المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: تقليل المخاطر لتعزيز دورها في الاقتصاد الوطني

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٤/مايو/٢٠١٨ ٠٤:٥٣ ص
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة:

تقليل المخاطر لتعزيز دورها في الاقتصاد الوطني

د.صالح مسن
salehmussan@hotmail.com

تؤكد النظريات الاقتصادية أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في التنمية بشكل عام، وتضع الأسس النظرية للدور المحوري الذي تلعبه هذه الكيانات التجارية في عملية النمو الاقتصادي. يمثل هذا القطاع اللبنة الأولى للتطور الصناعي والتنمية الاقتصادية وفقا لأفضل التجارب الاقتصادية العالمية حيث يساعد في استمرار تراكم راس المال كقاعدة رئيسية للنمو الاقتصادي. وهناك العديد من الأطر النظرية التي يمكن أن تبنى عليها التحليلات الاقتصادية لهذا القطاع، على سبيل المثال دورة حياة المنتج، والتي تحدد ثلاث مراحل لتطور المنتج وانتقال تكنولوجيا التصنيع، كذلك نظرية مراحل النمو والتي تفسر عملية التطور والنمو الاقتصادي وفقا لخمس مراحل، وكذلك الثنائية الاقتصادية والتي تبين عملية التعديل الهيكلي للاقتصاد من اقتصاد تقليدي إلى بروز قطاع صناعي أو حديث ومن ثم تحويل الاقتصاد بشكل كامل إلى مرحلة التصنيع الكامل، وغيرها من النظريات المرتبطة بالنمو المتوازن والنمو غير المتوازن، وبالتالي تعتبر SMEs بشكل عام والمؤسسات الصناعية منها بشكل خاص أساس قوي لتطوير الاقتصاد اعتماداُ على مراحل يصعب حرقها والقفز عليها إلى مراحل متقدمة. وفي هذا الإطار فإن نشوء وتطور الصناعات الصغيرة والمتوسطة يتطلب تضافر الجهود من خلال تحديث منظومة القوانين والتشريعات وتهيئة بيئة الأعمال لتشجيع هذه المؤسسات، كما يعول كثيراً على القطاع العام في لعب دور محوري في مساعدة هذا القطاع للنهوض به وتمكينه للدخول في شراكات ذات قيمة مضافة عالية للاقتصاد الوطني.
تؤكد الدراسات الأكاديمية السابقة أن كثيراً من الاقتصاديات الصاعدة قد استفادت من تجربة الصناعات الصغيرة والمتوسطة كمرحلة أولية للتطور والنمو الاقتصادي، حيث اعتمدت تجارب دول جنوب شرق آسيا في مجموعة النمو اللآسيوية على هذه المؤسسات في مراحلها الأولى من التنمية (هونج كونج - تايوان - كوريا - سنغافورة)، وكذلك مجموعة الدول الصناعية الآسيوية (تايلند – الفلبين – ماليزيا – إندونيسيا)، وعلى نفس النهج ظهرت الدول الصاعدة اقتصادياً حديثاً BRICS. كما تشير الإحصاءات إلى ارتفاع مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاديات الأكبر على مستوى العالم حيث تبلغ مساهمتها في الصين 60%، وفي ألمانيا 54%، وفي اليابان 52%‘ وفي الولايات المتحدة 50%.
يعتبر الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة ضرورة مرحلية في إطار مراحل النمو والتطور الاقتصادي، ومما لا شك فيه أن تمكين هذا القطاع عبر حزمة متكاملة من السياسات والإجراءات ومراجعة القوانين والتشريعات سيسهم في تعزيز مساهمته في الاقتصاد الكلى. ويعتقد كثير من المحللين بأن الصناعات الصغيرة والمتوسطة يمكن أن تكون قاطرة للنمو الاقتصادي إذا تمت معالجة التحديات والعقبات التي تواجهها.
ومما لا شك فيه أن دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة لا يقتصر فقط على الاقتصاد، بل تساهم أيضاً في جوانب سياسية واجتماعية متعددة، إذ يؤدي تطوير القطاع إلى توفير فرص العمل وتوفير السلع والخدمات كما يساهم انتشار هذه المؤسسات في القطاعات الإنتاجية المتعددة للاقتصاد إلى تقليل التفاوت بين مستويات الدخل وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للسواد الأعظم من السكان. بالإضافة إلى قدرة هذا النوع من الشركات على التكيف مع الأزمات الاقتصادية وقدرته على الولوج في قطاعات وأنشطة متنوعة لا تستطيع الشركات الكبيرة الدخول فيها. كما يعرف عن هذه المؤسسات قدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل من مستويات تعليمية مختلفة. حيث توظف الشركات الصغيرة والمتوسطة 60-70% من حجم القوى العاملة في دول OECD، وهناك نسب عالية في كل من إيطاليا واليابان على وجه التحديد، ورصدت الإحصاءات معايير محددة لقياس نمو وتطور هذا القطاع وأكدت على دينامكيته وفرصه الواسعة إذا ما تم تحسين البيئة التشريعية واتخاذ السياسات التشجيعية. وغني عن القول أن التجربة العالمية للدول الصناعية الصاعدة قد أثبتت جدوى هذا القطاع واهميته في التحولات التي شهدتها هذه الدول خلال العقود الفائتة.
وفقاً للدراسات السابقة حول التحديات التي تواجه هذا القطاع على المستوى العالمي يمكن القول بأن الحصول على التمويل يمثل أهم الصعوبات، كما أن البيئة التشريعية وقوانين الملكية والتسهيلات التي تمنح حسب حجم الشركة وعمرها في السوق كلها عوامل مهمة تحدد دور هذه الشركات في التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص العمل. النتيجة المؤكدة هي أن الدول التي انتهجت استراتيجيات وسياسات توفير التمويل وتسهيل الحصول على مدخلات الإنتاج وتقديم تسهيلات تخفيض الرسوم والضرائب وتحسين بيئة أداء الأعمال بشكل عام هي التي تمكنت من الاستفادة من فرص هذا القطاع الرائدة وتم تطويره ليصبح اكثر تنافسية في السوق العالمي، وفي المقابل الدول التي لم تهتم بمشاكل وتحديات هذا القطاع لم تتمكن من بناء وتطوير اقتصادياتها للمنافسة عالمياً.

