذكر موقف السعودية من توقيع الاتفاق المشار إليه حيث اعتمد على قناعة الرياض آنذاك بضرورة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
ربما يفيدنا موقف السعودية في فهم أبعاد القرار الأمريكي، خاصة في ظل ما يتحدث عنه الكثيرون في العالم كل فترة عن قرب نشوب حرب عالمية ثالثة كلما تصاعدت الخلافات بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، فما تريده دول الخليج هو الأمان والاستقرار وعدم الاتجاه ناحية الحرب لأنها ستكون مدمرة للمنطقة وليست لإيران وحدها، ويكفي ما تشهده المنطقة من عواصف سياسية وعسكرية ناهيك عن موجات الطقس المتقلبة من عواصف وأتربة وارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة، فالمنطقة لا تعيش في راحة حتى تأتيها أخبار الحرب. ونأمل أن تمر الأزمة على خير مثل سابقاتها التي تكون إيران أحد طرفيها في الغالب، وأن تتمكن كافة الأطراف الدولية في لملمة الأزمة وحصارها بدون اللجوء الى خيار الحرب، التي شهدنا سيناريو لها ممثلا في الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية العسكرية في سوريا، في بداية المناوشات بين إسرائيل وإيران.

وبالنسبة لقرار ترامب لبقية شركائه في الاتفاق الذي تم توقيعه في إطار مجموعة (5+1) أي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بالإضافة إلى ألمانيا الشريك السادس في الاتفاق، لا ننكر أنه جاء مخيباً وصادماً لآمالهم بعكس إسرائيل التي رحبت به واعتبرته انتصاراً لها. ولم تفلح الجهود التي سبقت قرار ترامب والتي قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي ثم روسيا والصين، في جعل الرئيس الأمريكي يتراجع عن تهديده بالانسحاب من الاتفاق النووي. رأينا كم الجهود التي بذلتها بقية الدول الموقعة على الاتفاق خصوصا الأوروبيين بهدف إنقاذه من الانهيار. فلماذا إذن كان هذا الحرص الأوروبي علي استمرار الاتفاق كاملا؟..هل بهدف عدم انهياره أم إنقاذ تعاملاتهم الاقتصادية مع إيران؟.
فالدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق - ألمانيا وفرنسا وبريطانيا - شركاء أصليين في التوصل إليه، وبالتالي يرون أنه يجب التشاور معهم قبل اتخاذ أي قرار يتعلق به خاصة لو كان الانسحاب منه. ولكن لو علمنا حجم التبادلات الاقتصادية بين هذه الدول وإيران لأدركنا مدى إصرارها وحرصها على استمراره، فالسوق الإيرانية منجم مكاسب وإغراءات للشركات الأوروبية، إذ بلغ حجم التجارة الأوروبية مع إيران منذ توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015، نحو 25 بليون دولار مقابل 200 مليون دولار فقط للجانب الأمريكي. ناهيك عن صفقات تم إبرامها بين الأوروبيين والإيرانيين ولم يعلن عنها بعد أو أخرى في الطريق ببلايين الدولارات. وقد نستوعب من خلال هذه الأرقام حجم المصالح التي تربط هذه الدول الأوروبية بإيران. أما في حال انهيار الاتفاق النووي، فقد تصبح كل هذه التعاملات والمصالح في مهب الريح وتنهار بين عشية وضحاها، خاصة في ظل التهديد الأمريكي بتجديد العقوبات الاقتصادية ضد إيران، مما يضع الشركات الأوربية في وضع صعب مالياً واقتصادياً. وثمة نقطة أخرى في القرار الأمريكي باستئناف العقوبات ضد إيران وهي عدم قدرة أي من الشركات الأوروبية بالمجازفة والاستمرار في التعامل مع إيران وتعرضها بدورها للعقوبات الأمريكية والخروج من النظام المصرفي العالمي الذي تهيمن عليه أمريكا.

وللأسف، تعاملت الدول الأوروبية ومعها روسيا والصين بدافع اقتصادي بحت مع الأزمة، رغم التوافق الأوروبي والأمريكي وبعض الدول الخليجية على أن إيران تمثل خطراً بسياساتها الإقليمية الحالية، وتمثل عنصر عدم استقرار للمنطقة، ويجب العمل على وقفها. فالأوروبيون يعلمون قبل غيرهم باستمرار قيام إيران بتجارب صاروخية وتطوير صواريخ باليستية تخل بموازين القوة في المنطقة وتهدد استقرارها. ثم يدعي الأوروبيون عدم جدوى فرض أي عقوبات اقتصادية ضد إيران لأنها لم تنجح في الماضي من استمرار الأنشطة النووية أو تغيير النظام الإيراني من الداخل. ويزيد الأوروبيون في ادعاءاتهم بأن إيران تخلت طواعية عن برنامجها النووي والتزمت بما اتفقت عليه بشهادة المؤسسات الأمريكية ذاتها، وأن المأمول حالياً ليس التخلي عن الاتفاق بل الحفاظ عليه ودعمه، كما أنهم يبالغون عندما يرددون زيفاً أن سياسة واشنطن الجديدة بالمواجهة مع إيران ستقوي شوكة المتشددين داخل النظام الإيراني وتدفعهم لتبني خطوات تصعيدي بما يزيد التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة ودفعها إلى مزيد من الحروب والصراعات.
لا شك أن إيران تستفيد من الوضع الحالي بين الأوروبيين والأمريكيين، فقد نجحت في إحداث وقيعة بين الطرفين، وزاد عليها التشدد الصيني في ضرورة استمرار العمل بالاتفاق لأسباب اقتصادية صينية أيضاً، وعلينا الانتظار لنرى أي رؤية ستنتصر في النهاية علما بأننا لم نتطرق للموقف الإسرائيلي لتأييده التام لما أعلنه دونالد ترامب بل كانت إسرائيل من الدول المحرضة على انسحاب الولايات المتحدة منه، والسؤال في الوقت الراهن:» أي طرف سينجح في فرض وجهة نظره على الاتفاق؟ في تحول الموقف إلى ما يشبه حالة الحرب بين المؤيدين لاستمراره والرافضين له، ولكن في النهاية نأمل ألا يتطور الموقف إلى حرب عالمية ثالثة كما يتحدث البعض، فالمنطقة تعاني من يكفي من الأزمات ولا تتحمل المزيد من الإخفاقات وعدم الاستقرار، وهنا أذكر الجميع بحكاية «كيس الجرذان والفئران» لنستلهم منها حكمة الفلاح المصري في تقليب الكيس وهزه كل فترة حتى لا يرتاح من بداخله!

كاتب ومحلل سياسي بحريني