العوابي - أسد بن حارث الزكواني
الهجار من أهم القرى التاريخية التي سطرت في تاريخ عُمان وما زالت تحتفظ بمعالم التراث الخالد وأمجاد الذين ما زالت الألسن عامرة بذكرهم والمكتبات ودور العلم زاخرة بمآثرها؛ فهي مسقط رأس ذلك الإمام التقي الورع الزاهد الوارث بن كعب الخروصي «رحمه الله» الذي يعتبر أول إمام من بني خروص وثاني إمام في عُمان.
تقع قرية «الهجار» على محاذاة وادي بني خروص وتحت سلسلة جبال الجبل الأخضر الذي يقع جنوبا منها وتحدها شرقا قرية مسفاة الشريقيين ومن الغرب قرى ثقب وشو وصنيبع، وتبعد عن مركز ولاية العوابي نحو 16 كيلومترا، ولقرية الهجار جذور ضاربة في أعماق التاريخ وهي تتمتع بسمعة طيبة لما كان لها من شرف احتضان الأئمة والعلماء الأخيار. يقطن القرية حوالي 600 نسمة وتسكنها قبائل بني حراص وبني خروص وبني ريام وقبائل الذهلي والكندي والشريقي.
تربط القرية بين وادي بني خروص والجبل الأخضر في طريق للسير على الأقدام ويُستخدم حتى وقتنا الحاضر وينقسم إلى طريقين طريق «الطلحات» وطريق «السقيبة» فقاطنو الجبل الأخضر كانوا يستخدمون الطرق من أجل توصيل وتسويق منتوجات الجبل من المحاصيل الزراعية مثل الرمان والمشمش والخوخ والعنب وأيضا الحيوانات مثل الأغنام، وجلب ما يحتاجونه إلى قراهم ومناطق سكانهم في الجبل الأخضر.
وتعدّ الزراعة من أهم الجوانب التي يشتهر بها أهل قرية الهجار، ومن مزروعاتهم النخيل والذرة وأعلاف الحيوانات وبعض الخضروات والفواكه، وتمتاز القرية بالأفلاج حيث يوجد فلجان أحدهما يُسمّى فلج «العين الكبيرة» ومنبعه قريب والآخر فلج «الغيل» ومنبعه بعيد نوعا ما، وكلاهما بارد في الصيف ودافئ في الشتاء، ويشهد أهل القرية بأن العين لا ينقص جريانها عند اشتداد الحرارة والمحل.
قصة الإمام ومسجد «الغمامة»
تزدان قرية الهجار بالعديد من المقومات التاريخية، ففيها نشأ وتربى الإمام الجليل الوارث بن كعب الخروصي «رحمه الله» ليترك وراءه مسجد «الغمامة» الذي بناه الإمام «رحمه الله» بنفسه ويقدَّر عمره بحوالي 1300 سنة وما يزال قائما وتوجد بجانبه مكتبة ومدرسة لتعليم القرآن الكريم، أيضا توجد غرب المسجد مزرعة أشجار «الليمون».
قصة الإمام ومسجد «الغمامة»، وحكاية شجرة «الليمون» يرويها لنا الشيخ عبدالله بن سليمان بن زاهر الخروصي البالغ من العمر 80 عاما وهو وكيل أموال الإمام الوارث بن كعب الخروصي. يقول: «كان الإمام الوارث بن كعب الخروصي يسكن بلدة الهجار، وقد عزم الإمام على بناء مسجد في هذه البلدة فتحيّر في بنائه وكيف تكون جهته وما مساحته وقد أظهر الله له علامة وهي غمامة ظللت تلك البقعة من الأرض فحدد الإمام الموقع وبدأ في عمارة المسجد. ومن كرم الله على هذا الإمام أن الشمس لم تصبهم هو ومن معه منذ الشروع في بناء هذا المسجد وحتى الانتهاء منه، ولما كمل بناؤه حفر حفرة في الأرض وجعل منها حوضا على الساقية من غربي المسجد والذي يسمّى «حوض الإمام الوارث» وذلك حتى يتمكن الناس من الوضوء عند انقطاع الماء، وبجانب الحوض من الجهة الجنوبية أرض زراعية».
