ليس غريبا أن يبدأ من عُمان -التي تُعرف على مرّ التاريخ بأنها أرضية مشتركة للقيم الإنسانية المتسامحة- مشروع معرض «رسالة الإسلام» الذي تتبنّاه نخبة طيبة من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ويعنى بتعزيز ونشر القيم الإنسانية المشتركة في العالم، والذي تفاعل إيجابيا مع دعوة الجمعية العمومية للأمم المتحدة للدول الأعضاء في العام 1996 للاحتفال باليوم العالمي للتسامح في السادس عشر من شهر نوفمبر من كل عام، من خلال القيام بأنشطة تهدف إلى ترسيخ مبدأ التسامح، وكذلك استجابة لتوصيات ونتائج مؤتمر القمة العالمي في العام 2015 بالتزام الدول الأعضاء والحكومات بالعمل على النهوض برفاهية الإنسان وحريته وتقدمه في كل مكان، وتشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب.
وفي المجلس الأسبوعي «لبيت الخنجي» بالعاصمة مسقط، ألقى الضوء على أنشطة عُمان في هذا المجال د.محمد بن سعيد المعمري المؤسس والمشرف العام على مشروع رسالة الإسلام بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، الذي رفع شعار «الإسلام في عُمان- أرضية مشتركة لقيم إنسانية»، باعتبار أن الحضارة قائمة على الانفتاح والتعارف، ومنذ حقب طويلة فإن العُمانيين جابوا أقطار الأرض، وأن ذلك أكسبهم التعدد وفهم الآخر وفهم الذات، وكيفية التعامل مع الآخرين.
كما أن الموقع الجغرافي لعُمان أكسبها التنوّع والتعدد على المحيط الهندي، الذي يسكن حوله خمس سكان العالم، وتمرّ حوله أغلب التجارة العالمية، بالإضافة إلى التنوّع في التضاريس العُمانية الذي أكسب العُمانيين القوة والمكانة، التي اكتسبتها خاصة مع بداية رسالة الإسلام عندما أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسالة إلى ملكي عُمان «عبد وجيفر» ضمن خمس رسائل أرسِلت إلى تلك الممالك والحضارات القائمة في ذات الوقت، وهي: الفرس والروم والمصرية واليمن وعُمان، وهذه شهادة لهذه الحضارات الخمس على مدى الزمن؛ لأنها تظل محورية إلى الأبد بغض النظر عن مراحل الزيادة والنقصان والضعف والقوة في عمر هذه الحضارات فعُمان لم تشهد في يوم من الأيام حربا على أساس ديني أو طائفي، وهذا الأمر متجذّر منذ القدم وكان للعُمانيين دور في غرس هذه القيم الإنسانية.
فمشروع «رسالة الإسلام» هو رسم القيم الإنسانية ونشرها بين البشر والقضاء على الحروب والتطرّف، وذلك من خلال إقامة معارض ونقل رسائل عالمية وتنظيم زيارات شبابية وتقديم مبادرات إنسانية حيث إن فكرة مشروع «رسالة الإسلام» نابعة من فلسفة المشروع التي تمثل مذهبية التسامح الثلاثية، التي تتضمن المعرفة والتعارف والاعتراف، باعتبار أن القضاء على التعصب المذهبي لا يتم بالقوة ولا بالقانون ولا بالإقناع وإنما من خلال العناصر الثلاثة السابقة، وهذه الثلاثية يتم تطبيقها حول مختلف الأديان، خاصة أن حوار الأديان قد لا يكفي للوصول إلى التسامح فهو مرحلة للوصول إلى التعايش، ومن ثم ننتقل من حوار الأديان إلى القيم الإنسانية للقضاء على كل أنواع الكراهية والعنف، في إطار ثلاث قيم مشتركة يجتمع عليها الناس ويمكن من خلالها التعايش وهي: العقل والعدل والأخلاق، فالعقل والتفكير يعطي للناس حرية الرأي والاعتقاد والجميع يقدّرونها كقيمة مشتركة، فلا يرضى أحد أن يسلب عقله عنه؛ لأن التعصب يمكن أن يسحب من الناس العقل، أما العدل فقد جعل الله العدالة في كل شيء، وبالنسبة للأخلاق فهي السياج للجميع ومن خلاله يسود الحوار والتفاهم والفهم المشترك، والأمانة والصدق والكرم وغيرها من الأخلاقيات، وهذا ما تم تطبيقه في عُمان، وهو التفاهم والتعايش المشترك، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترام الأديان والثقافات، والحرية في الاعتناق. وحقيقة العالم الآن في أمسّ الحاجة إلى تفعيل مشروع «رسالة الإسلام» الذي نبع من عُمان لنشر ثقافة التعايش والسلام والتسامح والوئام، والتركيز عليها في البناء الأخلاقي للأجيال القادمة، من خلال كل الوسائل المتاحة إعلاميا واجتماعيا وفنيا، لتكون رسائل إيجابية من بلدنا عُمان إلى شعوب العالم أجمع، ونأمل من منظمة المؤتمر الإسلامي بما لها من إمكانيات أن تحذو هذا النهج عبر المؤتمرات والمعارض والمحافل الدولية في نقل صورة الإسلام والمسلمين الحقيقية لمختلف أرجاء المعمورة، لنشر ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر.