لا تحملوا المعلمين إخفاقاتكم!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٤/مايو/٢٠١٨ ٠٤:١٥ ص
لا تحملوا المعلمين إخفاقاتكم!

علي بن راشد المطاعني

تفاعل الكثيرون مع مقال (معلمون ينفقون على وظائفهم)، وجاءت بعض الردود ملقية باللوم على المعلمين إذ يطلبون من طلابهم مساهمات لشراء بعض مستلزمات الأنشطة ومتطلبات إجراء البحوث وغيرها، وليس دفاعا عن المعلمين والمعلمات، لكن الحق يجب أن يقال في مثل هذه المواقف التي يجب أن نكون منصفين فيها للجميع، لا لشيء سوى أن ديننا الحنيف يحثنا على الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه حتى لو كان ذلك على حساب أنفسنا.

فالعملية التعليمية والتربوية هي أولا عملية تكاملية بين المدرسة والمنزل كأساس لإنجاحها، ولا ينبغي علينا أن نمني أنفسنا بأي نجاح يذكر دون هذه الصيغة، فعلينا كأولياء أمور التزامات أكثر مما نطالب به المعلمين والمعلمات إزاء فلذات أكبادنا.
الجانب الآخر سير العملية التعليمية نفسها الماضية في طريقها إلى رحاب المستقبل من خلال دعم غير محدود من الحكومة الموقرة للتعليم، والشواهد ماثلة أمامنا لا تحتاج إلى مزيد من الإيضاح، فميزانية التعليم السنوية تناهز بليوني ريال عُماني، وهو جهد يجب تقديره عاليا في ظل الظروف والأزمات التي تعيشها المنطقة، والسلطنة ليست استثناء بطبيعة الحال، فالحمد والشكر لهذه النعم من موجبات الإيمان بالله.
أما الجانب الثالث فالمعلمون والمعلمات الذين يصرفون من رواتبهم في تسيير بعض الجوانب التعليمية المساعدة كالأنشطة والأدوات، ومساعدة الطلبة المعوزين في شراء احتياجاتهم الصغيرة عن طيب خاطر، وهو أمر ليس من مسؤوليتهم لكنهم يفعلونه عن طيب خاطر، وهم بذلك يستحقون عليه الشكر والتقدير والامتنان، ومهما كانت المبالغ التي يقدمونها فهي عبء عليهم.
أما بعض طلبات المعلمين والمعلمات لتلاميذهم للمساهمة في القيام برحلات أو أنشطة لا صفية وغيرها، فمعظمها اختيارية أساسا ولا تزيد عن مرة أو اثنتين طوال العام ولا يجب تضخيمها مع ما تنفقه الدولة والمعلمون، فهذا طبيعي جدا لإكمال العملية التعليمية، فالبيت أيضا عليه مسؤولية كبيرة في مساندة هذا الجهد بشراء بعض المستلزمات المدرسية للأبناء، ودعم الجانب الخاص بالبحوث لتعويد الطالب على هذا المنهاج، وكذلك لاستنهاض قيمة الأشياء في نفوس الطلاب ولتعزيز الجدية لدى أولياء الأمور في تحمل تبعات دراسة أبنائهم.
وهم عندما يطلبون مساهمات من الطلبة للقيام برحلات والقيام بأنشطة، فالهدف من ذلك إشراك البيت والطالب على وجه التحديد لكي يكونوا أي- الطلبة والطالبات- أكثر إيجابية اجتماعيا، إشارة إلى أن الشعوب تنفق على تعليم أبنائها الغالي والنفيس، والحمدلله من قبل ومن بعد على أن مجانية التعليم مكفولة من الأول الابتدائي إلى التعليم الجامعي المتاح للجميع، وما يتبقى بين ذلك هو القليل الذي يساهم فيه البيت من أجل إكمال الإطار العام لسلامة المنظومة التعليمية بالبلاد، والتي تشير كل المؤشرات إلى أنها تمضي في الطريق المرسوم لها بإذن الله.
فإذا كانت العملية التعليمية والتربوية هي تكاملية في إطارها العام كما أكدنا، فإننا نؤمن بحقيقة أخرى وهي أن المنزل هو الطرف الأهم على الإطلاق في العملية التربوية، فالمعلم يتعامل مع 35 طالبا في المتوسط في الصف الواحد، وأكثر من ألف طالب على مستوى المدرسة، في حين أن البيت يتعامل مع عدد الأبناء بالأسرة وهم خمسة في المتوسط، فالفارق كبير بين مسؤوليات الأب والأم ومسؤولية المعلم والمعلمة، فضلا عن العلاقة الأبوية بين الأبناء والأسرة، والمسؤولية الأكبر بين الطرفين (البيت والمدرسة)، وبالتالي فإن التركيز الذي يجده التلميذ في المنزل لن يجده في المدرسة بأي حال من الأحوال للبون الشاسع بينهما في البيئة والكثافة العددية، وهنا تبرز أهمية البيت في تحمل مسؤولياته في إنجاح العملية التعليمية، وإن لم يستطع البيت القيام بدوره كما ينبغي فذلك يعني أن جهود المدرسة ستغدو في مهب الريح كحقيقة لا جدال فيها ولا يجب أن نحمل المنظومة التعليمية بكل أركانها المسؤولية في هذا الشأن كما نسمع الكثير من التعليقات التي تضع الحكومة والوزارة والمعلمين والمعلمات كشماعة لإخفاقاتهم للأسف.
بالطبع هناك بعض الطلبات المبالغ فيها من بعض المعلمين والمعلمات تم ضبطها من وزارة التربية والتعليم، لكن في العموم مساهمات أولياء الأمور تكاد لا تذكر ولا ينبغي أن تذكر مع حجم ما يقدمه الطرف الآخر، بل مع ما يتحمله من ضغوط لن يستطيع أولياء الأمور تحملها أبدا، وهذه حقيقة يجب أن نجل فيها الطرف الآخر ويكفي القول المأثور القائل (من علمني حرفا صرت له عبدا).
نأمل أن لا نبالغ في تحميل المعلمين والمعلمات طلبات بسيطة تهدف إلى إشراك البيت لا أكثر في العملية التعليمية، وتضافر الجهود للنهوض بها إلى ما نتطلع إليه من سبر أبنائنا أغوار المستقبل بنجاح، وإيجاد أجيال قادرة على التعاطي مع المستجدات والمتغيرات بكفاءة عالية ومسؤولية أكبر، وهذه لا تتأتى إلا من خلال فهم مشترك لمسؤوليات البيت والمدرسة والمجتمع ككل في صناعة أجيال الغد، فهذه شهادتي اللهم فاشهد.