حكاية شجرة «الليمون»
ومسجد النصر
ويتابع الشيخ عبدالله قصته: «في يوم من الأيام كان الإمام يحرث في هذه الأرض فسمع نداءً ولكنه لم يرَ الشخص المنادي وأخذ يقول له: (اترك حرثك وسر نزوى وأقم بها الحق) وترك الإمام الحرث ولعن الشيطان وقام وتوضأ وصلى في المسجد وسأل ربه أن يبيّن له سر النداء وفي يوم الغد ذهب الإمام إلى المزرعة وسمع النداء مجددا فقال الإمام: (ومن أنصاري وأنا رجل ضعيف)، فقال المنادي: (أنصارك جنود الله)، فقال الإمام: إن كان حقا فيما تقوله فليكن نصابا مجزيا هذا ينبت ويخضر من الشجر الذي أصله منها فغرسها في الأرض وسقاها وعاد إلى بيته وفي الصباح الباكر ذهب الإمام فوجد شجرة «لومي» طالعة بثمرها، فقال الإمام: الحمد لله الذي بيّن الحق لي، وقال لصحابته لا يسعنا الجلوس ولا بد من تنفيذ حكم الله فخرج ومن معه ومروا إلى قرية «ستال» وهناك أخوه محمد بن كعب فأخبره الإمام بما أظهر الله له، فقال أخوه محمد أنا في صحبتك إن شاء الله. وساروا قاصدين نزوى، وفي بلدة الهجير نزلوا يستريحون من تعب الطريق ولما أراد الإمام المسير قال أخوه محمد أنا لا أصحبك وليس عندنا قوة على الحرب فغضب عليه الإمام وقال له حرمت عليك مالي أنت وذريتك إلى يوم القيامة وسماه «خزير» لأنه خزر عنه ومن ذلك الزمان ذريته تسمى بني خزير، وسار الإمام قاصدا متوكلا على الله لا يخاف. ومرّ ببلاد اسمها «زكت بني صبح» واستراح الإمام من تعب الطريق وأخبرهم الإمام بما أمره الله وقالوا نحن معك نصحبك جميعا فقال لهم الإمام بارك الله فيكم، وقد أوصى لهم بأربعين سهما ولو بقي منهم رجلا واجدا لا يتغيّر ولا يتبدل إلى يوم القيامة وساروا قاصدين موفقين بعون الله ووصلوا بلدة نزوى، وقد وجد الإمام خبازا يخبز الخبز ووجد جنديا من جنود حاكمهم يأكل الخبز والخباز يستغيث بالله ويبكي لأنه منهك من العمل فناداه الإمام فقال له إن كان لا بد أعطه ثمن خبزه، فقال الجندي ليس لك حق في هذا ونحن أولى به، فغضب عليه الإمام فقتله ومضى في أحد المساجد ونصب فيه إماما للمسلمين ومن ذلك الزمان سُمِّي مسجد «النصر»، فسار الخبر إلى الحاكم فغضب فقال للعسكر لا بد بأن تأتوا به سالما أو كرها عليه، وساروا إلى المسجد ولم يستطع العسكر أن يصل أحد منهم للمسجد وذلك لكثرة الرجال المقاتلة ورجعوا إلى حاكمهم وأخبروه بما وجدوا من عجائب الله تعالى لأن الإمام نزل في نزوى ليس عنده جنود بل أصحابه فقط الذين بصحبته وقد أيّده الله بجنود من عنده، فالحمد لله بدوام النصر له فقام واستقام بنزوى وأظهر الحق ودمغ الباطل، وقد أمر بحبس سبعين سجينا وجب عليهم وقيّدهم بحبال من خوص النخيل ولكنهم وجدوا القيود أشد من الحديد، وقد أنزل الله أمطارا وخاف الإمام بنزول الأودية وقد أمر أصحابه بفكاكهم ولكنهم رفضوا خوفا من كثرة الأمطار ونزول الأودية، وقال الإمام أنا المسؤول عنهم يوم القيامة وسار بنفسه ولكن المقدر لا بد أن يكون، ووصل الإمام فجاء الوادي ولم يستطيعوا اجتيازه فغرقوا جميعا وكانت وفاته في اليوم الثالث من جمادى الأولى سنة مئة واثنين وتسعين (192) ولما انقطع الوادي عن السيلان تبادر أصحاب نزوى كل فرقة تريد أن تدفن الإمام بمقبرتهم وحل النزاع بينهم وقد أرسل الله رجلا يحكم بين الفريقين وقال لهم يدفن مكانه الذي وُجِد فيه وصح الرضا بينهم وانقطع الخصام، والقبر باق ومعروف إلى يومنا هذا.. والله تعالى أعلم».
القصرة والجبور
برع أهل قرية الهجار في توثيق كل بصمة وضعها الإمام الوارث في القرية والاحتفاظ بكل بصمة علم لتظل راسخة عبر الأزمان في تاريخ عُمان، ومما وثّقوه «القصرة» وهي نوع من أنواع النباتات أسطوانية الشكل، يقول الشيخ عبدالله الخروصي: إن هذه «القصرة» صنعها الإمام بنفسه وهي باقية ليومنا هذا، يستخدمها الإمام بوضعها بعد صلاة الفجر وسط المسجد ويلتف عليها المصلون ويوضع على رأس «القصرة» (سراج بو صحة) مادة تسمّى «حل تراب» لكي ينير ويتوهج المكان بالضوء ليتمكن القرّاء من قراءة القرآن الكريم والتدارس في علوم الدين، ونحت عليها بيت شعر للإمام الوارث في مطلعه: (صنع السراج في المسجد العز البر.. ذات الخصال الوارث الجبر الأغر).
و«الجبور» مساحة من الأرض مربعة الشكل كان يستخدمها الإمام لتجميع التمور والبذور من القمح والشعير وتتم القسمة عليها لكي يُخرج الصدقة منه.
وللشيخ عبدالله الخروصي تاريخ في الاحتفاظ والاهتمام بأموال الإمام، وله بصمة شعر على جدار المسجد للإمام يقول فيه:
وعلم بأن مسجد «الغمامة»
بناه من توج الإمامة
وهو الذي ترجى به السلامة
سليل كعب وارث الكرامة
وعز دائم لا ذل فيه
وإقبالا إلى يوم القيامة.
نصيحة وتوصية
يقول الشيخ الخروصي: «أحمد الله على نعمة الأمن والأمان في عُمان وأن يحفظ أهلها وسلطانها وأن ينير طريق الحق. وأوجّه نصيحة أولا للشباب العُماني أن يكونوا على صلة حب وولاء مع تاريخ عُمان العريق وأن يقتنوا منه المعرفة معلمين أولادهم من بعدهم حب الوطن والتمسك بالتراث والتاريخ. ثانيا أتمنى من الجهات ذات الاختصاص وأولها وزارة التربية والتعليم أن تعمل على إبراز دور الأئمة والعلماء في التاريخ العُماني في المناهج الدراسية، وأيضا دور وزارة التراث والثقافة توثيق كل ذرة تراب من عُماننا الحبيبة لأنها غالية على قلوبنا، ولا ننسى دور الإعلام في إبراز المعالم التاريخية والأثرية والاهتمام بالتراث العُماني».