أثناء كتابتي لهذا المقال أردت أن أسند هذا الطرح النظري بالاستدلال بدراسة بحثية عن أهم التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة فوقعت يدي على دراسة مصغرة لصندوق شراكة تستطلع فيها آراء رواد الأعمال عن أبرز التحديات التي تواجههم. لا أستطيع تبني منهجية الدراسة ولا الدفاع عن جوانب الضعف التي وقعت فيها مثل صغر العينة المنتقاة وطريقة صياغة أسئلة الاستبيان أو الكيفية التي تم من خلالها تحليل النتائج، ولكني أجد أنها تفي بالغرض الذي كتب من أجله المقال، وهو إعطاء لمحة عامة عن أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع. صنفت الدراسة التحديات إلى ثلاث فئات وهي تحديات متعلقة بالمجتمع وتحديات متعلقة بالبيئة الاستثمارية وتحديات متعلقة بالقدرات الريادية لرواد الأعمال. وتحت فئة التحديات المجتمعية كانت نظرة المجتمع السلبية للفشل عائق كبير يواجه رواد الأعمال المبتدئين حيث يرى 92% من المستطلعة آراؤهم أن المجتمع ينظر بسلبية حادة تجاه فشل صاحب المشروع. بالإضافة إلى ذلك فإن دور المؤسسات التربوية والإعلامية أقل بكثير من المأمول منها فلا النظام التعليمي يهيئ الطلبة للتفكير بإدارة مشروعات تجارية ولا القنوات الإعلامية تشجع ثقافة ريادة الأعمال من خلال الترويج لرواد الأعمال الناجحين. وتأتي انعدام ثقة المجتمع في قدرات رواد الأعمال العمانيين كتحدي رئيسي آخر يواجه أصحاب هذه المؤسسات حيث يفضل 86% من المجتمع التعامل مع الوافد مقارنة بصاحب المشروع العماني.
وفيما يتعلق بالتحديات المتعلقة بالبيئة الاستثمارية فقد جاءت صعوبة الحصول على التمويل على رأس هذا التحديات حيث يرى 60% من عينة رواد الأعمال أن إجراءات الحصول على التمويل طويلة ومعقدة مع اختلاف أرائهم حول مسألة تناسب المنتجات التمويلية مع حاجة أصحاب العمل، كما أشار 93% من رواد الأعمال إلى أن احتكار الشركات الكبيرة للسوق يؤثر بشكل سلبي على نشاطهم ونمو مؤسساتهم. وأخيراً تأتي التحديات المتعلقة بالقدرات الريادية كمعوق لوجستي يتسبب في فشل الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المراحل الأولى من التأسيس؛ حيث أكد أكثر من 54% من رواد الأعمال أنهم ليس لديهم القدرات الأساسية لإدارة مشاريعهم، فيما أشار الأغلبية بأنهم يحتاجون إلى مساعدة في صياغة خطة عمل المشروع.
