استراتيجية التجارة الأمازونية لأفريقيا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٤/مايو/٢٠١٨ ٠٤:٥٤ ص
استراتيجية التجارة الأمازونية لأفريقيا

كارل مانلان

في مؤتمر قِمة عُقِد مؤخراً في كيجالي عاصمة رواندا، قام 44 رئيس دولة أفريقية بالتوقيع على اتفاقية تجارة حرة جديدة تهدف إلى تغيير الطريقة التي تدير بها المنطقة أعمالها. وإذا انضمت كل دولة في الاتحاد الأفريقي إلى منطقة التجارة الحرة القارية، فإن السوق الموحدة الناتجة عن ذلك ستكون واحدة من أكبر الأسواق في العالَم ــ حيث ستغطي 54 دولة تمثل نحو 4 تريليونات دولار من الإنفاق المجمع.

بيد أن التنفيذ الكامل يظل غير مؤكد. فقد رفضت التوقيع على الاتفاق عشر دول، بما في ذلك نيجيريا، وهي واحدة من أكبر الاقتصادات في أفريقيا والدولة الأكبر من حيث عدد السكان. وإذا كان لمنطقة التجارة الحرة القارية أن تنجح في اجتذاب رافضي التعاون من أنصار تدابير الحماية، فلابد أن تكون مصممة على النحو الذي يجعل فوائدها تعم الجميع. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي لأنصار الكتلة أن ينظروا إلى شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية، طلبا للإلهام.

منذ تأسست في العام 1994، أحدثت شركة أمازون ثورة في الكيفية التي يجري بها التفاعل بين المنتجين والمستهلكين. فمن خلال نهج «استراتيجية المنصات» في التعامل مع تجارة التجزئة، عملت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة على الربط بين الشركات والعملاء بطرق مفيدة للجانبين. فبوسع المتسوقين أن يصلوا بسهولة إلى المنتجات والخدمات، وتستطيع الشركات أن تصل إلى المزيد من المتسوقين بتكلفة أرخص. ومن خلال كسر الحواجز التي تحول دون الوصول، ساعد النظام البيئي لمنصة أمازون في توليد شركات وخدمات جديدة.
تحتاج أفريقيا إلى استراتيجية خاصة بها على غرار المنصات، ومن الممكن أن تساعد السوق الموحدة في تسليم هذه الاستراتيجية. ولكن لابد أولا من حدوث خمسة تغييرات أساسية.
بادئ ذي بدء، يتعين على الشركات في القارة أن تعمل على دمج أدوات مثل البيانات الضخمة، والخوارزميات، والحوسبة السحابية في عملياتها. فقد ساعدت هذه التكنولوجيات شركة أمازون في بناء منصة قادرة على الوصول إلى كل مكان في العالَم. وتحتاج الشركات في أفريقيا إلى التزام مماثل بالإبداع إذا كان لها أن تتمكن من التواصل في ما بينها ومع شركات أخرى في العالَم وأن تظل قادرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي.
ثانيا، تحتاج أفريقيا إلى قدر أكبر من القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال للمساعدة في الحفاظ على التصنيع والإبداع التكنولوجي. لكن الاستثمار معوق بفعل ندرة البيانات الاقتصادية. ولاجتذاب الأموال الأفريقية والأجنبية، يتعين على الحكومات والشركات والصناعات الأفريقية أن تلتزم بتحسين البيانات الإحصائية وتيسير الحصول عليها في مختلف القطاعات، حتى يتسنى للمستثمرين تقييم أحوال السوق بالدرجة اللازمة من الثقة.
ثالثا، يجب على الاقتصادات الأفريقية أن تلتزم بتوسيع منافع التجارة إلى ما وراء «الفقاعات» التكنولوجية في المناطق الحضرية. ومن أجل تبني نظام التجارة الجديد بشكل كامل، لا بد أن يتمكن مواطنو الرأس الأخضر من شراء الورود الإثيوبية أو الكينية الطازجة، وأن يتمكن أهل سوازيلاند من الاختيار بين تناول وجبة الفوفو أو الأتييك المصنوعة من الكاسافا الغانية. لكن السبيل الوحيد لتحقيق هذا المستوى من التكامل هو دعم سلاسل العرض الإقليمية والقارية بالاستعانة ببنية أساسية يمكن التعويل عليها للنقل والاتصالات.
رابعا، كما فعلت أمازون عندما أُطلِقَت قبل ربع قرن من الزمن، ينبغي لأفريقيا أن تركز على ما تقوم به على أفضل وجه. وفي قسم كبير من القارة، يعني هذا الزراعة. ولأن العديد من الأعمال في أفريقيا مرتبطة بالزراعة، ينبغي لهذا القطاع أن يخدم كعمود فقري لأي نظام تجاري موسع. فإذا تمكن مزارعو الحيازات الصغيرة في أفريقيا من الوصول بسهولة أكبر إلى الأسواق، فسول يتسارع النمو الاقتصادي بشكل طبيعي، وسوف يتبع ذلك التصنيع في نهاية المطاف.
أخيرا، عندما تقوم برلمانات أفريقيا بوضع تفاصيل إطار السوق الموحدة، يتعين على المفاوضين أن يضعوا احتياجات ومصالح المستهلكين والمنتجين في الاعتبار بوضوح. وهذا يعني التركيز أولا على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تمثل نحو 80 % من كل الشركات الأفريقية.
وكما أظهرت دول أخرى فإن تحسين قدرة الشركات الصغيرة على الوصول إلى السوق يساعد في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في الأمد البعيد. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم نحو ثلثي كل الوظائف الجديدة في القطاع الخاص، في حين تمثل في الصين ما يقرب من 60 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وعندما يتعلق الأمر بالمستهلكين، لن تنطلق السوق الموحدة في أفريقيا إلا إذا وضعت العوامل الديموغرافية في الحسبان. وهذا يعني إشراك النساء والشباب، فكثيرون منهم عاطلون عن العمل.
وإذا كان لمنطقة التجارة الحرة القارية أن تكتسب قبولا واسع النطاق، فلابد أن تصل السلع والخدمات إلى هذه المجموعات، ولابد أن يستفيد الشباب من زيادة فرص العمل.
يتلخص أحد أكبر التحديات التي ظلت دوما تواجه اقتصادات أفريقيا في التغلب على الأحجام المنخفضة إلى حد غير عادي من التجارة البينية داخل القارة في المنتجات ذات القيمة المضافة. ومن الممكن أن تتعامل منطقة التجارة الحرة القارية مع هذه الحتمية. فمن خلال فتح هذه الاقتصادات أمام التدفق الحر للأشخاص والمنتجات والخدمات، تستطيع منطقة التجارة الحرة القارية أن تساعد في دفع النمو الأفريقي في المستقبل. ويتطلب الوصول إلى هذه النقطة إيجاد «منصة» على غرار أمازون للتعامل مع الشركات والأعمال، وإدراك حقيقة مفادها أن مستقبل القارة سيكون أكثر إشراقا إذا كان مستقبلا قائما على الانفتاح المتبادل، بعد عقود من تدابير الحماية الإقليمية الفرعية.

كارل مانلان