نحو تشريعات تنظم أنشطة القبائل

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٥/مايو/٢٠١٨ ٠٧:٥٩ ص
نحو تشريعات تنظم أنشطة القبائل

علي بن راشد المطاعني
ali.matani2@gmail.com

يكتسب تحذير الادعاء العام من الدعوة إلى عقد أو الترويج للملتقيات والتجمعات القبلية أهمية كبيرة في إعلام الجميع بعدم قانونية هذه الدعوات والترويج لها، وإن عدم الالتزام سوف يعرض المروجين للمساءلة القانونية وفق ما لاحظه الادعاء العام في الآونة الأخيرة من الدعوات للتجمعات القبلية والترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعية.

وبناء عليه لا ينبغي أن نسمح لهذه الجزئيات المرهقة للأوطان عبر دعوات لتجمعات قبلية وفئوية تجاوزها العالم كله باعتبارها عقبة في طريق التقدم الذي تنشده الشعوب معززا بالعدالة الاجتماعية ومتوجا بالمساواة، الأمر الذي يوجب التشديد في هذا الشأن وعدم اقتصار معالجتها على ما صدر من تشريعات في قانون الجزاء العُماني الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 7/2018، وإنما سن تشريعات جديدة تبلور وتحدد دور القبيلة وأنشطتها في المجتمع.

ولعل تنبيه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه في عام 1994 الذي جاء فيه:
(إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العُمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق). ما قاله جلالته يوضح بجلاء إدراكه لحقيقة أن التحزبات غير مقبولة في المجتمع العُماني ويجب مواجهتها والحد منها.
وفي الآونة الأخيرة للآسف ظهرت التــــــحزبات القبــــــلية التي وأدتها النهضة المباركة وقننتها في إطارها الطبيعي كانتماءات اسمية تعرف الناس على بعــــــضهم البعض لا أكثر، إلا إن البعض استـــــــغل هذه المرونة، وبدأ في تأجيج النعرات القبلية من خلال وسائل التواصل الاجتماعية.
بالطبع هناك ملتقيات لا غبار عليها كحفلات الزواج والوفيات والمناسبات الاجتماعية الأخرى التي تعزز الترابط الأسري وتشد من عضد التكاتف بين الأفراد، وهي بمثابة موروثات اجتماعية ذات أهداف نبيلة وغايات عظيمة، ومع هذا لا يجب أن تتبلور عبر صيغة تخالف النظام وتخل بالأمن أو تقيم أنشطة مخالفة للقانون، فكل هذه الأمور يجب أن تؤطر في إطار قانوني يحتكم إليه الجميع.

التحزبات

ففي اعتقادي أن القبائل إحدى أوجه المجتمع المدني، على ما يبدو ببعض الممارسات أصبحت شبه الأحزاب التي تحتاج إلى تنظيم إذا مارست أدوارا مغايرة لطبيعتها مثلها في ذلك مثل مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة التي ينظمها قانون وتشرف عليها جهات حكومية مثل وزارة التنمية الاجتماعية، فما المانع من تنظيم القبائل وأنشطتها وتجمعاتها من خلال وزارة الداخلية التي يمكن أن تضطلع بدور تنظيم نشاطات القبائل عبر مكاتب الولاة وترخيص أنشطتها غير الاجتماعية وتقنين المد القبلي بشكل أفضل وفق آليات واضحة من خلال منظومة الأطر والتشريعات التي يفترض أن تنظمها وكذلك الإجراءات التي يفترض اتباعها عند ممارسة أي نشاط غير حفلات الزواج والعزاء والعزائم.
إن هذه أصبحت من المسلمات التي يجب تأطيرها خاصة مـــــع انتشار وسائل التواصل الاجتماعية وسوء استخداماتها في الــــــدعوات لتجمعات وتحزبات وغيرها من الأنشطة التي بعضها تخالف الأنظمة وتقلق الجهات، فإدارتها وفق منظومة قــــــوانين وإجراءات سوف يساعد كثير الجهات المختصة في تعزيز الأمن والسلم الاجتماعي وضبط المخالفين وتقينن الأمور بتشريعيات يحتكم لها الجميع.
فالجزاءات التي نص عليها قانون الجزاء العماني المتمثلة في المادة 121 و 124 من قانون الجزاء العماني الجديد، ليست متطابقة وكافية لتنظيم نشاطات القبائل التي بدأت تطل برأسها بشكل مقلق، ولا نعرف إلى أي مدى تتوسع وتتمدد وربما لدى الجهات المختصة الكثير من بواعث القلق والممارسات الخاطئة التي تفرض إيجاد تنظيم واضح لذلك.
نأمل أن ندرك ونستوعب بواعث القلق الذي ينتاب الجهات المختصة والعبء الكبير الذي يقع عليها والتحديات التي تفرضها هذه التحزبات بل أكبر من هذا وذاك الخطورة في تشكيل المجتمع بعقليات تحزبية وقبلية محضة، وما قد ينتج جراء ذلك من آهات وأمراض قد تعيدنا إلى العصور المظلمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لذا لابد من حسم كل من تسول له نفسه التحزب القبلي والدعوة له والترويج لتجمعاته، فهذا أمر انتهى إلى غير رجعة منذ بواكير انطلاقة النهضة المباركة.