ليست هناك إحصاءات دقيقة توضح مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي أو حجم إيراداته العامة لخزينة الدولة أو نسبة مساهمته في حصيلة الصادرات وتوظيف الباحثين عن العمل أو غيرها من المؤشرات الأساسية التي تعكس الأهمية النسبية للقطاع، إلا أنه ومن الضرورة بمكان وضع أهداف كمية مستقبلية تعكس التوجه الاستراتيجي للسلطنة، وكذلك توضح الخطط والسياسات والآليات التي تمكن من تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية في شكل مراحل وصولا لانتقال الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى شركات كبيرة أكثر قدرة لتحمل الصدمات والتوظيف واستقطاب التمويل الخارجي والمنافسة عالمياً.
من الواضح أن هناك جهوداً مقدرة قد بذلت من اجل النهوض بهذا القطاع، إلا أن التحليل العام للوضع الراهن يبرز ما لا يدع مجالاً للشك أنه بالرغم من إطلاق العديد من المبادرات والاهتمام بنشاط التمويل في هذا القطاع، وكذلك تطبيق عدد من السياسات الموجهة لتطوير القطاع إلا أن التحليلات تشير إلى وجود تضارب في السياسات نتيجة للتوجه في دعم هذا القطاع بتوفير التمويل من ناحية وفرض رسوم متعددة على هذا القطاع من جانب آخر مما يترتب عليه ارتفاع التكلفة، وتدني تنافسية المنتجات ولربما خروج كثير من الصناعات الصغيرة والمتوسطة من دورة الاقتصاد. ولذلك لابد من الإشارة إلى خطورة ذلك في ظل الركود الاقتصادي الذي ما زال يخيم بظلاله على الاقتصاد الوطني، والذي تتطلب الإسراع في تنفيذ الخطط والبرامج التي تعمل على تنشيط الاقتصاد، وتحسين بيئة الأعمال، وتسهيل منظومة الإجراءات، وتقديم الحوافز اللازمة لهذا القطاع ليتسنى له المساهمة بشكل أكبر في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة.
ولذلك يأتي هذا المقال ليسلط الضوء على أهمية النهوض بهذا القطاع ليلعب دوره المنوط به بالكفاءة والفعالية المطلوبة، بل هي دعوة لإعادة النظر في مجمل السياسات الموجهة لهذا القطاع ومراجعة الإطار المؤسسي وكذلك وضع إطار تشريعي لهذا النشاط لمعرفة أي الشركات التي يمكن تقديم التمويل والتسهيلات لها، وكذلك لمنع التحايل والتهرب الضريبي أو استغلال التسهيلات بواسطة شركات من خارج القطاع. ومما لا شك فيه أن تقديم محفزات محددة عبر توفير التمويل أو سن قانون خاص بهذه المؤسسات أو تطوير الهياكل التنظيمية للقطاع وتحسين البنيات الأساسية لعمل الصناعات الصغيرة والمتوسطة من شأنه أن يحسن مؤشرات قياس النمو ويؤدى إلى تحول هذه الشركات إلى شركات كبيرة مستقبلا تكون أكثر كفاءة في توظيف الموارد وتقليل تكلفة الإنتاج في المدى البعيد بالاستفادة من تراكم الخبرات والتجارب وتوظيف افضل الممارسات. وهناك لا شك فرص متعددة يمكن استغلالها ليكون هذا القطاع رائدا في مضمار التنمية الاقتصادية بالسلطنة.